تشهد تركيا غدا الأحد واحدة من أهم الانتخابات في تاريخها الحديث، إن لم تكن أهمها. في وقت تترقب فيه القوى الإقليمية والدولية النتائج، التي سيتحدد على أساسها الكثير من المواقف في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة. في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي لتقارب شديد في الموقف الانتخابي بين المرشحين الأساسيين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وزعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو.
وتأتي الانتخابات التركية بعد فترة وجيزة من التحسن في العلاقات المصرية التركية، وسط حالة من التفاؤل باستعادة المسار الطبيعي الكامل للعلاقات بين البلدين. وهو ما يفسح في المجال للتساؤلات بشأن تأثير نتائج الانتخابات على العلاقات بين البلدين.
في هذا الإطار، حاور “مصر360” السفير عبد الرحمن صلاح، آخر سفير لمصر في تركيا قبل القطيعة السياسية بين البلدين، وهو مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون العربية والشرق أوسطية.
اقرأ أيضا: الانتخابات التركية.. نحو احتمالات إعادة تشكيل الحسابات الجيو سياسية لأمريكا وروسيا
كيف تقيم فرص تطور العلاقات المصرية التركية خلال الفترة المقبلة؟ وهل الظروف مهيأة للتقدم على هذا المسار حاليا؟
أعتقد أن الفرصة مواتية جدا للتقدم على هذا المسار لأسباب عديدة أولها دولي وعالمي، وهو أن العالم يتجه نحو تعدد مراكز القوى من قطبية واحدة أمريكية سادت منذ 1989، إلى حالة مخاض دولي لتعدد مراكز القوى. فالصين طرف صاعد ومنافس، وروسيا قوة عسكرية، وهناك قوى اقتصادية بازغة في أوروبا وآسيا والهند واليابان.
وعندما تتعدد مراكز القوى في النظام الدولي، يعطي ذلك حرية أكبر للقوى الإقليمية، مثل مصر وتركيا. فهما لم يكن بينهما أي تناقض حتى عام 2013، رغم تعدد أنظمة الحكم، وقت الرئيس مبارك، ووقت المجلس العسكري، وحتى وقت حكم الإخوان المسلمين. فأنا كنت سفيرا للعهود الثلاثة، فلم يكن هناك أي تناقض، فالتناقض ظهر فقط حين فضلت الحكومة التركية الإسلام السياسي والإخوان على العلاقة مع مصر. وكان في ذلك الوقت هناك رهان دولي على أن الإسلام السياسي سيسود المنطقة، وهذا الرهان فشل، والآن التصور الدولي جميعه متجه إلى أن الإسلام السياسي فشل، وأكبر مثال على ذلك عودة سوريا للجامعة العربية دون اعتراض واضح من أي دولة من الأعضاء، وبمباركة غربية، ولا يقلل من ذلك إعلان الولايات المتحدة عدم رضاها عن الخطوة .
كما أن هناك أمرا آخر وهو أن مصر تقدمت بطلب لإعفاء سوريا من عقوبات قانون قيصر والذي يفرض عقوبات أمريكية على سوريا، حتى نتمكن من إيصال الغاز المصري للبنان، وهذا إن حدث سيفتح مجالا لأمور أخرى، ومنها أن الغاز المصري من الممكن أن يصل لتركيا، لأن خط الأنابيب العربي يمر من سوريا وينقصه 120 كيلو مترا فقط ليصل لتركيا، وهذا الخط من الممكن أن يسير في الاتجاهين، إذا من الناحية الدولية فالأجواء مواتية ومناسبة جدا لتطوير وتطبيع كامل للعلاقات المصرية التركية.
ومن ناحية القضايا الإقليمية واضح جدا أن النظام السياسي في تركيا أعاد تقييم سياساته، ويحاول تبني سياسة صفر مشاكل ويسعى لإصلاح علاقاته مع مصر والسعودية والإمارات .
أيضا السياسات المصرية والتركية تجاه القضايا الإقليمية مثل فلسطين، والشرق الأوسط متطابقة، والتغيير الذي نطلبه من الجانب التركي من شأنه أن يشجع على الوصول لحل سياسي للأزمة في ليبيا، وفي سوريا أيضا نريد أن يكون الأتراك أكثر مرونة في التعامل مع الأطراف الكردية في سوريا، وأن يتعاملوا مع المشكلة الكردية من الناحية السياسية بحيث يسهلوا الوصول لتسوية سياسية في سوريا، وبالتالي تخرج القوات الأجنبية الموجودة على غير رغبة الحكومة السورية، فالوصول لحل سياسي في سوريا سيسهل خروج كل القوات الأجنبية كذلك سيسهل عودة اللاجئين، ووقف تجارة المخدرات، هذه كلها أمور في مصلحة المنطقة بالكامل وليس تركيا ومصر.
