أطل علينا شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، من خلال برنامجه “الإمام الطيب” بداية الشهر الحالي، موضحًا سوء الفهم والتفسيرات الخاطئة لمعنى “قوامة” الزوج على أسرته، نتيجة لاستمرار العادات والتقاليد التي انتصرت على صحيح الدين في كثير من الأحيان كما في قضية “الخلع” والذي على الرغم من تشريعه، إلا أن كثيرًا من النساء ما زالت تعاني من حصولها على الطلاق داخل محاكم الأسرة.

يخالف مفهوم القوامة الدعوة للمساواة بين الجنسين، ويتعارض مع الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة التي من شأنها تحقيق حالة المساواة بين الرجال والنساء. فالقوانين والأعراف المبنية على هرمية القوامة والولاية تهدد استقرار الأسرة ورفاهية الفرد، كما يتضح من الحقائق المعيشية للأسر في الوقت الحالي، من جميع الأشكال في جميع السياقات.

على سبيل المثال، من الصعب، بل غالبًا ما يكون من المستحيل على الرجال تلبية التوقعات والالتزام بأن يكونوا هم المسئولين بشكل فردي. هذا يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالفشل أو الإحباط من الزواج. وغالبًا لا يتم الاعتراف بالمرأة في القانون أو في الممارسة بصفتها صانعة القرار في الأسرة، حتى عندما توفر الحماية والوصاية وسلطة اتخاذ القرارات المتعلقة بالأطفال.

أوضح الطيب في برنامجه سوء الفهم والتفسيرات الخاطئة لمعنى "قوامة" الزوج على أسرته
أوضح الطيب في برنامجه سوء الفهم والتفسيرات الخاطئة لمعنى “قوامة” الزوج على أسرته

اقرأ أيضا: كيف يمكن ترسيخ مساواة “الرجل والمرأة” في الولاية والوصاية؟

ملامح القصور في فهم القوامة

وفقاً للتفسيرات الفقهية  “الرّجل قيّم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها، والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجّت، وهو القائم عليها بالحماية والرعاية، وله من الميراث ضعف نصيبها، لأنه هو المكلّف بالنّفقة عليها، وهو يستند في هذا على مقومين أحدهما القدرة الجسدية، والأخرى القدرة على الإنفاق.

قدمت  حركة مساواة  نقدًا  لمفهوم “القوامة” خلال ورقة  أصدرتها، تشير فيها  إلى أن  القوامة  تصاغ  بوصفها  سلطة الرجال على النساء وقد بات مقبولًا بشكل واسع في المجتمعات الإسلامية، حيث يشكل أساس بنية الزواج في القوانين، كما يستخدم في تسويغ البنود التي تخص الرجال بحقوق ومميزات لا تتمتع بها النساء في قوانين الأسرة في الإسلام.”

ووفقا للورقة فقد أضر هذا المفهوم ” بالمساواة، والعلاقات الزوجية بالزوج والزوجة والأطفال.” حيث لا يجري الاعتراف بمساهمة الزوجة في إعالة الأسرة، وتتسبب التراتبية التي تتأسس عليها الأسرة في العنف المنزلي، كما يؤثر غياب إطار المساواة في توتر العلاقة الزوجية مما يضر بالأطفال.

أشارت الورقة لملامح القصور لمفهوم القوامة، فهي مرتكزة على أن الرجل هو المنفق الرئيسي، وتسبب ذلك في حصول النساء العاملات سواء كن متزوجات أو غير متزوجات على أجور أقل من زملائهن الرجال الذين يؤدون العمل ذاته، بل قد تحد من فرص العمل المتاحة أمامهن سواء في القطاع العام أو الخاص.

يُضاف إلى ذلك، تفاقم التمييز ضد النساء في الأزمات والحد من قدرتها على إبرام المعاملات القانونية والمالية وإدارة ممتلكاتهن.

وأوصت الورقة بضرورة تعزيز الحياة الأسرية الكريمة عن طريق تحقيق المساواة داخل إطار الزواج في عدة نقاط في مقدمتها ضرورة تعديل قوانين الدول بما يعكس المواد المتعلقة بالمساواة وعدم التفرقة الواردة في دساتيرها على كافة جوانب الزواج والحياة الأسرية.

