أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية، قبل يومين، تقريرها عن الحريات الدينية في العالم لعام 2022، والذي يقدم -كما يقول التقرير عن نفسه- نظرة شاملة قائمة على الحقائق لحالة الحرية الدينية فيما يقرب من 200 دولة ومنطقة حول العالم. ويضم تقييمًا شاملاً لحرية الدين أو ظروف المعتقد في 199 دولة ومنطقة خلال العام الماضي. وتشمل الدول الموصوفة في التقرير بعض أقرب حلفاء الولايات المتحدة ودولا أخرى لا تربطها بها علاقات دبلوماسية.

وقال وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، أنه على مدار العام الماضي “شهدنا تقدمًا حقيقيًا في بعض أجزاء العالم فيما يتعلق بتوسيع الحرية الدينية، حيث طالب الناس بحقوقهم. ضغطت مجموعات المجتمع المدني من أجل التغيير، واستمعت الحكومات”.

وأضاف: ستواصل الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب هؤلاء المدافعين الشجعان عن الحرية الدينية ودعمهم. سنستمر في الدفاع عن الحرية الدينية في البلدان التي تتعرض فيها الحقوق للهجوم، علنًا ومباشرًا في تعاملنا مع المسئولين الحكوميين. سنواصل العمل للدفاع عن الحرية الدينية وتعزيزها هنا في الوطن.

وخلال إيجاز صحفي خاص حول التقرير، مع مسئول رفيع المستوى بوزارة الخارجية الأمريكية -تم حجب اسمه- أشار إلى أن روسيا “استهدفت الأقليات الدينية في أوكرانيا”، مضيفا أن “الكرملين يسعى إلى خلق انقسام في الكنيسة الأرثوذكسية من خلال استهداف الأقليات الدينية. وقد تسببوا في أضرار للمواقع الدينية المقدسة”.

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال عرض التقرير

وأكد المسئول الأمريكي أنه “فيما يتعلق بالصين، لا تزال الصين واحدة من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان والحرية الدينية في العالم. فهم يواصلون الانخراط في الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ضد الأيجور والبوذيين في التبت، والبروتستانت، والكاثوليك، وجماعة الفالون جونج، ومسلمي هوي”.

وتابع: هذا التقرير يصف بشكل رسمي المعاملة المروعة التي تمارسها جمهورية الصين الشعبية والانتهاكات ضد الأيجور والأقليات العرقية والدينية الأخرى. وهكذا سنواصل العمل عن كثب مع شركائنا وحلفائنا في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك دول منظمة التعاون الإسلامي، لتكثيف إجراءاتهم تجاه الصين، وعلى وجه التحديد معاملة الصين للأقليات الدينية.

اقرأ أيضا: العفو الدولية: الإعدامات تتصاعد إلى أعلى رقم منذ 5 سنوات.. والشرق الأوسط الأكثر إزهاقًا للأرواح

إيجابيات وسلبيات

رصد التقرير علامات إيجابية وسلبية، وفق بلينكن، حيث اعترفت بلجيكا رسميًا بالأقلية البوذية، ما يمنح المنظمات الدينية البوذية الحق في تعليم إيمانها في مدارس الدولة وفي النهاية التقدم بطلب للحصول على تمويل فيدرالي للقيام بذلك.

أيضا، صنّف المشرعون في البرازيل ضمانات الحرية الدينية لمجتمعات السكان الأصليين -الأفرو برازيلية- على مستوى البلديات والولايات في جميع أنحاء البلاد. كما أصدروا تشريعًا يجرم ارتكاب أعمال تمييزية ضد أي ممارسات دينية.

كما أنشأت كل من كندا والاتحاد الأوروبي مكاتب جديدة لمكافحة الإسلاموفوبيا، بينما عينت كرواتيا أول مستشار خاص لها لمكافحة معاداة السامية.

وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، تواصل المحكمة الجنائية الخاصة في البلاد مقاضاة قضايا العنف الديني وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين منذ الانقلاب العسكري في عام 2003.

وعلى نطاق أوسع، نجح المجتمع المدني والحكومات المعنية الأخرى في جميع أنحاء العالم في ضمان إطلاق سراح العديد ممن تم اعتقالهم، بل وحتى سجنهم، لممارستهم حريتهم في الدين أو المعتقد.

يوثق التقرير أيضا استمرار -وفي بعض الحالات ظهور- اتجاهات مقلقة للغاية”، وفق القائمين على التقرير.

يقول: تواصل الحكومات في أجزاء كثيرة من العالم استهداف الأقليات الدينية باستخدام مجموعة من الأساليب. بما في ذلك التعذيب والضرب والمراقبة غير القانونية، وما يسمى بـ “معسكرات إعادة التثقيف”.

كما استمروا في الانخراط في أشكال أخرى من التمييز على أساس العقيدة أو الافتقار إلى العقيدة، مثل استبعاد الأقليات الدينية من بعض المهن، أو إجبارهم على العمل في أوقات الشعائر الدينية.