فدوليا وإقليميا، وثنائيا كل الأمور مواتية من أجل تطبيع العلاقات، أخيرا يتبقى العنصر السياسي المتمثل في الانتخابات التركية ، وأنا أراهن أنه بغض النظر عن نتيجة الانتخابات فالعلاقات ستكون أفضل لأن الحكومة الحالية بقيادة أردوغان تعيد الانفتاح على مصر ، والمعارضة كانت تنتقد أردوغان بسبب توتر العلاقات بين تركيا ومصر .
هل من الممكن في تقديرك الوصول لمقاربة مصرية تركية في ليبيا باعتبارها ملف رئيسي في الخلاف بين البلدين؟
الإطار الدولي والإقليمي لهذا الملف يجعل الظروف مواتية جدا للوصول لحل سياسي للأزمة الليبية، بل وتشجيع الوصول لهذا الحل، فدوليا الحرب في أوكرانيا زادت من الحاجة للنفط والغاز الليبيين وقرب ليبيا من السواحل الأوروبية ساعد جدا على هذا ، خاصة أن ليبيا مرتبطة بالفعل مع إيطاليا بأنبوب غاز يعمل بشكل جيد، وأمريكا وشركاتها أصبحت تتنافس على العمل مع ليبيا وبات من مصلحة الجميع الوصول لحل للأزمة في ليبيا وتوحيد الحكومة والمؤسسة العسكرية هناك وقوى الأمن .
إضافة لذلك فإنه من الجانب الروسي فقوات فاجنر المتواجدة في شرق ليبيا، هناك حاجة كبيرة لها في أوكرانيا، ويريدون نقلها ، فهم بذلك لا يريدون حربا جديدة في ليبيا، ولذلك سيسهل علينا أن نصل لحل يضمن خروج المرتزقة، خاصة أيضا أن القوات النظامية التركية في ليبيا عددها قليل جدا فهم مئات على عكس المرتزقة الذين تذهب تقديرات بأن عددهم يقترب من الـ 20 ألفا.
وأنا اعتقد أن الظروف مواتية، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية التركية نفسه مؤخرا ، بقوله أن هناك إمكانية للوصول إلى تفاهم مشترك مع مصر بشأن ليبيا.
وإقليميا أيضا فالدول الخليجية الرئيسية تؤيد موقفنا في ليبيا، إضافة لكوننا نمتلك علاقات وثيقة مع روسيا، ما يعني أن الحل الذي سنستطيع التوصل له وندافع عنه يمكن جدا أن يأخذ في الاعتبار المصالح الروسية ومصالح الدول العربية الأخرى، والتفاهم مع الجانب التركي، ويجب على مصر أن تأخذ زمام المبادرة، وعدم الاكتفاء برفض أو قبول مبادرات الآخرين، كما فعلنا مع مبادرة الأمم المتحدة بشأن ليبيا مؤخرا، فهذا لا يصح، فمصر دائما كانت أهميتها تعود لموقعها و إلى مبادرتها الدولية، فنحن يجب أن نعود لنأخذ زمام المبادرة الدولية.
هل من الممكن أن يتأثر الدور الدولي بالوضع الاقتصادي والحاجة الاقتصادية للدولة ؟
طبعا .. فكل السياسات تبدأ محلية ، وأكيد المشكلات الاقتصادية تقيد الدور الدولي للدولة وهذا صحيح بنسبة كبيرة، ولكن المبادرة وأخذ زمامها تسهم في إيجاد حلول للوضع الاقتصادي، وخير دليل على ذلك أن مصر حصلت خلال الفترة الماضية على 23 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، في حين أن تونس لم تستطع الحصول على 3 مليارات دولار فقط، وهذا يرجع للأهمية النسبية للدولة، وحجمها وأهمية مصر في الإقليم والنظام الدولي، و يجب أن نستفيد من هذا.
في الحالة التركية مثلا، يمكن تحويل الحالة السياسية لمحفز للنهوض بالأوضاع الاقتصادية في مصر، فالصادرات المصرية لتركيا زادت خلال السنوات الثلاث الماضية وقت القطيعة السياسية بأكبر نسبة زيادة لصادرات مصرية لأي دولة على مستوى العالم، فهناك أمور كثيرة في تفاصيل العلاقة، من الممكن أن تسهم في تصحيح أوضاع الاقتصاد، فعلى سبيل المثال، صناعة النسيج مأزومة في مصر في وقت يصدر فيه المستثمرون الأتراك بما قيمته 500 مليون دولار من مصر للأسواق الأمريكية والإفريقية والعربية، فلماذا لا نتعاون معهم بأن يدخلوا كمستثمرين لإنقاذ صناعة النسيج المصرية، ويكونوا شركاء بدلا من بيع الأصول .
