بينما تعمل الديناميكيات الجديدة والعلاقات بين دول الشرق الأوسط على تغيير البيئة الاستراتيجية، ينهمك المحللون الإسرائيليون في التفكير في كيفية منع تقدم إيران على أفضل وجه. بعد أن أظهرت الدول الرئيسية في المنطقة مؤخرًا، تفضيلها الواضح للدبلوماسية والاقتصاد على استخدام التدابير العسكرية والأكثر قسرية.

في تحليل جديد نشره معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب/ INSS، يشير كلا من الجنرال احتياط تامر هايمان مدير المعهد، والدكتور يوئيل جوزانسكي، المتخصص في سياسات الخليج وأمنه. إلى أنه “بعد عقد من النضالات المسلحة في مختلف المجالات، دفع الإرهاق الدول -العربية وغير العربية- إلى العمل على تحسين العلاقات بينهما من أجل تحسين أوضاعها”.

ولفتا إلى أن “هذه العملية الدبلوماسية ومنطقها الداخلي والإقليمي والعالمي، لها تداعيات على إسرائيل في صراعها ضد إيران، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وتطبيعها مع الدول العربية”.

تراجع النفوذ الأمريكي والتقارب بين الدول العربية وإيران هي أمور لا تتلاقَ مع مصالح إسرائيل

ويؤكد هايمان الذي يتمتع بخبرة 34 في الجيش الإسرائيلي، ولديه خبرة قتالية عملياتية واستخباراتية في المنطقة الأمنية في لبنان وفي الساحة الفلسطينية. وجوزانسكي، الذي نسق العمل بشأن إيران والخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تحت إشراف أربعة مستشاري للأمن القومي، وثلاثة رؤساء وزراء. أن اللاعبين الرئيسيين “يسعون إلى التخلي عن عقد من الصراعات في مختلف الساحات، ويختارون الآن الحوار كوسيلة؛ لتحقيق المصالح الوطنية”.

وأوضحا أن المفاوضات بدأت بين دول الشرق الأوسط الرئيسية، والجهات الفاعلة غير الحكومية بهدف تحسين العلاقات منذ عدة سنوات “وقد أثمر البعض في الآونة الأخيرة، وأنتج اتفاقيات جديدة”، والتي صارت أساس الانفراج الإقليمي.

اقرأ أيضا: المسار المعطل منذ 32 عامًا.. هل تنجح الوساطة العراقية بين مصر وإيران؟

وبيّن التحليل أن هذه العملية -الحوار- تسعى إلى تقليل مستوى العداء وتقليل التوتر، من خلال إعطاء الأولوية لاستخدام الأدوات الدبلوماسية، والاقتصادية على الصراع المسلح “لا تشكل هذه المصلحة الإقليمية مصالحة أيديولوجية أو دينية عميقة، بل هي نوع من الانفراج الناجم عن المصالح الباردة، وحسابات التكلفة والعائد. وبشكل أساسي، من الحاجة العميقة للدول المعنية إلى تحسين استراتيجياتها”.

وقال: في قلب هذه العمليات الدراماتيكية، تكمن العلاقات الدبلوماسية، والاقتصادية المحسنة داخل العالم العربي السني، وبين الدول العربية والدول الرئيسية غير العربية في المنطقة، تركيا وإيران.

لقراءة التحليل كاملا اضغط هنا

تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة

أدى انخفاض اهتمام الولايات المتحدة بالمشاكل الأمنية لحلفائها العرب التقليديين إلى إجبارهم على محاولة تحسين أوضاعهم بأنفسهم.

يقول التحليل: إن تحسين العلاقات بين دول الخليج وإيران -على سبيل المثال- هو جزء من محاولة مستمرة من قبل دول الخليج نحو التحوط الاستراتيجي.

ينطبق الشيء نفسه على البصمة الموسعة التي يسمحون بها الآن للصين وروسيا. يسعى الأخيران إلى توسيع نفوذهما في المنطقة، وتقليل نفوذ الولايات المتحدة. وقد كانت الصين هي الوسيط الذي سهل الاتفاق على تجديد العلاقات بين السعودية وإيران، وكانت روسيا هي الوسيط بين السعودية وسوريا.

توجيه الانتباه إلى الشؤون الداخلية

تهتم الدول العربية بتضييق الخلافات الخارجية من أجل تحسين الاستجابة للقضايا الداخلية الملحة.