معركة النساء للحصول على القوامة

وفقًا للقانون، إذا بلغت المرأة سن 21 عامًا، يمكنها الزواج دون ولي. ومع ذلك، غالبًا ما يرفض المسؤولون المخولون بالأمر إتمام الزواج إلا في وجود رجل من الأسرة، بحجة أن العقد لا يصح إلا بوجود ولي، ويأتي هذا الرفض من خلال تعليمات شفهية من وزارة العدل تمنع المرأة من الزواج بدون ولي.

كما تواجه النساء صعوبات في إجراء عمليات جراحية لأنفسهن في الجهاز التناسلي والرحم، الأمر الذي قد يتطلب موافقة الزوج. فليس للمرأة الحق في الإجهاض أو إجراء عمليات الرحم أو أي عملية جراحية قد تهدد حملها المستقبلي دون موافقة زوجها وأحيانًا الأخ أو الابن، إلا في الحالات الطارئة التي قد تهدد حياتها.

وبحسب الأطباء، لا يوجد قانون يشترط ذلك، لكن هذه السياسة تلزم الأطباء خوفًا من المشاكل الناتجة عن الزوج أو الأسرة إذا اكتملت العملية دون علمهم.

أيضًا، لا يمكن للمرأة المتزوجة تسجيل أطفالها في المدرسة أو نقلهم إلى مدرسة أخرى، إلا بالحصول على الوصاية التعليمية بحكم قضائي، حيث أن مبدأ حق الولاية في القانون المصري يذهب للأب. أما السيدة المطلقة فتنقل أطفالها بغير حكم، فهي حاضنة قانونًا. ومع ذلك، غالبًا ما تطلب إدارات المدارس حكمًا قضائيًا بشأن الوصاية التعليمية، كشرط لقبول الأطفال في المدارس، بما يتعارض مع القانون. وللأب الحق في استئناف أي قرار من قرارات زوجته السابقة بخصوص تعليم الأطفال من خلال دعوى قضائية.

مشروع القانون الجديد المتداول، من شأنه أن “يفرض ولاية الرجل – سواء كان أبًا أو زوجًا أو أخًا – على المرأة، بل إنه يمنح الأب أو الأخ الحق في فسخ زواج بين ابنة أو أخت لرجل على أساس أنه ينتمي إلى خلفية اجتماعية مختلفة”. وشملت التغييرات المقترحة على القانون عدم قدرة المرأة على السفر إلى الخارج دون موافقة ولي الأمر الذكر، ومنع الأمهات من تسجيل شهادة ميلاد الطفل أو جواز سفره.

وهكذا يحتفظ مشروع القانون بالفلسفة الأبوية التي ترى أن المرأة، بغض النظر عن العمر والتعليم والخبرة الحياتية، تفتقر إلى الكفاءة لإدارة شؤونها الشخصية وشؤون أطفالها.

ولكل تلك الأسباب، لجأت مئات النساء إلى نشر مشاكلهن تحت وسم “الوصاية حقي”، التي توضح بالتفصيل الآثار العملية لافتقارهن للوصاية القانونية على أنفسهن وأطفالهن، وطالبت النساء بقانون يعترف بولاية المرأة على نفسها وعلى أطفالها، وينظم إجراءات الزواج والطلاق والنفقة والحضانة أمام المحكمة على أساس العدل وعدم التمييز.

وكشفت الحملة عن تجاهل صانعي السياسة المصريين للتجربة المعيشية للمرأة في القرن الحادي والعشرين، وعدم اهتمامهم بمعالجة قضايا المرأة في ضوء القانون.

