لا تزال أصوات دوي الانفجارات وطلقات الرصاص تدوي في السودان. تتداعى الأوضاع الإنسانية والغذائية للسكان، وتتناثر بقع الدماء في كل الأرجاء. اتفاقات هشة لوقف إطلاق النار بين الطرفين، ومجتمع دولي بطيء في الاستجابة، ولهذا ربما يبقى السودان متقلبا على صفيح ساخن.

لكن ما هي الأدوات التي يمكن اللجوء إليها لوقف نزيف الدماء؟ وكيف يمكن إجبار الطرفين المتصارعين -القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع- على اللجوء للتفاوض في ظل ما تبدى من صعوبة حسم أيهما للمعركة؟ وما هو موقف حركات التمرد المسلحة من الصراع؟

هذه الأسئلة والسيناريوهات المحتملة لمآلات الحرب في السودان، يجيب عليها ثلاثة من خبراء الشأن السوداني، في تصريحات لـ”مصر 360″.

العقوبات أداة قوية.. لكن النظام في السودان معتاد عليها

من الممكن محاولة إجبار الطرفين على التفاوض، لكن لن يكون الأمر سهلاً، إذا أعتقد أحدهما (الجيش على الأرجح)، أنه ينتصر ويسعى إلى القضاء على الطرف الآخر. الأدوات المتاحة هي أنواع مختلفة من الضغوط الاقتصادية والسياسية، ولكن غالبًا ما تعمل هذه الأدوات ببطء.

كما سيكون من الصعب الحفاظ على اتفاق البلدان الأربعة، الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، على نفس المسار الذي يجب اتباعه بالضبط.

العقوبات أداة قوية، لكن النظام في السودان معتاد إلى حد ما على العقوبات، وحيث يكون الطرفان السودانيان عرضة للخطر في إمبراطوريتهما الاقتصادية/ التجارية، وكلاهما له بُعد إقليمي، يمكن أن يكون استهداف “أعمال”، الجيش والدعم السريع سلاحًا قويًا إذا تم استخدامه بعناية.

كلما طال استمرار الوضع الحالي، ازدادت خطورة الأزمة، ليس فقط من الناحية الإنسانية. هناك ضغط داخلي داخل كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وهذه القوات ليست خاضعة للسيطرة الكاملة، ولا تستجيب بشكل كامل لسلسلة قيادة واحدة.

سوف يميل المتمردون السابقون (الحركات المسلحة)، للانضمام إلى جانب، أو آخر اعتمادًا على كيفية رؤيتهم لمصالحهم. يمكنك أن ترى وضعًا حيث يصبح المتمردون السابقون قوات حكومية؛ لمحاربة الدعم السريع التي يتم التعامل معها كمتمردين. لقد رأينا بالفعل اندلاع العنف العرقي/القبلي، لا سيما في غرب دارفور (الجنينة)، والمزيد من ذلك ممكن.

ألبرتو ميجيل فيرنانديز

كما يمكنك أن ترى وضع عرب دارفور، الذين فضلهم النظام سابقًا، وهم مستهدفون من قبل النظام الآن، بما في ذلك الخرطوم (حدث هذا في عام 2008 عندما استهدف النظام قبيلة الزغاوة في الخرطوم بعد هجوم الزغاوة بقيادة حركة العدل والمساواة على الخرطوم في مايو/أيار من ذلك العام). ومن الممكن أيضًا أن تحاول الخرطوم أن تفعل ما كانت تفعله دائمًا -فرق تسد- وتستخدم قبيلة أو زعيم جماعة ضد أخرى.

ألبرتو ميجيل فيرنانديز– القائم السابق بأعمال السفير الأمريكي في السودان

 

يمكن أن يصير السودان أرضًا خصبة للجماعات المتطرفة

هناك احتمالات لسيناريوهات مختلفة في السودان. قد تكون هناك حرب أهلية ممتدة تجتاح مختلف المناطق في السودان، وسيكون لها تداعيات في الدول المجاورة، ويمكن أن يكون السودان أرضًا خصبة للجماعات المتطرفة.

يدرك الطرفان أنهما لا يستطيعان كسب الحرب، وبالتالي قد يتم الاتجاه إلى تسوية سياسية.

إذا كان هناك أداة ضغط ممكنة، فهي أن يقوم المجتمع الدولي، بمساعدة القوى الإقليمية السعودية ومصر والإمارات، بتجميد بعض أصول الجيش وقوات الدعم السريع؛ من أجل الضغط عليهما للتوصل إلى تسوية.

محمد خير عمر

في سيناريو آخر، وإذا فشلت جهود حث الجنرالات على التفاوض، وفي ظل استمرار المعارك على الأرض وعدم قدرة الطرفين على حسمها، يمكن أن نتخيل تخلي حركات التمرد المسلحة عن حيادها والانضمام إلى أحد طرفي الحرب، وقد يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب أهلية شاملة تشمل دارفور والنيل الأزرق وشرق السودان.

