رغم عدم امتلاك الإمارات أي مناجم، لكن دبي أصبحت تستحوذ حاليًا على 11% من إجمالي صادرات الذهب العالمية، ولديها نحو 4 آلاف شركة مجوهرات تعمل بالإمارة، و1200 متجر لبيع الذهب بالتجزئة، ليبلغ إجمالي من يعملون في المعدن النفيس ومشمولاته 60 ألف شخص بالدولة.
حتى عام 1996، لم تظهر الإمارات بأي مركز بين أكبر مائة دولة مستوردة للذهب بالعالم، وخلال عقدين فقط احتلت مرتبة بين المراكز الأربعة الأولى، متجاوزة هونج كونج والولايات المتحدة، كما تمتلك حاليًا 11 مصفاة للمعدن النفيس، دون مصادر واضحة؛ لكيفية حصولها على الخام أساسًا.
إمبريالية الذهب
في عام 2016، استوردت الإمارات الذهب من أكثر من 100 دولة، تقع بشكل رئيسي بإفريقيا خاصة الكونغو ومالي والسودان، وكذلك أمريكا الجنوبية وجنوب آسيا يجمع بين هذه التشكيلة من الدول ضعف أو غياب اللوائح الحكومية. وهذا ما جعل مراقبين يطلقون على الإمارات بإنها باتت تشكل كيانا إمبرياليا استعماريا للاستحواذ بشكل غير مشروع على الذهب في العالم.
ذهب مالي يصل دبي
تكشف التناقضات في إحصاءات إنتاج وتجارة المعادن بين مالي ودبي عن تجارة غير مشروعة واسعة النطاق ، لا سيما بقطاع التعدين الحرفي (التعدين بواسطة أشخاص وليس شركات)، ما يؤدي لخسارة مليارات الدولارات من العائدات في البلدان المتضررة بغرب إفريقيا، وتأجيج الصراع من خلال التمويل غير القانوني للتطرف العنيف.
مالي هي ثالث أكبر مصدر للذهب بإفريقيا، وثُلث إنتاجها يأتي من التعدين الحرفي وعام 2016، صدرت البلاد 67 طنًا من الذهب بقيمة 2.2 مليار دولار أمريكي تم استخراج 46.9 طنًا من قبل المنتجين الصناعيين، فيما تم استخراج 20.1 طن المتبقية بالوسائل الحرفية.
في العام ذاته، تشير البيانات الإماراتية إلى استيراد ما قيمته 1.52 مليار دولار من الذهب من مالي، بينما أكدت سجلات الأخيرة 216 مليون دولار فقط من الصادرات، وهو أمر حدث أيضًا عام 2014، حينما أعلنت مالي عن إنتاج 45.8 أطنان فقط من الذهب، وفي الوقت ذاته كانت واردات الإمارات وحدها منها 59.9 أطنان.
تطبق مالي ضرائب التصدير على أول 50 كجم من الذهب يتم تصديرها شهريًا، وهو نظام يجعلها نقطة جذب لتجارة الذهب غير المشروعة في منطقة تفتقر إلى إطار تنسيق ضريبي إقليمي، أو بمعنى آخر يوفر ذلك النظام حافز لمهربي الذهب في غرب إفريقيا؛ لبيع ذهبهم بمالي مقابل إعفاء ضريبي كبير.
مالي محطة ترانزيت هامة
تُستخدم مالي أيضًا كبوابة لأسواق الذهب في الإمارات من قبل جيرانها وخارجها، فدول مثل ليبيا، وفنزويلا استخدمتها مؤخرًا كمنصة؛ لتصدير ذهبها بشكل غير قانوني إلى دبي، وعام 2020 جلب تهريب الذهب إلى مالي حوالي مليار دولار لحكومة نيكولاس مادورو في فنزويلا، بحسب مراكز بحثيثة غربية.
الجماعات المسلحة والإرهابيون داخل إفريقيا يستخدمون بشكل متزايد تجارة الذهب غير المشروعة مع دبي؛ لتمويل أنشطتهم العنيفة، حتى أن مجموعتين إرهابيتين خاضتا معركة شرسة للسيطرة على مواقع تعدين الذهب بمنطقة غورما في مالي.