في الدول الفقيرة مثل تركيا، تتمثل القضية الأساسية في الحاجة إلى إعادة الإعمار الاقتصادي. بينما في الدول الغنية بالنفط هناك رغبة واضحة في إكمال المشاريع، والتي يعتبر بعضها مصابًا بجنون العظمة، والتي يرى الحكام أنها مهمة لازدهارهم على المدى الطويل، والاستقرار.

قوة إيران المعززة وترسيخ الوضع النووي

دفع التهديد من طهران جيران إيران إلى الاقتراب منها تدريجيًا، بناءً على فكرة “إبقاء أعدائك قريبين”، والاعتراف بقوتها ومظلة الردع المحتملة.

ترتكز تحركات جيران إيران أيضًا على فهم أن محاولة منع طهران من استخدام الوسائل الدبلوماسية قد توقفت -مؤقتًا على الأقل- ويسعون لتجنب تصعيد التوترات.

كما يخشى البعض، وخاصة دول الخليج، من مواجهة محتملة بين إيران وإسرائيل.

لذلك، من خلال تحسين العلاقات مع إيران، يسعون إلى إبعاد أنفسهم، قدر الإمكان، عن صراع عسكري إقليمي محتمل من المحتمل أن يضر بهم.

الوضع الداخلي في إسرائيل

ينظر أصدقاء إسرائيل وأعدائها -على حد سواء- إلى الوضع الداخلي في البلاد، وما يصاحبه من عدم استقرار اجتماعي وسياسي، على أنه مصدر ضعف وظاهرة تجعلها شريكًا أقل جاذبية للتعاون. كما يُفهم التوتر بين إسرائيل والإدارة الأمريكية، أيضًا، على أنه علامة ضعف.

هذا التصور لإسرائيل في الوقت الحاضر، والذي زاد من تفاقمه سياسة الحكومة الإسرائيلية بشأن القضية الفلسطينية، تسبب في تهدئة معينة لعملية التطبيع، وجعل من الصعب في الوقت الحالي على إسرائيل جذب الدول العربية والإسلامية الأخرى إلى هذه العملية.

مصالح متبادلة

يلفت المحللان إلى أن الحد من التوترات الإقليمية ووقف الصراعات الدموية، يساهم في الاستقرار الإقليمي، وبالتالي يتماشى في حد ذاته مع المصالح الإسرائيلية.

يقول التحليل: إن تعزيز المملكة العربية السعودية وتحسين وضعها الأمني، على سبيل المثال، من مصلحة إسرائيل. بالنظر إلى أن الدولتين تشتركان في رؤية مماثلة للتحديات الاستراتيجية في المنطقة وتعاونا بهدوء لسنوات عديدة.

يضيف: علاوة على ذلك، فإن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة، وإيران ليس بالضرورة عائقًا أمام استمرار التطبيع التدريجي مع إسرائيل: يزعم كبار المسؤولين الإماراتيين، على سبيل المثال، أن دبلوماسية الخليج مع إيران لا تعرض التطبيع مع إسرائيل للخطر.

هكذا، من المحتمل أن تكون السعودية، بعد أن ضمنت نفسها -إلى حد ما- تجاه إيران، وتتمتع بتوتر منخفض في اليمن، ستكون قادرة على مواصلة الحوار مع إسرائيل والولايات المتحدة بشأن التطبيع.

وفي حين أن العلاقات المحسنة بين طهران وجيرانها تلعب دورًا في مصلحة إيران دبلوماسيًا واقتصاديًا، إلا أنها لا تمنحها بالضرورة مزيدًا من حرية العمل في المنطقة.

يشير التحليل إلى أنه “قد تؤدي سلسلة الاتفاقات، أيضًا، إلى تضييق نطاق الخيارات المتاحة لإيران في المنطقة، وتقليل قدرتها على تشغيل وكلاء يضرون بجيرانها، نظرًا لالتزامها المتزايد بشكل كبير بالحفاظ على علاقات مناسبة مع الدول المجاورة”.

ومع ذلك، فإن العمليات الأخرى الجارية بشكل متزامن في المنطقة، بما في ذلك تراجع النفوذ الأمريكي، والجوانب الأخرى الجديرة بالملاحظة للتقارب بين الدول العربية وإيران، لا تتلاق مع مصالح إسرائيل.