أيضا، تستخدم بعض الحكومات قوانين مناهضة التحول، والتجديف، والردة -التي تحظر ترك العقيدة- لتبرير المضايقة ضد أولئك الذين لا يتبعون تفسيرهم الخاص للاهوت، وغالبًا ما تستخدم تلك القوانين كسلاح ضد الإنسانيين والملحدين والمثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيًا.

وأشار إلى مواصلة الناس في جميع أنحاء إيران، بقيادة شابات، الاحتجاجات السلمية للمطالبة بحقوقهم الإنسانية. بما في ذلك حرية الدين، مدفوعة بقتل مهسا أميني، التي اعتقلتها شرطة الأخلاق لأن حجابها لم يغط شعرها بالكامل.

وفي خضم القمع المستمر لنظام ميانمار “بورما” العسكري للأقليات الدينية، يواصل آلاف المعلمين من المسلمين والبوذيين والمسيحيين وغيرهم من الخلفيات الدينية تعليم أهمية حقوق الإنسان، بما في ذلك الحرية الدينية والاحترام بين الأديان.

مصر.. اتهامات فضفاضة بازدراء الأديان

يلفت التقرير في الجزء الخاص بالحريات الدينية في مصر، إلى أن الدستور المصري يحدد الإسلام على أنه دين الدولة، وأن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع. لكنه، في الوقت نفسه، ينص على أن القوانين الكنسية لليهود والمسيحيين تشكل أساس التشريع الذي يحكم أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار القادة الروحيين.

وأضاف: تعترف الحكومة رسميًا بالإسلام السني والمسيحية واليهودية. وتسمح فقط لأتباعهم بممارسة شعائرهم الدينية وبناء دور العبادة.

وأكد التقرير أن “ازدراء وعدم احترام الأديان الإبراهيمية الثلاثة ودعم الأيديولوجيات المتطرفة هي جرائم”.

واستعرض التقرير عددا من جرائم الحريات الدينية في مصر خلال الأعوام السابقة. ففي سبتمبر/ أيلول، حكم على رجل بالسجن 14 عاما لارتكابه جريمة قتل عام 2013 لعالم شيعي وثلاثة من أتباعه.

وفي يونيو/ حزيران، تم الحكم على الداعية السلفي محمود شعبان بالسجن 15 عاما بتهمة “التحريض على العنف ومعارضة الدولة والانضمام إلى جماعة إرهابية”. بينما اتهم شعبان السلطات بحرمانه من العلاج الطبي أثناء وجوده في السجن.

يضيف التقرير: استدعت الحكومة، وحاكمت، وحكمت على العديد من الأفراد، بمن فيهم مسلمون ومسيحيون وملحدون ومبدعو محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي ومواطنون عاديون، بسبب أفعال اعتُبرت مسيئة للإسلام أو المسيحية.

ووصفت جماعات حقوق الإنسان قوانين ازدراء الأديان بأنها “غامضة وفضفاضة للغاية، وتشكل تهديدًا لحرية التعبير” ودعت إلى إلغائها.

كما أشار التقرير إلى  إفراج السلطات المصرية عن الباحث والناشط القبطي رامي كامل، المحتجز منذ 2019 بتهمة ازدراء الأديان، والقرآني رضا عبد الرحمن، المحتجز منذ 2020 بتهم من بينها الانتماء إلى داعش.

كما أصدرت وزارة الداخلية عفوا عن خمسة ضباط شرطة أدينوا بتعذيب رجل قبطي حتى الموت في 2016 بعد أن أمضوا عاما واحدا من حُكم بالسجن ثلاث سنوات.

كما أفرجت محكمة عن امرأة محتجزة لمدة خمسة أشهر، بعد أن أبلغت أن زملاءها في العمل اعتدوا عليها لعدم ارتدائها الحجاب.

تقرير الحريات الدينية الدولي لعام 2022 يتناول ما يقرب من 200 دولة

اقرأ أيضا: بوستات السوشيال ميديا الطريق السريع إلى السجون.. كتم “الأنفاس” عبر 3 قوانين 2015 – 2023

مكافحة التطرف الديني

أشار التقرير إلى أنه في مايو/ أيار 2022، وافقت الحكومة على إعادة الافتتاح الكامل للمساجد والأضرحة، ورفعت معظم قيود COVID-19 المتبقية، على الرغم من أنها حافظت على الحد الأقصى لمدة 10 دقائق في خطب الجمعة واستمرت في الحد من بعض الاحتفالات الصوفية، مستشهدة بمخاوف COVID-19.

أيضا، واصلت الحكومة السماح للبهائيين، وأعضاء كنيسة يسوع المسيح، وشهود يهوه، والمسلمين الشيعة، بالعبادة بشكل خاص وبأعداد صغيرة، لكنها استمرت في رفض طلباتهم بعقد التجمعات الدينية العامة أو بناء دور العبادة. ولفت إلى استمرار البهائيين في الإجراءات القانونية التي تطلب من السلطات تخصيص مقبرة للأفراد الذين اعتبرتهم الحكومة غير مسلمين أو مسيحيين أو يهود.