الذهب الذي يتم تداوله بشكل غير قانوني بين مالي ودبي، يتم نقله يدويًا بواسطة مندوبين ينقلون ما معدله 10 كيلو جرامات لكل رحلة، وتكلف الرحلات بين مالي ودبي حوالي 500 دولار تعادل ما بين 10 و12 جرامًا من الذهب، مما يجعل رحلة واحدة مربحة للغاية، ويشحن بعض المهربين ما يصل إلى 40 كيلو من الذهب إلى دبي كل أسبوع.
داخل الإمارات، تسهل ثغرات التشريعات والإجراءات الجمركية الضعيفة، والممارسات المشكوك فيها من قبل المشترين المقيمين بالإمارات، ومركز دبي للسلع المتعددة تجارة الذهب غير المشروعة.
يُعفى الركاب الذين يصلون للإمارات من أي بيانات جمركية تتعلق بالذهب المنقولة بحقائب اليد، وبالتالي فإن المهربين الأجانب القادمين من مالي لبيع ذهبهم بسوق الذهب بدبي يحتاجون فقط إلى تقديم استمارة الجمارك الإماراتية للمشترين عند وصولهم إلى المطار، والتي تثبت فقط أن “الذهب تم التصريح به قانونيا لمسئولي الجمارك”، وهي طريقة سهلة تمكن للمهربين التغلب بسهولة على نظام العناية الواجبة في مركز دبي للسلع المتعددة.
اقرأ أيضًا: “إمبراطورية النهم”.. الإمارات تلتهم مواني إفريقيا
لا تطلب الجمارك الإماراتية كذلك أي معلومات حول منشأ الذهب، ويتم بيع معظم الكميات التي يتم تداولها بشكل غير قانوني بدبي، ثم يتوجه بعد ذلك إلى المصافي وسوق المجوهرات، وهوية الشركات الأجنبية التي تشتري الذهب من المصافي الموجودة في دبي غير معروفة أيضًا.
في ظل عدم امتلاك عمال المناجم الحرفيين في غرب إفريقيا الوسائل؛ لتمويل أنشطة استخراج الذهب، يتعاقدون على قروض من الإماراتيين؛ لبدء نشاطهم التعديني، والطريقة الوحيدة لسدادها هو تصدير ذهبهم.
توجه أم تغطية؟
مع تزايد الاتهامات للإمارات، أعلنت عن مشروع مشترك مع الكونغو؛ بهدف إنهاء النقل غير المشروع للمعادن الثمينة، وتم تأسيس شركة Primera Gold DRC التي تهدف إلى شحن طن واحد من الذهب “المعتمد” شهريا.
يهدف Primera Gold لشحن حوالي طن واحد من الذهب “المعتمد” شهريًا؛ لتصل في النهاية إلى حوالي 15 طنًا سنويًا، ويقوم حوالي 30 ألفا من عمال المناجم الحرفيين بتزويد الشركة بالذهب، والتي تعد بتزويدهم “بدخل منتظم وإمكانية الحصول على الرعاية الصحية والتعليم لعائلاتهم”.
ينتج عمال المناجم الحرفيين ما يقدر بنحو 20 طنا من الذهب كل عام، لكن الجزء الأكبر منه يتم تهريبه إلى بوروندي المجاورة ورواندا وأوغندا، قبل أن ينتهي به الأمر في الأسواق الدولية، وغالبًا ما تجبر الجماعات المتمردة في شرق الكونغو عمال المناجم على دفع مقابل الحصول على إذن لاستخراج الذهب، بالإضافة إلى مداهمة المناجم، والاتجار بالذهب بأنفسهم ، واستخدام جزء من العائدات لشراء الأسلحة.