ومن زاوية أخرى، يثير مشروع قانون الأحوال الشخصية تساؤلات حول الموقف الحقيقي للدولة من قضايا المرأة. وبشكل أكثر إلحاحًا، فإنه يثير السؤال حول كيفية تشكيل السياسات والقوانين التي تؤثر على حياة المرأة. من هم الفاعلون الرئيسيون في عملية صنع السياسات؟

غالبًا ما يكون من المستحيل على الرجال تلبية التوقعات والالتزام بأن يكونوا هم المسئولين بشكل فردي

اقرأ أيضا: التمكين الاقتصادي للنساء.. الواقع والتحديات والآليات (ورقة بحثية)

التفاوض بين المنظمات النسوية والدولة

وفقاً لورقة سياسات نُشرت على موقع الجامعة الأمريكية بمصر، عملت الحركة النسوية المصرية منذ نشأتها على تغيير القوانين التي تنتقص من حقوق المرأة، حيث اُستخدمت هذه القوانين لإخضاع المرأة لإملاءات المجتمع وقيمه الأبوية، نظرًا لأن الدولة هي التي تصوغ السياسات وتمرر القوانين، لذا كان على النسويات التفاوض مع مؤسسات الدولة للمساومة على حقوق أكبر، من خلال قنوات رسمية وغير رسمية للضغط من أجل قانون جديد للأحوال الشخصية، يحقق مكاسب اجتماعية.

أثمرت هذه الجهود عن عدة تغييرات جزئية في القانون، على سبيل المثال تقنين عقد الزواج للحد من الطلاق وتعدد الزوجات بشروط، ومنح المرأة الحق في فسخ عقد الزواج في بعض الحالات. وفي الآونة الأخيرة، أدت هذه الضغوط إلى منح المرأة حق فسخ الزواج مقابل التنازل عن جميع المطالبات المالية وفقًا لما يسمى بقانون خُلع سوزان مبارك.

تشير الورقة إلى التزام المجلس القومي للمرأة بأدوات الدولة، مثل جميع الفاعلين السياسيين الآخرين، فقد عمل المجلس على اكتساب المزيد من حقوق المرأة ضمن الإطار الضيق الذي تسمح به أدوات وإرادة الدولة، في حين لعب منذ تشكيله في عام 2000 – لفترة طويلة كحلقة وصل بين الحركة النسوية والدولة.

في فترات محددة، دافع المجلس عن المطالب النسوية، ما أدى إلى العديد من المكاسب النسوية. كما يسعى في عمله إلى تحقيق التوازن بين مطالب الحركة النسائية، والتي هي نتاج المنظمات والمبادرات النسوية للتواصل المباشر مع النساء في المجتمع.

في هذا السياق، هناك أيضًا، مجموعات تتبنى موجات الضغط الدولي من قبل منظمة الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية التي تسعى إلى ربط حقوق المرأة في مصر بأجندة الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية الموقعة من قبل مصر، والتي تعكس الاستعداد المؤقت للدولة للتفاوض بشأن تغييرات وضع المرأة مع الحركة النسوية. خلال ذلك، كانت الدولة قادرة على استيعاب الأجندة النسوية بفاعلية، وقبول بعض المطالب النسوية على حساب مطالب أخرى.

المساواة ضرورة

تنص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة السيداو، التي صادقت عليها مصر في عام 1980 ودخلت حيز التنفيذ عام 1981، على اتخاذ الدول الأطراف التدابير المناسبة للقضاء على التمييز في جميع الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية ولضمان المساواة على أساس الجنس، وأن للنساء نفس حقوق الرجال، الحق في اختيار الزوج بحرية وألا يتزوجن إلا بموافقتهن الحرة والكاملة.

مصر من جانبها، تحفظت على المادتين “9 و16” اللتين يتعلقان بحقوق المرأة في شئون الأحوال الشخصية مثل قضايا الزنا والزواج والطلاق، والقوامة.

في الواقع، جوهر نظام قوامة الرجل تمييزي بطبيعته ضد المرأة.  فهو يقيد ممارسة حقوق الإنسان للمرأة، ويمنح الرجال سلطات أوسع على أطفالهم.  ولا تزال حقوق المرأة في مصر خاضعة للتوجهات التقديرية للرجل.

ويرسخ مشروع القانون الجديد هذا الأمر بشكل أكبر. لذا يمكن أن تكون تنفيذ التزامات الدولة في اتفاقية السيداو مهمة، في إقرار المساواة، ويجب على مصر أن ترفع تحفظاتها بخصوص المادتين 9، 16 وكذلك إدخال تشريعات تنتصر لحقوق النساء والمساواة بين الجنسين، لتتماشى مع منهجها الدستوري، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.