في الوقت نفسه، واصلت الحكومة تقييد محتوى الخطب في المساجد. في سبتمبر/ أيلول، أصدرت السلطات التقرير الوطني لمكافحة الإرهاب، الذي حدد الأدوار التي لعبتها وزارة الأوقاف والأزهر في مكافحة التطرف الديني.

ولفت التقرير إلى أن السلطات المصرية حاولت مراقبة مواقع الويب بحثًا عن المحتوى “المتطرف” وحجب المواقع الشيعية بشكل عام.

وفي يونيو/ حزيران، أعلنت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني أن الصفوف من الرابع إلى السادس ستبدأ في دراسة كتاب مدرسي عن احترام حقوق الإنسان والتسامح الديني، والذي كان مقررا بالفعل في الصفوف من الأول إلى الثالث.

كما واصلت الحكومة عملية تسجيل الكنائس غير المرخصة التي تم بناؤها قبل عام 2017، وإضفاء الشرعية على 125 من هذه الكنائس خلال العام. بعد حريق غير مدبر في كنيسة بالجيزة أسفر عن مقتل 41 مصليًا في أغسطس/ آب، انتقد قادة الكنيسة القيود الحكومية على ترميم أو بناء الكنائس وضعف استعداد الحكومة للطوارئ.

في المقابل، واصلت جماعات حقوق الإنسان وبعض ممثلي المجتمع المسيحي وصف جلسات المصالحة العرفية التي ترعاها الحكومة بأنها “تتعدى على مبادئ عدم التمييز والمواطنة، وتحرم المسيحيين من فرصة السعي لتحقيق العدالة من خلال المحاكم”.

ونقل التقرير عن منظمة التضامن القبطي -غير الحكومية- قولها إن هناك “سقف زجاجي بنسبة 2%” على الأقباط في مناصب المبتدئين في القضاء والجيش والشرطة والسلك الدبلوماسي، بالإضافة إلى قيود على مشاركتهم في المناصب العليا في الحكومة.

لكن، في 8 فبراير/ شباط أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي مرسوما بتعيين القاضي بولس فهمي إسكندر، وهو قبطي، رئيسا للمحكمة الدستورية العليا، وهو أول مسيحي تم تعيينه على هذا النحو.

وفي 25 يونيو/ حزيران، قضت المحكمة الإدارية بمجلس الدولة بعدم اختصاصها في الدعوى التي رفعها محامو حقوق الإنسان الأقباط في عام 2021 للمطالبة بحذف خانة “الدين” من بطاقات الرقم القومي.

وفي إبريل/ نيسان، بدأت وزارة السياحة والآثار في ترميم كنيس بن عزرا التاريخي في القاهرة. وهو كنيس غير عامل كان بمثابة متحف وجذب سياحي.

استمرار التطرف

لفت التقرير إلى مواصلة الجماعات الإرهابية -بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء- هجماتها المتفرقة على الأهداف الحكومية والمدنية والأمنية في محافظة شمال سيناء.

في أغسطس/ آب، قتلت الجماعات الإرهابية ما لا يقل عن اثنين من الأقباط المدنيين في سيناء، بناء على هويتهم الدينية، كما وردت تقارير خلال العام عن قيام مسلمين بقتل وجرح أقباط بناء على هويتهم الدينية.

كما استمر التمييز الديني في التوظيف في القطاع الخاص، وفقًا لجماعات حقوق الإنسان والطوائف الدينية، بما في ذلك ضد الطائفة الشيعية، بحسب التقرير.

يقول: واصلت المجتمعات القبطية الإبلاغ عن حوادث اختفاء لفتيات ونساء. قالت العائلات في بعض الحالات إنها مرتبطة بعمليات اختطاف أو تحويل قسري إلى الإسلام. وقد ساعدت السلطات الأمنية في بعض الأحيان في الجهود المبذولة لتحديد مواقعهم.

وينقل التقرير عن أعضاء المجتمع الشيعي قولهم إنهم عرضة للاتهامات بالازدراء للتعبير العلني عن آراء دينية، أو الصلاة في الأماكن العامة، أو امتلاك كتب تروج للفكر الشيعي.

كما أفادت تقارير بأن بعض الأماكن العامة ميزت ضد النساء المحجبات. كما أثار أعضاء هيئة التدريس بالأزهر ردود فعل عنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال اقتراح أن ترتدي النساء ملابس محتشمة وأن يطيعن أزواجهن لتجنب التعرض للعنف وضرب الزوجات.

ونقل التقرير عن كتابات أكاديمية لمنظمة حقوقية أن السجناء الأقباط غير المؤمنين في البلاد شعروا بأنهم مجبرون على حضور اجتماعات مع القساوسة، خشية أن يؤدي غيابهم إلى دمغهم بالإلحاد، مما يجعلهم “أكثر عرضة للعنف من قبل السجانين والسجناء”.