تسعى الحكومة العراقية لاستثمار النجاح الذي حققته وساطتها بين إيران والسعودية، في تكرار هذه الخطوة لكن هذه المرة بين إيران ومصر. إذ كشفت تقارير عربية وعراقية أن ممثلين عن الجانبين المصري والإيراني، عقدوا لقاءً في بغداد، الشهر الماضي، بوساطة عراقية، تبنتها حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

ووفقا لاثنين من المسئولين العراقيين، فإن اللقاء تم على مستوى تمثيل منخفض من الطرفين منتصف إبريل/ نيسان الماضي، بترتيب وحضور من قبل الجانب العراقي، ممثلًا بالمكتب الخاص لرئيس الوزراء شياع السوداني، ووزير الخارجية فؤاد حسين، ومستشارون في الأمن القومي، وسط ترقب للقاء آخر مماثل بين الطرفين تهيئ بغداد له.

وفي تصريحات صحفية، أكد مقرر لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي عامر الفايز، أن”العراق بدأ فعليًا بوساطة؛ لتقريب وجهات النظر، وكسر التردد لدى مصر وإيران في التوصل إلى علاقة طيبة”، موضحا أن هناك تقدما بهذه الوساطة، كون اللقاء الأول تم بين الطرفين.

اقرأ أيضًا: مصر وإيران ومراوحة المكان.. الرغبة باستعادة العلاقات لا تزال رهن التفاعلات الإقليمية

ويرى الفايز أن هذه وساطة تؤكد أهمية العراق في المنطقة، وما يلعبه من دور متوازن في العلاقات، بما يجعله وسيطًا مقبولًا من كل الأطراف الإقليمية والدولية، على حد قوله.

كان البلدان (مصر وإيران) قطعتا العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1980، بعد عام واحد من الإطاحة بالشاه الأخير محمد رضا بهلوي، الذي فر إلى مصر، وحصل فيها على حق اللجوء، قبل أن تستأنف العلاقات بعد 11 عامًا، لكن على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب المصالح فقط.

في مارس/ آذار 1980، وصل شاه إيران السابق إلى القاهرة برفقة زوجته و6 مساعدين للإقامة الدائمة في مصر حيث استقبلهم الرئيس الراحل محمد أنور السادات وزوجته (أرشيف وكالات)
في مارس/ آذار 1980، وصل شاه إيران السابق إلى القاهرة برفقة زوجته و6 مساعدين للإقامة الدائمة في مصر حيث استقبلهم الرئيس الراحل محمد أنور السادات وزوجته (أرشيف وكالات)

فرص نجاح الوساطة

تحرك الطرفين الإيراني والمصري تجاه استئناف العلاقات بينهما في هذا التوقيت، إنما جاء مدفوعًا بحسابات سياسية واقتصادية عديدة مرتبطة بالمتغيرات الإقليمية والدولية الحالية، في وقت تعد فرص استعادة مسار العلاقات بينهما خلال الفترة المقبلة أكبر من أي وقت مضى، ذلك بسبب مجموعة من المتغيرات، والعوامل التي قد تقود في نهاية المطاف لتطبيع تدريجي للعلاقات.

أول هذه العوامل يتمثل في طبيعة الوسيط، وهو هنا الحكومة العراقية، حيث تعزز علاقتها المتميزة بطرفي الأزمة (مصر وإيران)، فرص نجاح التفاوض بينهما، خصوصًا وأن العراق يحظى بالقبول لدى القاهرة وطهران. فمن جهة تنخرط بغداد مع كل من مصر والأردن ضمن آلية ثلاثية بهدف تعزيز الروابط القائمة بالاعتماد على التكامل بينهم، فضلًا عن تعزيز الفرص الاقتصادية والتنسيق وتبادل الرؤى اتصالًا بالقضايا الإقليمية، وتحقيق الاستقرار والعمل المشترك؛ لتحقيق مصالح تلك الدول، ومن جهة أخرى ترتبط بغداد بعلاقات وثيقة مع طهران، حيث تتمتع الأخيرة بنفوذ واسع في المشهد العراقي.

اقرأ أيضًا: ملف خاص| إعادة تشكيل الإقليم.. تداعيات اتفاق السعودية وإيران والخيارات المصرية

ثاني العوامل المعززة لفرص استعادة العلاقات بين البلدين، هو سياسة خفض التوتر التي تتبعها دول الخليج الرئيسية مع إيران في الفترة الحالية، عبر مساعيها لاستئناف علاقتها المنقطعة مع طهران، ومن المعلوم أن تطور العلاقات بين القاهرة وطهران دائمًا ما كان مرهونًا بعلاقة الخليج بإيران، وكانت أبرز خطوة لحلحلة هذا الجمود بين البلدين ما حدث مؤخرًا من اتفاق سعودي إيراني بتمهيد عراقي ورعاية صينية.

الاتفاق الإيراني السعودي وتأثيره

في العاشر من مارس/ آذار الماضي، أعلنت السعودية وإيران الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد مسيرة تفاوضية استمرت على مدار عامين من المباحثات على المستويين الاستخباراتي والأمني.

استضافت تلك المحادثات أربع دول (العراق، وعُمان، والصين وفنلندا)، حيث جرى التوافق على إعادة فتح السفارات والبعثات الدبلوماسية خلال شهرين بحد أقصى، ضمن تسوية جرى التوصل إليها عقب خمسة أيام من المحادثات غير المعلنة مسبقًا في بكين، خلال الفترة بين 6 و10 مارس/ آذار الماضي، بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان. إذ تتضمن التسوية كذلك تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة في 17 إبريل/ نيسان 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجالات الاقتصاد، والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة في 27 مايو/ أيار 1998.

