بعد مشاورات عربية ضمن الحراك الإقليمي، وافق مجلس جامعة الدول العربية، على عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة، والذي علق في عام 2011، وذلك بعد اجتماع الدورة غير العادية لمجلس وزراء الخارجية العرب بمقر الجامعة في القاهرة، وأشار الأمين العام لجامعة الدول، أحمد أبو الغيط، أن الرئيس السوري بشار الأسد له الحق المشاركة في القمة العربية المقبلة والمقرر انعقادها في 19 من الشهر الجاري في جدة.

تجاوزت الأزمة السورية نحو 12 عامًا، وأسفرت عن ملايين الضحايا، ووقوع البلاد رهن قرار القوى الدولية والإقليمية، وانتشار المقاتلين الأجانب والمرتزقة، وانقسام الموقف العربي، والذي انعكس مباشرة على طبيعة العلاقات بين دول الشرق الأوسط.

دفعت التحركات العربية خلال الفترة الأخيرة، العديد من الأطراف إلى التقارب والتعاون، صار تسوية الأوضاع بسوريا بمثابة ضرورة عربية لا سيما في ظل توافر صيغة تفاهم لم تكن موجودة من قبل بين الأطراف المتفاعلة.

جهود عربية

في إطار التحضير لقمة جامعة الدول العربية المقبلة في 19 مايو/ أيار الجاري، تباحث مبعوثون من السعودية والعراق ومصر وسوريا في الأردن، وجرى الاتفاق على آلية عمل “المبادرة الأردنية”، التي تستهدف إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية.

وخلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد الماضي، جاءت الأصوات مؤيدة لوقف تعليق عضوية سوريا داخل الجامعة، وممارسة دور عربي أكبر لأجل حلحلة الأزمة السورية، كما تضمن القرار تشكيل لجنة اتصالات مكونة من السعودية وجيران سوريا لبنان والأردن والعراق لمتابعة التطورات.

اقرأ أيضًا: عودة اللاجئين لسوريا.. ما الثمن الذي سيطلبه الأسد؟

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف أن دبلوماسية الحوار ومساعي التكامل العربي التي تبناها العراق كان لها جهد حقيقي في عودة سوريا للجامعة العربية.

كما أوضح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن “الدول العربية تسعى إلى أن يكون لها دور قيادي في الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة السورية سياسيًا، وتابع: “لقد تبين إلى حد كبير أن سياسة الوضع الراهن لم تؤد إلا إلى المزيد من العلل والمزيد من الألم والمعاناة للشعب السوري، وتهديدات متزايدة للمنطقة، بما في ذلك الأردن”.

دوافع القرار

خيري عمر أستاذ العلوم السياسية بجامعة صقريا في تركيا، يقول إن اجتماعات عمّان تعكس حقيقة مفادها أن عودة سوريا إلى  الحاضنة العربية يمكن أن تمثل إضافة في العلاقات العربية الراهنة وخصوصًا أن وجهة النظر كادت أن تستقر حول أن ترك سوريا للفراغ أو تحت النفوذ الإيراني أو الروسي يمثل تحديا للإقليم بأكمله وبالتالي لا بد من البحث عن إطار يفسح المجال لتواجد عربي مباشر في سوريا أو صيغة جديدة للعلاقات مع سوريا تمكن من تحقيق مصالح مشتركة.

وبالنسبة للدافع الثاني، يضيف عمر أن انتشار القوات الأجنبية في سوريا يعتبر أحد المحفزات وراء اتخاذ القرار بعودة سوريا إلى الجامعة، حيث قامت المقاربة العربية على أن الانسحاب من سوريا تسبب في هشاشتها سياسيًا وأمنيًا وجعلها أكثر خضوعًا لتأثيرات أجنبية مما أثر على الأمن الإقليمي، كما أن تلك الخطوة كمسار عربي تستبق المسار الرباعي بين روسيا وتركيا وإيران وسوريا.