يرى المحللان أنه “في ضوء الصورة العربية الجديدة للتقارب من إيران، قد تجد إسرائيل صعوبة أكبر في الترويج للرواية القائلة بوجود تطابق كبير بين مصالح إسرائيل والمعسكر العربي “المعتدل”. فضلاً عن اتفاق على أساليب عمل مشتركة تجاه- مقابل إيران”.

علاوة على ذلك، فإن “الواقع الجديد، الذي يقوم فيه اللاعبون بإضفاء الطابع الرسمي على علاقاتهم مع إيران على الرغم من عدم المساومة على “حقها الطبيعي”، في السيطرة الكاملة على دورة الوقود النووي، وقبولها كدولة “شبه نووية”، على بعد قرار واحد من سلاح نووي، هي سابقة خطيرة”.

هذه المصلحة الإقليمية نوع من الانفراج الناجم عن المصالح الباردة وحسابات التكلفة والعائد

اقرأ أيضا: عودة اللاجئين لسوريا.. ما الثمن الذي سيطلبه الأسد؟

الواقع الجديد

يرى التحليل أنه “من المرجح أن تطلب السعودية من الولايات المتحدة الاعتراف بقدراتها النووية كشرط للتطبيع مع إسرائيل”.

يقول: الواقع الأمني المستقر في المنطقة، في ظل الردع النووي الإيراني، سيؤدي إلى مطالبة إسرائيل بقبول هذا الواقع الجديد وعدم السعي إلى تغييره.

يوّضح: أي أن إيران لن تقدم سلاحاً نووياً وإسرائيل لن تعمل ضدها. كلما تحسنت العلاقات العربية مع إيران، زاد الضغط على إسرائيل؛ للتراجع عن تهديدها بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وستكون الفجوة المحتملة أوسع بين موقف إسرائيل، وموقف دول الخليج. ستكون دول مثل، السعودية قادرة على غض الطرف ما دامت إيران لا تتجاوز العتبة النووية، دون أن تسلك الطريق العسكري النووي بنفسها.

ومن المرجح أيضًا، أن يؤدي التقارب إلى زيادة الضغط من جانب طهران على دول الخليج؛ لعدم تعزيز علاقاتها مع إسرائيل.

يضيف المحللان: لقد أعربت إيران علانية، عن معارضتها لاتفاقات إبراهيم، وتحاول دق إسفين بين إسرائيل وجيرانها العرب. من جانبها، تتحوط دول الخليج من مخاطرها، وتسعى إلى الحفاظ على علاقات مناسبة مع جميع الأطراف، كوسيلة لتحقيق مصالحها على أفضل وجه، لإبقاء خياراتها مفتوحة. كما أن الاتفاق في اليمن سيجعل الرياض تشعر بأمان أكبر وتقليل احتياجها لإسرائيل.

ومع ذلك، ليس من المرجح أن تضر دول الخليج بعلاقاتها الأمنية الهادئة مع إسرائيل. بالنظر إلى أن إيران كانت ولا تزال التهديد المركزي ضدها وفي هذا السياق، لا يزال يُنظر إلى إسرائيل على أنها مكسب.

كيف تربح الدولة العبرية؟

يوصي المحللان إسرائيل أن تكون حريصة على أن تكون جزءًا من كتلة إقليمية سنية جديدة “معتدلة”.

ومع ذلك، هذا التطوير قيد السؤال حاليًا.

يقول التحليل: يبدو أن العالم العربي قد قبل -على مضض- الواقع الإقليمي الجديد الذي يتمحور حول قبول إيران كدولة عتبة نووية. لا يستلزم هذا رفضًا لإسرائيل، ولكن من الواضح أنه يمثل تحولًا إشكاليًا في الأحداث بالنسبة لتل أبيب.

وبالتالي، يجب على إسرائيل أن تبقى في ساحة اللعب، والاستمرار في تقوية العلاقات مع دول الخليج، والحفاظ على اتفاقيات السلام الخاصة بها وتعزيزها. وبقدر ما تستطيع إعادة بناء صورتها.

وأوضح أن “قبول حل وسط عن طريق التفاوض حول الإصلاح القضائي الذي قدمته الحكومة الإسرائيلية، سيعزز المرونة الاجتماعية للبلاد، والتماسك، ويقلل التوترات بين الحكومة والإدارة الأمريكية”.

بعد ذلك مباشرة “يجب التغاضي عن إنجازات إيران في المنطقة، والقيام بدفعة مشتركة مع الولايات المتحدة؛ لتعزيز وتوسيع عملية التطبيع، مع التركيز بشكل أساسي على السعودية”.