منذ قرابة الشهرين، تسيطر على السوق المحلية توقعات بانخفاض وشيك لسعر الجنيه، لم تنفها أو تؤكدها المجموعتان المالية والنقدية، رغم تسرب أعباء هذه التوقعات الثقيلة على أسعار السلع المحلية وعلى المواطنين بالتالي، بداية من تجار الذهب وتوكيلات ومعارض السيارات وحتى محال البقالة في القرى والكفور.
تعاني السوق المحلية حاليًا، من فوضى تسعير للدولار، الذي يتم تقديره وفقًا للأهواء في ظل وجود ثلاثة أسعار للدولار؛ أولها الرسمي عند مستوى متوسط 30.83 جنيها للشراء و30.93 جنيها للبيع، والسوق السوداء التي سجل فيها مستوى 36.5 جنيهات، والعقود الآجلة (بعد 12 شهرًا) التي كسر فيها مستوى 40 جنيهًا.
ورغم وجود ثلاثة أسعار للدولار، لم يختر تجار الذهب أيًا منها، بل سعروا منتجهم بسعر رابع يتجاوزها جميعا؛ ليصل في بعض محال الصاغة إلى 45 جنيهًا، ما دفع أسعار جميع الأعيرة؛ لتسجيل أعلى مستوى تاريخي لها على الإطلاق.
فوضى سوق الذهب
في سوق الصاغة الملاصقة لمسجد السيد البدوي، يقول “أ. ع” صاحب محل ذهب، إن الجميع يخشى حدوث تعويم جديد، حتى المواطن نفسه الذي يشتري في ظل المستويات السعرية الحالية، بينما يشير إلى أن تقدير البعض سعر الدولار عند 45 جنيهًا منطقي في ظل أسعاره بالسوق السوداء والمطروح منه.
يردد “أ. ع” مقولة واحدة حين المقارنة بين السعر الذي يسعر به والدولار بالسوق الرسمية: “روح اشتري دولار من البنك ولو عرفت تجيب 200 دولار.. هاديلك الذهب بالسعر الرسمي”، في إشارة إلى عدم توفير البنوك الاحتياجات التي تحتاجها السوق من العملات الصعبة.
الأوفر برايس حتى بالأجهزة الكهربائية
تشهد سوق السيارات مشهدًا عبثيًا حاليًا، فالتوكيلات ترفع الأسعار أسبوعيًا بأرقام فلكية وصلت لبعض الماركات إلى 200 ألف جنيه في شهر واحد، مع تقليل المعروض أيضًا للحصول على “أوفر برايس”، وهو مبلغ تتم إضافته على سعر السلعة؛ لاستلامها فورًا بدلًا من انتظار استلامها بعد شهور.
بعض الشركات المحتكرة لبعض أصناف الأدوية لجأت لـ”الأوفربرايس” أيضًا إبان أزمة الدولار مطلع 2022، قبل أن تنفرج المشكلة بتوفير الحكومة الدولار للبضائع المحتجزة، وإعطاء الأولوية حينها للمنتجات الغذائية والأدوية.
لكن عادت المشكلة حاليًا بشكل أكبر في قطاع الأجهزة الكهربائية، مع نقص التصنيع المحلي وكذلك المنتج المستورد، لترتفع أسعار الثلاجات وشاشات العرض والغسالات لمبالغ قياسية، بحسب شعبة الأجهزة الكهربائية بالجيزة.
وافي أبو سمرة، عضو شعبة الأجهزة الكهربائية بالجيزة، يقول إن ظاهرة الأوفر برايس وصلت في الأجهزة الكهربائية لنحو 7 آلاف جنيه في أسعار الثلاجات حتى أن بعض الأنواع التي يفترض بيعها بـ 15 ألف جنيه تصل حاليًا إلى 24 ألفًا.
أبو سمرة يضيف أن تلك الزيادات فرضها التجار أنفسهم، فالأسعار لم تتحرك بنفس تلك القيمة من قبل المنتجين، لكن بعض أصحاب المعارض يفرضون تلك المبالغ الإضافية، في ظل انخفاض المعروض من الأجهزة الكهربائية في السوق المحلية بنسب بلغت 50%.
