دخل قطاع الرعاية الصحية في تحد جديد، يهدد قدرته على تقديم الخدمات، بسبب نقص المستلزمات الطبية اللازمة للعمليات الجراحية، وتراجع المخزون الاحتياطي من الأدوية الحيوية بشكل كبير، ما أدى إلى تأجيل بعض العمليات، وتخفيض طاقة العمل ب”الجراحات” إلى النصف تقريبًا.

تقدمت غرفة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية، بعدد من المناشدات، لمجلس الوزراء والبنك المركزي؛ تطالب بسرعة تدبير عملة صعبة، للإفراج عن المستلزمات المكدسة في المواني منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي وحتى اليوم.

التأثير على “قوائم الانتظار”

مجددًا، عادت قوائم الانتظار فى الظهور بالمستشفيات، بعد انفراجة أحدثتها مبادرة الرئيس السيسي رئيس الجمهورية؛ للقضاء على قوائم انتظار العمليات الجراحية، بإجراء 1,6 مليون عملية، خلال السنوات الخمس الماضية.

رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية محمد إسماعيل
رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية محمد إسماعيل

وبحسب تصريح رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية، محمد إسماعيل، لــ مصر 360، فإن الأزمة تهدد بوقف القطاع الصحي بالمستشفيات العامة والخاصة، بسبب نقص المستلزمات الطبية بنسبة 70%، وارتفاع أسعار المخزون المطروح من 4 إلى 5 أضعاف قيمتها.

وبحسب إسماعيل، هناك 183 شحنة مكدسة فى المواني بقيمة 25 مليون دولار منذ يناير /كانون الثاني الماضي، ويشير هذا التكدس إلى أزمة كبيرة تتعلق بنقص في أجهزة السونار وفلاتر الغسيل الكلوى، والجبسونة، رغم وجود 22 حاوية محملة بالفلاتر فى المواني فى انتظار الإفراج عنها.

 

“المرضى يموتون”

يقول إسماعيل:” المرضى يموتون بالمستشفيات؛ بسبب تأخر عملياتهم الجراحية، وآخر شحنة طبية دخلت منذ 6 أشهر. كما أن آخر مناقصة تمت على المستلزمات، قامت بها هيئة الشراء الموحد، أضرت بالمستوردين وعرضتهم لخسائر كبيرة؛ بسبب تعويم الجنيه وتضاعف الأسعار.

وبسبب تفاقم الأزمة، تتم اليوم عملية سحب من المخزون الاستراتيجي، الذي تجاوز مستوى الحد الآمن من الاحتياجات ” 3 أشهر”. وبسبب الأزمة، وصل سعر علبة القفازات إلى 120 جنيه فيما كان سعرها 65 جنيه.

اقرأ أيضًا: “إنهاء قوائم الانتظار”.. مبادرة ناجحة تعاني ارتفاع أسعار الدواء والدولار

ومع تفاقم الأزمة، من المقرر أن تجتمع شعبة الدواء مع هيئة الشراء الموحد بالعاصمة الإدارية الأسبوع المقبل؛ لبحث الأزمة، بينما ستقدم الشعبة مذكرة إلى مجلس الوزراء تضم مشاكل القطاع، ومنها مطالبة مصلحة الجمارك للشعبة بسداد ضريبة الدمغة عن المهن الطبية.

كما ستتقدم الشعبة باقتراح إلى هيئة الدواء المصرية؛ لتعديل المواصفات القياسية واشتراطات ترخيص المحال والمخازن العاملة والمبالغ فيها، بحسب رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية، وهي اشتراطات من بينها على سبيل المثال تحديد مساحة المحل ب 500 متر، وهو ما يهدد بغلق 90% من المحال الموجودة.

كانت مصلحة الجمارك طالبت أعضاء شعبة المستلزمات الطبية بسداد ضريبة الدمغة عن المهن الطبية؛ كشرط للإفراج عن رسائلهم المستوردة. وردت الغرفة على لسان رئيسها بأنهم غير مخاطبين بهذه الضريبة، وأن المعني بها اتحاد المهن الطبية، لأنها أحد موارد الاتحاد في الإنفاق على الخدمات بالنقابات الأربعة، الأطباء والصيادلة والأسنان والطب البيطري.

الدكتور محمد عز العرب استشاري أمراض وزراعة الكبد بالمعهد القومي للكبد
الدكتور محمد عز العرب استشاري أمراض وزراعة الكبد بالمعهد القومي للكبد

نقص يطول كل شيء

امتدت الأزمة إلى داخل المستشفيات العامة والتعليمية، وطالت قطاعات حيوية، وعادت قوائم الانتظار في الظهور في الجراحات الخطيرة مثل الأورام؛ بسبب نقص العلاج الهرموني والإبر الخاصة بجلسات العلاج الكيميائي.