كما أنه من المعروف أن الأتراك ثاني أكبر مقاول على مستوى العالم خارج حدودهم بعد الصين ومعظم المشروعات التركية على سبيل المثال في ليبيا هي مشروعات مقاولات، تحتاج إلى العمالة، والعمالة المصرية موجودة بالفعل في ليبيا، فأوجه التعاون كبيرة ومجالات المكسب بين البلدين كبيرة للغاية.
هكذا، مساحات التعاون المحتمل بين مصر وتركيا في ليبيا أكبر بكثير من مساحات الفُرقة والخلاف.
بالانتقال للمشهد الانتخابي التركي.. بحكم خبرتك الواسعة، هل المفاجأة واردة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في 14 مايو/ أيار الجاري؟
كل المؤشرات تقول أن هذه الانتخابات يسير فيها المتنافسون الرئيسيون، خطوة بخطوة، فهي أول انتخابات منذ 2002 يصعب التنبؤ بنتيجتها بسبب تقارب المتنافسين، وهذا يأتي كون المعارضة لأول مرة توحد صفوفها ما جعلها لأول مرة مرشحة لكسب الانتخابات والمقصود هنا الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. خاصة أيضا أن المشكلة الاقتصادية في تركيا أثرت بشكل كبير على الناخب التركي العادي الذي كان يعيد انتخاب الحكومة الحالية بسبب إنجازاتها الاقتصادية السابقة، لكن المؤكد أن ما بعد الانتخابات هو واقع جديد بغض النظر عن نتيجتها حتى لو نجحت الحكومة الحالية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فلا بد أن تنهج نهجا مختلفا في النواحي الاقتصادية.
ولكن بغض النظر عن نتيجة الانتخابات أيضا فالعلاقات مع مصر ستشهد تحسنا كبيرا وانفراجة سواء نجح أردوغان وحزبه أو نجحت المعارضة .
العراق في الوقت الحالي يقوم بوساطة بين مصر وإيران. كيف ترى فرص نجاح تلك الوساطة؟ وهل هناك عقبات؟
هناك فرصة مواتية على المستوى الدولي لعودة العلاقات، فعلى المستوى الدولي هناك حالة خوف أن يصعد الدور الصيني في الشرق الأوسط، وتكون بكين المهيمن والقائد .
وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية خشية هذا الدور الصيني الصاعد سترحب بمصالحة مصرية إيرانية ويجب ألا يصدق الجميع ما يشاع أن المصالحة السعوديةة الايرانية تمت بعيدا عن الإدارة الأمريكية، ومؤخرا كان مستشار الأمن القومي الأمريكي في زيارة للسعودية. وبالتالي قد ينسحب هذا النهج الامريكي المرحب في الحالة السعودية على المسار بين مصر وإيران. فعلى سبيل المثال انظر إلى سعر برميل النفط قبل زيارة الرئيس بايدن للسعودية وبعدها فكان قبل الزيارة بنحو 120 دولارا للبرميل والآن في نطاق الـ70 دولارا للبرميل ، فهناك تنسيق أمريكي سعودي كامل، والاتفاق الإيراني السعودي تم برضا أمريكي كامل فالرئيس الأمريكي جو بايدن لم يفقد الأمل في إعادة إيران للاتفاق النووي، وسيسعى لذلك قبل الانتخابات الأمريكية القادمة، وإيران أيضا فقدت الأمل في تصدير الثورة.
هل الموقف المصري بشأن استعادة العلاقات مع إيران كان متوقفا فقط على الموقف الخليجي من إيران؟
كان لنا أيضا أسبابنا الخاصة حيث كانت إيران تستضيف بعض أفراد من الجماعات الإسلامية التي تعمل ضد مصر، كما أنهم كانوا يرسلون رسائل متناقضة.
في تقديرك هل الأمور ستسير لتقدم ملحوظ كما في حالة العلاقات التركية؟
الانفراجة لن تكون كما في الحالة التركية لكن ممكن أن تحدث انفراجه وتبادل تجاري عندما ترفع العقوبات عن إيران، كما أنه من الممكن أن تحدث تهدئة لكثير من مشاكل المنطقة.