سوق البناء.. الارتفاع محليًا لا عالميًا أين وزارة التموين
في سوق مواد البناء “حدث ولا حرج”، فطن الحديد الذي يتم تسليمه للتجار في المصانع 32.3 ألف جنيه، يجد طريقه للمستهلك النهائي بأسعار تتجاوز 40 ألف جنيه؛ بسبب فوضى التسعير من قبل التجار وتقديرهم للربح وتكاليف النقل بين المحافظات.
أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء باتحاد الغرف التجارية، يقول إن سوق الحديد تسيطر عليه حالة من الفوضى في التسعير منذ نحو شهرين، بسبب غياب المنافسة والرقابة على الأسواق، وفرض رسوم إغراق على المنتج المستورد.
وشهد خام الحديد تراجعا بنسبة 30% عالميًا؛ ليصل إلى مستوى 104.80 دولارا مقابل 150 دولارا بسبب مخاوف الركود، لكن في مصر لم يشهد انخفاضًا. ويرى الزيني إن السوق غير منضبطة، فسعر الحديد في المصانع المتكاملة يسجل مستوى ما بين 32.050 و32.250 جنيها وهو الأعلى جودة وتكلفة في الإنتاج، بينما تبيع مصانع الحديد طن الحديد العادي أرض المصنع بـ 38 ألف جنيه.
وطالبت شعبة المواد البناء بدور أكبر لقطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين التي يتم إبلاغها بكميات الإنتاج، والبيع وأسعار تسليم حديد التسليح ما يعطيها القدرة على مداهمة محال التجار بفواتير الشراء، والبيع والتحقق من مستويات الأسعار الفعلية بالأسواق، بيعًا وشراءً وهي خطوة من شأنها ضبط السوق.
الدولة مطالبة بدور أكبر
يجمع الخبراء على وجود دور لأجهزة الدولة في مقدمتها، جهاز حماية المستهلك والأجهزة المعنية بتكثيف الحملات التفتيشية؛ لتضييق الخناق على التجار المحتكرين والمتاجرين باحتياجات الموطنين، وتخصيص خط ساخن لتلقي الشكاوى الخاصة بزيادات الأسعار ومواجهة الأوفر برايس.
في المحال التجارية، لم يعد هناك سعر واحد للمنتج فعبوة الشاي أو السكر أو اللبن من نفس الماركة يمكن شرائها في الشارع الواحد بأسعار مختلفة، والشركات المنتجة لا تلتزم جميعها بكتابة أسعار المنتج على العبوة ما يساهم بصورة أكبر في فتح الباب أمام استغلال التجار.
يقول “ب. ا” صاحب محل بقالة كبير بطنطا، إنه التزم بتعليمات التموين بوضع سعر للمنتج على الأرفف، لكن تغيير الأسعار شبه اليومي من قبل الموردين دفعه للتوقف، فلا وقت لديه لتغيير السلع يوميًا من على الأرفف، كما أنه يدخل في خلاف مع المشترين حال وجود سعر قديم تحت منتج وتغييره من قبل الموردين.
كان الدكتور على المصيلحى وزير التموين والتجارة الداخلية قد وجه في نهاية 2022، بتشكيل لجان مشتركة من مديريات التموين ومباحث التموين وجهاز حماية المستهلك، وهيئة سلامة الغذاء للنزول على الأرض ومتابعة وضع السعر على السلع وبمكان وخط واضح للجمهور فى كافة المحال، وخاصة في الأماكن التي تبتعد عن عواصم المحافظات والمدن الكبيرة.
بحسب النائبة أمل سلامة، عضو مجلس النواب، فإن جشع بعض التجار عامل أساسي في تفشي ظاهرة “الأوفربرايس” واحتكار بعض التجار لأنواع معينة للأجهزة الكهربائية بالمخالفة للقوانين ودون رقابة من الاجهزة المعنية، هو السبب الحقيقي وراء تفشي هذه الظاهرة.
طالبت النائبة، في بيان عاجل لمجلس النواب بتطبيق المادة 4 من القانون 181 لسنة 2018؛ لحماية المستهلك، التي تنص على حظر حبس المنتجات الاستراتيجية وعدم طرحها للبيع، ومن بينها الأجهزة الكهربائية، ويعاقب من يخالف ذلك بالحبس بمدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز الـ 5 سنوات، بالإضافة إلى الغرامة.