رغم وجود الشركة الجديدة، لكن ينتهي المطاف بالكثير من الذهب المهرب في الإمارات، فالشركات التي تتاجر في الذهب الكونغولي،عليها الحصول على تصديق أن الكميات المصدرة لا تأتِي من مناطق المجموعات المتمردة، لكن يمكن تزوير الشهادات بسهولة ، وليس لدى الشركات التجارية سوى آليات قليلة؛ لتعقب الذهب إلى مصدره ، وفقًا تقرير منتدى الدفاع الإفريقي.
بحسب المكتب الأمريكي لمراقبة الأصول الأجنبية، فإن النقل غير المشروع للذهب يوفر عائدات للجماعات المسلحة التي تهدد السلام، والأمن والاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية”.
غسل الأموال.. أعمال تجارية كبيرة
تطور دبي ليس فقط كمركز لتجارة الذهب، ولكن أيضًا كمركز مفضل لغسيل الأموال بالنظام المالي الدولي ، حيث كان الذهب ولا يزال أحد أهم السلع المستخدمة في إخفاء هوية الأموال غير المشروعة الأخرى.
وأصبح الذهب بسبب قيمته العالية من حيث الوزن ، وسهولة نقله ، ووجود أسواق عالمية بأسعار معروفة مكونا رئيسيا في النظام العالمي لغسيل الأموال، وتعد دبي مركزًا تجاريًا مهمًا لتلك العملية بشراء الذهب من إفريقيا، ونقله إلى أماكن جديدة في شبكة عالمية تعبر آسيا وأوروبا والشرق الأوسط.
وبحسب المراكز البحثية الغربية، حصلت شركة Valcambi السويسرية على كميات كبيرة من الذهب من Kaloti ، وهي شركة في دبي متخصصة في صهر الذهب ، والتي من المحتمل أن تكون مرتبطة بالجماعات المسلحة في دارفور بالسودان عام 2012.
كيف يمول حميدتي حربه؟
عندما كان الاقتصاد السوداني ينهار، أطلقت الخرطوم يد قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي يخوض حربا مع الجيش السوداني حاليًا، في بيع الذهب أغلى مورد طبيعي في السودان عن طريق مجموعة (الجنيد) التي تملكها أسرته، بحسب رويترز.
سيطر حميدتي وقوات الجنيد التي تحولت إلى الدعم السريع بعدها بشكل كامل على مناجم جبل عامر في عام 2017، وهو العام الذي بدأت فيه الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على السودان، ولم يواجه عقبات تذكر في توسيع أعماله من دارفور إلى جنوب كردفان ومناطق أخرى في البلاد.
تعاملت مجموعة الجنيد مع عمال مناجم فقراء يستخدمون الزئبق السام في استخراج الذهب ما ينطوي على خطر كبير على صحتهم، والتربة المتبقية المعروفة باسم “الكرته” ينقل بعضها لمنشآت المجموعة؛ حيث تعالج بالسيانيد لجمع ما تبقى بها من ذهب، بحسب رويترز.
اقرأ أيضًا: كيف باع حميدتي “ذهب السودان وأطفاله” إلى الإمارات؟
بحسب وثائق لمنظمة Global Witness غير الحكومية. يصدر السودان اليوم 16 مليار دولار من الذهب إلى الإمارات كل عام، وقوات “حميدتي” تسيطر على جزء كبير من تلك التجارة فلديها منجم للذهب في جبل مرة في دارفور ، إلى جانب ثلاثة مناجم أخرى، واستخدم العائدات؛ لشراء أسلحة جديدة وأسطول من آلاف الشاحنات الصغيرة المموهة، والمدفعية مثبتة عليها وهي التي تخوض حربا للسيطرة على العاصمة مع الجيش السوداني حاليًا.
ووفقًا لوثائق وفواتير التصدير “اطلعت” عليها “رويترز” في نهاية عام 2018. فإن مجموعة الجنيد كانت تنفذ أعمالا مع شركة في دبي اسمها “روزيلا”، كما تمتلك قوات الدعم السريع حسابًا مصرفيًا باسمها في بنك أبو ظبي الوطني الذي أصبح جزءا من بنك أبو ظبي الأول، وتُظهر بيانات التجارة العالمية لعام 2018 أنها استوردت 99.2٪ من صادرات الذهب في السودان.