الدكتور محمد عز العرب استشاري أمراض وزراعة الكبد بالمعهد القومي للكبد، يؤكد تعطل جراحات المخ والأعصاب والقلب المتقدمة بسبب نقص المستلزمات المطلوبة.

وبفعل الأزمة أيضًا، أصبحت الجراحات أعلى تكلفة، بعد أن كانت ارتفعت بالفعل مع التضخم وانخفاض قيمة الجنيه.

يطالب عز العرب البرلمان بغرفتيه بزيادة موازنة الصحة؛ لتصل إلى النسبة التي نص عليها الدستور والمقررة ب 3% مع زيادتها تدريجيًا؛ لتصل للمعدل العالمي المطلوب.

الدكتور خالد سمير عضو اللجنة التنسيقة لتحالف أطباء مصر
الدكتور خالد سمير عضو اللجنة التنسيقة لتحالف أطباء مصر

الدكتور خالد سمير عضو اللجنة التنسيقة لتحالف أطباء مصر وأستاذ جراحة القلب بجامعة عين شمس، يشير إلى أن الأزمة امتدت إلى نقص في قطع غيار الأجهزة الطبية، والتي تعطل عدد كبير منها، ووصل سعر مؤكسد الرئة الصناعية من 1000 جنيه إلى 16 ألف.

عن الدور البرلماني

رغم تفاقم الأزمة، إلا أنها تغيب عن مناقشات البرلمان. تقول النائبة إيرين سعيد عضو لجنة الصحة بالبرلمان أنها تقدمت ببيان عاجل إلى لجنة الصحة؛ لمناقشة أزمة نقص المستلزمات الطبية، وقالت لمصر ـ360 إن الأزمة دفعتها إلى تقديم طلب إحاطة؛ لمناقشة المشكلة في الجلسة العامة ضمن مناقشة الحساب الختامي للموازنة.

الدكتور محمود فؤاد رئيس المركز المصري للحق في الدواء،
الدكتور محمود فؤاد رئيس المركز المصري للحق في الدواء،

الدكتور محمود فؤاد رئيس المركز المصري للحق في الدواء، يتوقع عاما صعبا بالقطاع الطبي بسبب أزمة الدولار، يقول:” سبب ذلك إن اعتمادنا على المستلزمات الطبية المستوردة بالقطاع الصحي يبلغ 90%، على الرغم من أن 92% من الأدوية يتم إنتاجها محليًا”.

يضيف فؤاد أن 8% من الأدوية “المنقذة للحياة”، بدأت في النفاد منذ شهرين، مثل أدوية الأورام والأمراض المناعية والهرمونية وضمور العضلات، إضافة إلى أدوية الغسيل الكلوي. وصل سعر حقنة الصبغة المستخدمة في أشعة الرنين المغناطيسي إلى 4 آلاف جنيه بسبب زيادة الطلب عليها، بعدما كان سعرها 1700 جنيه.

دورة الاستيراد

قبل إسناد عمليات شراء المستحضرات والمستلزمات الطبية البشرية لهيئة الشراء الموحد، بداية من عام 2019 وفقا للقانون 151؛ لإمداد الجهات والهيئات الطبية الحكومية، كانت المستشفيات تقوم بعمل مناقصات تتقدم خلالها الشركات الخاصة بعروض، ووفق انطباق المواصفات يتم التعاقد.

حاليًا، تتم المناقصات عن طريق الهيئة التي تطرح أسعارًا محددة لشراء المستلزمات، بغض النظر عن المواصفات والجودة، التى قد لا تناسب الشروط الفنية، يقول عضو اللجنة التنسيقة لتحالف أطباء مصر، والذي يشير إلى أن ذلك يؤدي إلى زيادة التكاليف نتيجة عدم مطابقتها للمواصفات ومن ثم عدم استخدامها بالشكل المطلوب.

وقال سمير ل مصر ـ360:”هناك إجراءات إدارية تعقيدية منها، التعسف ضد الشركات المستوردة كتأخر العينات المرسلة من الشحنات المستوردة للفحص بوزارة الصحة بالشهور، ما يكلف الشركات إيجارات كبيرة بالمواني، وأدى إلى تقليص عدد الشركات العاملة في مجال استيراد المستلزمات الطبية”

وبحسب سمير، فإن المستشفيات خفضت نسبة العمليات الجراحية إلى النصف، وتعمل حاليًا في “الجراحات”، التي يتوافر لها مستلزماتها، في حين يتم تأجيل “باقي العمليات”.

طالب عضو اللجنة التنسيقة لتحالف أطباء مصر، بالمصارحة فيما يتعلق بالأزمة ووضع حلول لها.  ووضع خطة للتغطية المالية للعمليات على نفقة الدولة بما يوازي تكاليف العملية، ويتماشى مع نسب التضخم، ومراجعة الأسعار كل عام بسبب زيادات تكاليف العمليات التي ترتفع بسبب تدهور العملة.