محمد خير عمر–  باحث وكاتب في شؤون القرن الإفريقي، ومقيم في أوسلو بالنرويج. وهو عضو سابق في جبهة التحرير الإريترية

إذا خسر الجيش معركته في الخرطوم فلن ينقل صراعه إلى مدن أخرى

قدرة الطرفين على الاستمرار لوقت طويل في المعارك تعتريها العديد من المشاكل، أولها أن الطرفين سيواجهان الأزمة الغذائية والاقتصادية والإنسانية التي يواجهها كل السودانيين، باعتبار أن المصانع العاملة في الدقيق والزيوت وتعبئة المواد الغذائية تضررت بشكل كبير. والطرفان سيتأثران بهذا الأمر.

لم يتوقع الطرفان أن تتجه الحرب لأسبوعها الثالث، وهي مرشحة للاستمرار لمدة أطول ولهذا كُلفة، وبالتالي الخيار الأفضل لهما هو التفاوض لأنه اتضح أن الحرب صفرية ولا توجد فرص لمسألة الحسم الكامل، وهذا يرجع لتكامل القوتين فالجيش لديه أسلحة ثقيلة والدعم السريع يغطي جانب المشاة، وبالتالي كلاهما يفتقد لجانب القوة الذي يتمتع به الطرف الآخر.

إذا حدثت توترات مستجدة، مثل تمكن الجيش من دحر الدعم السريع خارج الخرطوم، فقد تكون استراتيجية الأخير اللجوء إلى حرب المدن، وتحديدا في دارفور حيث علاقات الجيش سيئة مع الجماعات العرقية؛ نظرا لميراث الحرب السابقة.

إذا استمرت الحرب لمدى زمني طويل، فهذا يعني أن كلا الطرفين سيحتاج لدعم إقليمي، وقد يكون السيناريو الأقرب أن يتجه حميدتي للدعم من ليبيا، فمن غير المرجح أن تسانده تشاد أو إفريقيا الوسطى؛ نظرا لعلاقاته السيئة بالقوات الحدودية لكليهما.

أما إذا خسر الجيش معركته في الخرطوم فلن ينقل صراعه إلى مدن أخرى، وسيكون ضباط الجيش أمام خيارين: إما الاستمرار في ظل التركيبة الجديدة أو التسريح. ولكن الفرضية الأقرب عدم انتصار أيا منهما ولجوئهما للتفاوض.

الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، لديها موقف معقد للغاية باعتبار الدعم السريع الطرف الرئيسي الموقع على الاتفاق، بجانب أن بنية الاتفاق تقوم على دعم الحركات المسلحة للجيش في مواجهة القوى المدنية. ولكن حدثت متغيرات سياسية أدت إلى انقسام تلك القوى ما بين داعم للجيش وآخر داعم للمدنيين.

بعد انقلاب 2021، دعمت حركتا تحرير السودان، بقيادة مني أركو مناوي، والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، الجيش ثم لاحقا اصطفتا معه في رفض الاتفاق الإطاري. عند بداية الصراع الحالي لم تعلنا موقفهما المساند للجيش ولعبا دور الحياد والوساطة. في تقديري الموقف الاستراتيجي لهذه الحركات هو التخوف من انتصار الجيش؛ لأنه يعني أنهم الضحايا القادمون، وعدم الوفاء بمسألة دمجهم في صفوف الجيش بمبررات مثل، الحفاظ على تركيبة الجيش.

ماهر أبو الجوخ

هناك سيناريو آخر، وهو انتصار حميدتي ما يعني أن الحركات التي دعمت الجيش سينظر لها على أنها متواطئة ما سيؤثر أيضا على مسألة الدمج. الموقف الذي في صالحهم هو التفاوض بين الطرفين، وحينها بإمكانهم الحفاظ على الامتيازات التي حققوها بموجب اتفاق جوبا. هذه الحركات فعليا تخشى انتصار أي من الطرفين. لذلك تريد أن تكون على الحياد وانتظار من سيفوز.

عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير لا يريدون مسار التفاوض، ويأملون في انتصار الجيش. ولكن أظن أن التفاوض هو المسار الأقرب في ظل استنزاف قوة الطرفين وتدهور الأوضاع والرأي العام الدولي والإقليمي المعارض للحرب. كما سيتأثران بشدة فيما يتعلق بالحفاظ على خطوط الإمدادات الغذائية والعسكرية.

الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات يمتلكون أدوات للضغط على الطرفين، وبإمكانهم تقديم حوافز أو ضغوط لدفع المتحاربين للتفاوض. لا يوجد طرف يريد أن ينتصر في المعركة، ويجد نفسه معزولا في محيطه الدولي والإقليمي؛ لأن ذلك لن يساعده على الحكم.

في تقديري، مستقبلا سيرغب المجتمع الدولي في استكمال العملية السياسية من النقطة التي توقفت عندها قبل الحرب -وليس البدء من الصفر-، مع إضافة ما سيتم التوصل إليه بين الجيش والدعم السريع للعملية، وذلك وفقا لنتيجة الصراع الحالي.

ماهر أبو الجوخ – باحث سياسي سوداني، والمدير السابق للبرامج السياسية في تلفزيون السودان