تأثير الاتفاق الإيراني السعودي على شكل العلاقات في المنطقة، أشار إليه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، حين وصفه بأنه اتفاق “ذي تأثيرات إيجابية”، على علاقات طهران بدول المنطقة، موضحًا خلال مؤتمر صحفي، أن الاتفاق ستكون له تأثيرات إقليمية كبرى.

الاتفاق السعودي الإيراني أعلن عنه من بكين في 10 مارس/آذار 2023 (وكالات)
الاتفاق السعودي الإيراني أعلن عنه من بكين في 10 مارس/آذار 2023 (وكالات)

رسائل عكسية للخليج

من منظور آخر في إطار العلاقات المصرية الخليجية، ربما وجدت القاهرة في استعادة العلاقة مع طهران، ولو جزئيًا خلال الفترة الراهنة فرصة لتوجيه رسائل إقليمية، وتحديدًا على المستوى الخليجي، بقدرتها على استغلال التحولات العالمية؛ لاستكشاف خياراتها، بعيدًا عنها (دول الخليج)، بهدف خدمة مصالحها الاستراتيجية، لا سيما مع تنامي حالة عدم الثقة الناتجة عن تجاهل بعض القوى الخليجية للنداءات المصرية، بتوجيه دعم اقتصادي عاجل في ظل تصاعد مستوى الأزمة الاقتصادية.

تأمين المصالح

كما تساهم الرغبة الملحة المصرية الإيرانية في تأمين مصالحهما الخاصة خلال الوقت الراهن، في تعزيز فرص استعادة مسار العلاقات، فإيران من جانبها تسعى لتخفيف العزلة الإقليمية، والدولية الناتجة عن تعثر المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، ودورها في مساندة روسيا عسكريًا في حربها ضد أوكرانيا؛ عبر إمدادها بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، في المقابل تأتي الوساطة العراقية في وقت تعمل فيه مصر على تعزيز دورها في أمن، وحماية البحر الأحمر كممر للتجارة الدولية، والذي تؤثر الأوضاع الأمنية فيه بشكل مباشر على حركة الملاحة بقناة السويس، التي تعتبر في الفترة الراهنة من أكبر دعائم الاقتصاد المصري.

دور الاقتصاد

الملفات الاقتصادية من شأنها أيضًا، أن تلعب دورًا بارزًا في عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، في ظل الحصار الذي تعانيه إيران من جهة، والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجهها مصر من جهة أخرى. وذلك بخلاف ما تمثله تلك الخطوة من فرصة؛ لتحقيق توازن أمام قوى منافسة مثل تركيا وإسرائيل. خاصة وأن استئناف العلاقات بين البلدين سيفتح الباب واسعًا أمام التجارة المصرية للوصول بسهولة لمنطقة القوقاز، وآسيا الوسطى دون أن يجعلها في حاجة دائمة إما لروسيا وإما تركيا للعبور.

وعند الحديث عن دور العوامل الاقتصادية في تنشيط مسار استعادة العلاقات بين البلدين، لا يمكن إغفال تصريحات القائم بالأعمال الإيراني في مصر محمد حسين سلطاني، حين أكد في وقت سابق على استعداد بلاده لدخول أسواق مصر عبر إنشاء مصنع لإنتاج السيارات المحلية، وعقد استثمارات مشتركة. بما في ذلك إعادة تشغيل البنك المصري الإيراني المشترك. وتأسيس شركات مشتركة في مجالات النسيج والملاحة البحرية وتجارة السجاد. بخلاف ما تخطط له شركات الطيران الإيرانية من تسيير رحلات عبر سماء مصر إلى عدد من الدول الإفريقية.

مستوى رئاسي

محاولة تطوير العلاقات المصرية الإيرانية هذه المرة تأتي على مستوى مختلف تماما، فلأول مرة تقريبا، تجرى الإشارة إلى مستوى رئاسي في هذا المسار، وهو المستوى الذي كشف عنه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، حينما كشف النقاب عن حوار عابر بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، والرئيس عبد الفتاح السيسي، على هامش قمة “بغداد 2”، في الأردن نهاية  ديسمبر الماضي، بقوله إنه “كان حوارًا إيجابيًا عبر عن رغبة الجانبين في الحوار”.

الحوار العابر بين السيسي وعبد اللهيان، رافقه وقتها ترحيب من جانب وزير الخارجية الإيراني خلال اجتماع مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على هامش مؤتمر “بغداد 2″، بمقترح لرئيس الحكومة العراقية، لبدء حوار مع مصر بوساطة عراقية؛ لتحسين العلاقات معها.

في الخلاصة يمكن القول، إن الفرصة في الوقت الراهن مهيأة أكثر من أي وقت مضى؛ لتطوير العلاقات بين مصر وإيران، في ظل مرور العلاقات بين كل دول المنطقة بمرحلة إعادة تشكيل ، على ضوء المتغيرات الإقليمية التي فرضت الكثير من التحديات على حكومات المنطقة، لكن ذلك في الوقت نفسه لايعني أنه لا توجد تحديات أمام كل من طهران، والقاهرة على صعيد مسار استعادة العلاقات الكاملة، ولكن إدارة تلك التحديات بالشكل الأمثل ربما يعظم المكاسب المصرية.