ثمة أهمية خاصة للانتخابات التركية المقررة في الرابع عشر من مايو/ أيار الجاري، كون نتائجها تتجاوز حدود الداخل التركي إلى احتمالات  التأثير في الحسابات الجيوسياسية للقوى الكبرى، وفي مناطق عديدة من العالم.

فتلك الانتخابات لن تقرر فقط من يقود تركيا، ولكنها ستقرر أيضا كيف تُحكم البلاد، وإلى أين يتجه اقتصادها، وطبيعة الأدوار التي ستلعبها أنقرة في قضايا المنطقة، وفي المقدمة منها الحرب الروسية الأوكرانية.

فبالنظر إلى أهمية تركيا كدولة إقليمية ودولية، فإن نتائج الانتخابات ستكون لها تأثيرات على المنطقة بالكامل، وعلى العلاقات الدولية، كونها عضوا بارزا في حلف الناتو، وتلعب دورًا مهمًا في الشؤون الإقليمية والدولية، بما في ذلك الأزمة السورية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكذلك منطقة القرن الإفريقي.

اقرأ أيضًا: ماذا لو فاز أردوغان في الانتخابات؟

ويهدف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المرشح الأبرز في الانتخابات المقبلة إلى تمديد حكمه المستمر منذ 20 عاما في الانتخابات التي تمثل التحدي الأبرز في تاريخه السياسي، إذ يعد أردوغان أقوى زعيم لتركيا منذ أن أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية الحديثة قبل قرن من الزمان.

ولم يأت اختيار أردوغان لتاريخ 14 من مايو/ أيار موعدًا لإجراء الانتخابات المقبلة من فراغ أو مصادفة، بل هو اليوم الذي أنهى فيه الحزب الديموقراطي بقيادة عدنان مندريس بالتصويت الشعبي عام 1950 فترة الحزب الواحد الذي سيطر على الجمهورية التركية منذ تأسيسها عام 1923.

وعمل أردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يتزعمه على إبعاد تركيا عن نهج  أتاتورك العلماني.

في المقابل، تعهد تحالف المعارضة المعروف بالمائدة السداسية ومرشحه في الانتخابات المرتقبة كمال كليجدار أوغلو ،بتغيير جميع التوجهات السياسية والاقتصادية التي فرضها أردوغان وحزبه، واستعادة استقلال البنك المركزي، وإعادة الحكومة البرلمانية، ووضع دستور جديد.

أمريكا والغرب والانتخابات التركية

يجمع الولايات المتحدة والدول الغربية هدف مشترك وهو إعادة تركيا إلى الغرب كما كان عليه الحال طيلة القرن الماضي قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002.

بالنسبة لواشنطن ، قد يشكل وصول المعارضة التركية إلى السلطة عبر الانتخابات المقبلة، فرصة لإعادة تركيا إلى نفس النهج الذي كانت عليه تركيا قبل صعود أردوغان، من خلال حلفائها التقليديين، والتخلص من السياسات الحازمة والأكثر استقلالية التي حاولت الحكومة التركية بقيادة أردوغان اتباعها خلال العقد الماضي وجلبت الكثير من القلق لحلفائه الغربيين بمن فيهم الولايات المتحدة.

وتشهد الآونة الأخيرة توترًا في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، بسبب عدة قضايا، منها الدعم الأمريكي للمقاتلين الأكراد في سوريا، والعقوبات الأمريكية على تركيا.

ويمكن إجمال الموقف الأمريكي من الانتخابات التركية ، في كونها تميل بدرجة أكبر إلى معارضي أردوغان ومرشحهم الرئاسي ،وهو الموقف الذي يدلل عليه العديد من المؤشرات والتي يأتي في مقدمتها تصريحات الرئيس الأمريكي “جون بايدن” لصحيفة نيويورك تايمز عندما كان مرشحًا للرئاسة، والتي كشف فيها عن مواقفه السياسية، حيث تعهد حال فوزه بالعمل على إسقاط أردوغان، ووصفه بأنه “مستبد”، وحث على دعم المعارضة التركية، بقوله “إنه يجب اتخاذ منهج مختلف معه، بأن نوضح أننا ندعم قيادة المعارضة”، كما تعهد بايدن وقتها بالعمل مع حلفاء أمريكا في المنطقة لعزل أردوغان وأفعاله في البحر الأبيض المتوسط، حسب قوله.