ويشير عمر إلى أن التفاعل بين المسار العربي ومسار المفاوضات الرباعية يمكن أن يقدم استجابة ملموسة للمخاوف الأمنية والمخاوف السياسية الأخرى، وهذا أفضل من خيار بقاء سوريا تحت نفوذ قوى خارجية غير عربية، ووقوعها أسيرة لتجاذبات دولية أخرى.

موقف قسد

تواجه قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مشهدا ضبابيا، في ظل تحركات المفاوضات الرباعية والتعنت التركي إزاء قواتها “أي قوات قسد”، وفي الوقت نفسه تخشى أن يتم تهميشها في المحادثات العربية، وأبدت ترحيبها بأي تحرك دولي وعربي بشأن القضية السورية، وأكدت في بيان، ضرورة أن “تراعي هذه الخطوات مأساة السوريين التي لا يمكن أن تنتهي دون عملية سياسية متكاملة، ولتحقيق ذلك لا بد من أن تشارك الأطراف السورية الوطنية الفاعلة في العملية السياسية دون إقصاء”.

ودعت هذه القوات المشكلة في أغلبها من المكون السوري الكردي، ما أسمته المعارضة الوطنية الديمقراطية، إلى توحيد جهودها لعقد مؤتمر وطني للمعارضة يمثل بداية جديدة ومختلفة، بعيدًا عن التجاذبات والمصالح الإقليمية التي أسهمت في تعقيد الأزمة السورية.

ردود الفعل الدولية

من جانبها، علقت الولايات المتحدة على مسار إرجاع سوريا إلى الجامعة خلال الأسبوع الماضي، على لسان نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل، بأنها لن تطبع العلاقات مع نظام الأسد و”نحن لا ندعم تطبيع الآخرين مع دمشق أيضًا”، وأضاف: “لا نعتقد أن سوريا تستحق إعادة قبولها في جامعة الدول العربية في الوقت الحالي”.

اقرأ أيضًا: سوريا الجريحة.. لماذا تركناها وحيدة؟

كما صرحت وزارة الخارجية الروسية، تعليقًا على عودة سوريا إنها ستسهم في تحسين الأجواء في الشرق الأوسط، وأضافت الخارجية الروسية أنها تتوقع أن تدعم الدول العربية سوريا في عملية إعادة الإعمار.

الموقف التركي والإيراني

تعتبر مسألة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم من أهم القضايا التي تضعها تركيا ضمن مسار التطبيع بينها وبين دمشق، لذلك صرح وزير الخارجية جاويش أوغلو السبت الماضي، أن غالبية الدول العربية لا ترغب في منح نظام الرئيس السوري بشار الأسد شيكًا على بياض بالعودة إلى الجامعة العربية، وأن الجميع يريد أن يضمن استبعاد الحل العسكري، وضمان العودة الآمنة للاجئين.

ويشير عمر إلى أن الوجود التركي في سوريا مرتبط بوجود الجماعات المسلحة الكردية وخلايا تنظيم داعش، وإذا ما حلت هذه المشكلة فإنه ليس هناك حاجة لاستمرار قواتها في الشمال السوري وعلى أي حال فإن عودة سوريا للجامعة العربية لا تمثل قلقًا بالنسبة لتركيا حيث أنها تتمنى وجود حكومة قوية قادرة على توحيد القوات العسكرية والسيطرة على كامل أراضيها.

إيران، من جانبها،  رحبت بالقرار، وهنأ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني الشعب السوري وحكومته على العودة إلى جامعة الدول العربية وأكد أن تسوية الخلافات والتقارب بين الدول الإسلامية يحقق نتائج إيجابية ويمهد السبيل لمنع التدخل الأجنبي في القضايا الإقليمية.

ويأتي موقف سوريا في العودة مرة آخرى إلى الدول العربية، وسط تقارب بين الرياض وطهران بفعل الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين في مارس/آذار الماضي الذي بموجبه جرى التوافق على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.