بموجب وساطة مصرية، بدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي برعاية مصرية، مساء السبت الماضي، ذلك بعد 5 أيام متواصلة من القصف المتبادل بين الجانبين، أسفر عن مقتل 33 فلسطينيًا وشخصين في إسرائيل (الأراضي المحتلة).

المواجهات بدأت بانطلاق غارات جوية إسرائيلبة، استهدفت 3 من كبار قادة الجهاد الإسلامي، بررتها تل أبيب بأنها رد على قصف نفذته حركة الجهاد لأهداف إسرائيلية.

خلال الأيام الخمسة لم يبرز ضمن جهود الوساطة أكثر من دور الدبلوماسية المصرية، التي حاولت التهدئة بين الجانبين وعملت على وقف التصعيد الذي نجح في نهاية الأمر باتفاق بدأ سريانه السبت. ما لاقى تقديرا واسعا من أطراف دولية عدة.

وقد تضمنت جولات القاهرة للتهدئة اجتماعات مع قادة حركة الجهاد الذين طالبوا بوقف سياسة الاغتيالات، وكذا مع الأطراف الإسرائيلية التي طلبت وقف إطلاق الصواريخ من غزة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، إلى أن تم الاتفاق على وقف متبادل لإطلاق النار.

لكن هذا الاتفاق وإن كان نجح في تحقيق تهدئة، فإنها تبقى مؤقتة حذرة يشوبها التوتر، بينما ولأسباب عدة تبقى احتمالات تجدد القتال كبيرة، ربما تجد فرصة مناسبة في انطلاق مسيرة الأعلام التي تصر عليها إسرائيل، غير الراغبة في تخفيف هذا التوتر لأسباب داخلية وسياسية وعسكرية فيما يبدو. 

الباحث في الشأن الإسرائيلي بمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي د. خليل أبو كرش
الباحث في الشأن الإسرائيلي بمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي د. خليل أبو كرش

خروقات إسرائيل

يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي بمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، د. خليل أبو كرش إن “الجهود الدبلوماسية المصرية في هذا الشأن ليست بجديدة، فمصر تمارس دورا هاما ومركزيا في الحفاظ على الهدوء والاستقرار في غزة. بينما يكمن الخلل في تعمد إسرائيل الدائم، لخرق اتفاقات الوساطة عبر شن عدوان دائم على غزة في إطار تصورات دولة الاحتلال الأمنية، وتعقيدات المشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي، الأمر الذي يهدد دور القاهرة وقدراتها الدبلوماسية بتجدد القتال”.

ويواجه الشعب الفلسطيني معاناة متزايدة في ظل حكومة اليمين الإسرائيلي التي تسعى بشكل متكرر لانتهاك مقدسات المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وإرهاب الفلسطينيين بالقمع والقتل، الأمر الذي زاد من حدة المواجهة بين الطرفين. وقد سجلت “أسوشيتيد برس” مقتل 111 فلسطينيا في الضفة الغربية والقدس الشرقية، منذ بداية العام. 

ومع كل اختراق إسرائيلي وتفاقم للوضع بين الجانبين تتدخل مصر، وآخر هذه التدخلات المصرية تزامنت مع العدوان، الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة في أغسطس/ آب الماضي، وأسفرت الوساطة المصرية حينها عن وضع حد للنزاع الدائر بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي.

اتفاق وقف إطلاق النار 

نص الاتفاق الأخير الذي توصلت له مصر مع الجانبين لتفعيل وقف إطلاق النار بينهما على أن “يلتزم الجانبان بوقف إطلاق النار الذي سيشمل إنهاء استهداف المدنيين، وهدم المنازل ووضع حد لاستهداف الأفراد فور دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ”.

وقد علق مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الاتفاق بأن “الهدوء سيقابل بالهدوء وإذا تعرضت إسرائيل للهجوم أو التهديد فإنها ستواصل فعل ما يجب عليها للدفاع عن نفسها”.

فيما تقدم مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنجبي بالشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي نظير جهوده في إحلال السلام، وعلى الجانب الآخر، أكد المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي داوود شهاب قبول الاتفاق بوساطة القاهرة، كما أعرب محمد الهندي المسئول في الدائرة السياسية في الجهاد الإسلامي عن تقديره للجهود المصرية.

تحديات صفقة السبت 

لم تعالج صفقة يوم السبت العديد من أسباب القتال المتكرر بين الإسرائليين والفلسطينيين، بما في ذلك الحصار الإسرائيلي المستمر لقطاع غزة، وترسانات الأسلحة الكبيرة التي تمتلكها حماس والجهاد الإسلامي، والسياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.

يقول د. خليل أبو كرش، إن التحديات التي يمكن أن تؤثر على الاتفاق يمكن سردها في مجموعة من العناصر:

الأول، يتعلق بأهمية وضرورة ترميم الردع في إسرائيل، حيث يترسخ اعتقاد لدى المؤسسة العسكرية، والأمنية أن حالة الردع في إسرائيل تآكلت نتيجة المظاهرات المستمرة في الداخل.

ونتيجة لذلك، تراجعت قدرة إسرائيل على الدخول في حرب متعددة الجبهات، وبالتالي إذا كانت هناك فرصة أو ضرورة في إسرائيل لترميم هذا الردع، يمكن تحقيقها من خلال العدوان ولو بشكل مؤقت.

مقلاع داوود (وكالات)
مقلاع داوود (وكالات)

يدفع هذا الوضع إلى احتمالية العودة مرة أخرى للحرب، خاصة وأن السلوك الإسرائيلي هو سلوك عدواني توسعي فيما يتعلق بالضفة الغربية، وفيما يتعلق بالقدس وبالتالي، فإن عوامل التوتر متواجدة دائمًا. 

أما العنصر الثاني، فيرتبط بالعقيدة الإسرائيلية التي ترى ضرورة خوض معركة بين حربين، لما لها من فوائد جلب الهدوء تحديدًا نحو مناطق الجنوب، فيما يعرف بسياسة تقليم أظافر المقاومة العسكرية في غزه من ناحية، وأيضا توجيه رسالة من خلال هذا القتال إلى الجهات الأخرى مثل حزب الله وحماس.

كما توفر تلك المواجهة فرصة لاختبار والترويج لبعض الأسلحة الجديدة، لا سيما منظومة مقلاع داوود الجديدة التي طورتها إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة.

ويشير خليل أبو كرش إلى أن أغلب المحللين والمفكرين أجمعوا على أن هذه المواجهة مرحلة أولى، من سلسلة من المواجهات المستقبلية ستسعى إليها إسرائيل؛ حتى تتمكن من إملاء شروطها، لأنه حتى اللحظة لم تتمكن من تحقيق أهدافها وكذلك الأمر بالنسبة للمقاومة في غزة.

ويضيف، أن كل طرف في انتظار المعركة الجديدة، وهو ما يوصف عمليا بمرحلة بناء القوة بين الطرفين، وانتظار التوقيت المناسب للدخول في مواجهة جديدة، ويتجذر أساس أغلب المشكلات في استمرار الاحتلال، وبالتالي إبقاء عوامل التوتر يقظة لاندلاع الحرب في أي لحظة.