اقرأ أيضًا: بين المعارضة التركية والعربية

ومع اقتراب الانتخابات التركية من مراحلها الأخير، سارعت الصحف الأمريكية البارزة، إلى إنشاء مساحات وزوايا مخصصة لتحليلات عن الانتخابات ، القاسم المشترك بين أغلب هذه التحليلات هو الهجوم على النظام الرئاسي في تركيا وتآكل دور المؤسسات، وانتقاد سياسات الرئيس أردوغان تجاه الغرب ووصفه بـ”الديكتاتور”، واتهامه بتحويل تركيا إلى دولة إسلامية واستبدادية، إضافة إلى غياب حرية الصحافة والمجتمع المدني الحر في البلاد، في محاولة للتأثير على خيارات الناخب التركي وتقديم الدعم للمعارضة وترويج تصور لدى الشعوب والمسئولين الغربيين بأن تركيا دون أردوغان ستكون أفضل للغرب.

كما يأتي ضمن أبرز المؤشرات على الموقف الأمريكي ، تجاه الانتخابات التركية ، لقاء السفير الأمريكي لدى أنقرة جيف فيليك في 3 إبريل/ نيسان الماضي مع مرشح تحالف الطاولة السداسية كمال كليجدار أوغلو بمقر حزب الشعب الجمهوري؛ بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات، وهي الخطوة التي أثارت غضب أردوغان؛ حيث وصفها بــ”المعيبة”، وقال خلال افتتاح مشاريع تنموية بمدينة إسطنبول في 4 إبريل/ نيسان الماضي “في الانتخابات المقبلة علينا تلقين الولايات المتحدة درساً”، وأضاف”على السفير الأمريكي عدم تجاوز حده، و الالتزام بمهام منصبه”.

الموقف الأمريكي والغربي من أردوغان وحزبه عبر عنه الصحفي الشهير بوبي جوش في مقال له مطلع العام الجاري نشرته شبكة بلومبرج الأمريكية ، بقوله إن “القادة الغربيون سيكونون سعداء برؤية ظهر أردوغان” في إشارة إلى خسارته الانتخابات المقبلة، مضيفًا أن أردوغان قوض أمن الناتو من خلال الحصول على أنظمة دفاع صاروخية من روسيا، وأن الولايات المتحدة وأوروبا سيكونون في وضع أفضل دون تأثير أردوغان المربك في الشؤون العالمية، خاصة مع اشتداد المواجهة مع فلاديمير بوتين.

أردوغان أم كليجدار؟

تراقب روسيا والصين الانتخابات التركية بعناية، بغرض تقييم النتائج ومدى تأثيرها على علاقاتهما مع أنقرة خلال الفترة المقبلة ، حيث تعد تركيا بالنسبة لهما بوابة هامة للوصول إلى الأسواق الأوروبية والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

ورغم عدم وجود موقف صريح من جانب موسكو وبكين تجاه الانتخابات المقبلة في تركيا ، إلا أن القراءة المتأنية في مواقف تحالف المعارضة التركية، تشير إلى أي الجبهتين ستنحاز كل من الصين وروسيا.

وتأتي مواقف ممثلي السياسات الخارجية في أحزاب المعارضة التركية لتكشف بشكل واضح عن انحيازات وتوجهات المرشح المنافس لأردوغان.

وعبرت أحزاب المعارضة الرئيسية عن دعمها لإيجاد حلول لملف منظومة (إس-400) التي حصل عليها أردوغان من روسيا وتسببت في أزمة عميقة مع واشنطن وحلف الناتو ، معتبرين أن شراء تركيا لهذه المنظومة كان خطأ.

كما عبرت تلك الأحزاب عن رفضها تعميق العلاقات الاقتصادية مع روسيا، ورفض العضوية في منظمة شانغهاي للتعاون التي تسيطر عليها روسيا والصين لأن ذلك سيهدد علاقات تركيا مع الغرب، كما عبروا أيضا عن استعدادهم لزيادة التعاون في السياسة الخارجية مع الاتحاد الأوروبي، وإعادة بناء الثقة بين أنقرة وواشنطن لحل المشكلات المعلقة بين البلدين.

بلا شك، أن مثل هذه المواقف الصادرة عن المعارضة قد تؤثر على الحسابات الروسية والصينية تجاه الانتخابات التركية.

في الخلاصة يمكن القول بأن نتائج الانتخابات التركية ستشكل الحسابات الجيوسياسية والاقتصادية في واشنطن وموسكو، وكذلك في عواصم أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وإفريقيا ، خاصة وأنه في ظل حكم أردوغان ، شنت أنقرة أربع عمليات، ما بين توغل في سوريا، وهجوم على المسلحين الأكراد داخل العراق، وإرسال الدعم العسكري في كل من ليبيا وأذربيجان،وهي التحركات التي أعادت رسم تحالفات المنطقة.