في 13 مايو / أيار، توصلت إسرائيل والجهاد الإسلامي الفلسطيني (PIJ) إلى اتفاق لوقف إطلاق النار -بوساطة مصرية بمشاركة الولايات المتحدة وقطر- بعد عملية إسرائيلية قصيرة استهدفت غزة عُرفت باسم “الدرع والسهم”. فيما يُعيد إلى الأذهان الحملة الإسرائيلية في أغسطس/ آب 2022، عندما حاربت الحكومة بقيادة يائير لبيد الجهاد الإسلامي في فلسطين لفترة قصيرة.
وفي ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، كانت إسرائيل تأمل أن تبقى حركة حماس -الأكبر والأفضل تسليحًا والأقوى سياسيا- خارج المعركة.
هكذا، وفي تحليله للموقف الحالي، يشير ديفيد ماكوفسكي، مدير برنامج كوريت للعلاقات العربية- الإسرائيلية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى/ TWI، إلى أن الجهاد الإسلامي في فلسطين، باعتباره “وكيلا لإيران”، يفتقر إلى الدعم الشعبي الواسع لحركة حماس في غزة ، كما تفتقر صواريخها إلى القوة الفتاكة أو مدى الصواريخ التي تمتلكها حماس.
يقول: على الرغم من القيود العسكرية، فقد نجح الجهاد، بين 9 و13 مايو/ أيار، في إطلاق 1469 صاروخا على مناطق مدنية إسرائيلية، رغم أن خُمسها تقريبا سقط في غزة. كما تمكنت الحركة -أيضا- من إطلاق بعض الصواريخ التي وصلت إلى ضواحي تل أبيب الجنوبية، ومستوطنة في الضفة الغربية بالقرب من القدس.
اقرأ أيضا: إسرائيل تريدها.. الحرب على غزة لن يمنعها وقف إطلاق النار
بين الجهاد وحماس
يشير التحليل إلى اعتراض نظام القبة الحديدية -نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي- 95.6% من الصواريخ التي كانت في طريقها لإصابة المستوطنات الصهيونية. مع هذا، قتل إسرائيلي واحد في مبنى سكني في رحوفوت، كما قتل عامل من غزة في الأراضي الإسرائيلية.
وزعمت تقارير إلى أن إسرائيل أرجأت بدء العملية مرتين وسط مخاوف من مقتل أبرياء.
لكن، بشكل عام، أسفرت العملية عن استشهاد 33 فلسطينيًا في غزة، بمن فيهم عشرة في الضربات الجوية الافتتاحية، وفقًا للجيش الإسرائيلي، الذي زعم أن معظم الضحايا كانوا من المسلحين، وبعضهم سقط نتيجة أخطاء حركة الجهاد.
ولفت ماكوفسكي إلى أن الجيش الإسرائيلي “سجل نجاحات تكتيكية بقتل ثلاثة قادة عمليات للجهاد الإسلامي في فلسطين في الضربات الأولية في 9 مايو/ أيار، بالإضافة إلى ثلاثة مقاتلين آخرين رفيعي المستوى بعد ذلك”.
وفي خطوة إيجابية للدفاع الصاروخي الإسرائيلي متعدد الطبقات، اختبر الجيش الإسرائيلي ميدانيًا نظام David’s Sling “مقلاع داود”متوسط المدى لأول مرة، حيث أسقط صاروخًا متجهًا إلى تل أبيب.
وكما حدث في أغسطس/ آب 2022، نفت حركة حماس ما تردد عن حث إيران على الدخول في القتال، كما رفضت في هذه الجولة حتى إيواء نشطاء الجهاد الإسلامي من خلال ربطهم بمقاتلي حماس كدروع.
وبدلاً من ذلك، واصلت حماس سياستها في الحفاظ على الهدوء في غزة من أجل تعزيز سيطرتها وتحقيق مكاسب اقتصادية -أي الحفاظ على وصول أقلية من الفلسطينيين إلى وظائف ذات رواتب أعلى في إسرائيل- مع التركيز على عملياتها في الضفة الغربية ضد الدولة العبرية.
وأشار ماكوفسكي إلى أن حماس “كانت ستكافح للبقاء على الهامش لو استمر القتال لفترة أطول. لا سيما بالنظر إلى الصدى الرمزي ليوم القدس، 19 مايو/ أيار، والذي يصادف مجرد أيام من ذكرى النكبة العربية “15 مايو”، وانتصار إسرائيل في حرب عام 1948.
لكنه يوضح أن المسيرة السنوية الإسرائيلية، والتي من المقرر أن تمر عبر الحي الإسلامي في البلدة القديمة بالقدس، تشكل تحديًا أمنيًا “لكن إسرائيل رفضت طلبات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتغيير المسار”.
وأضاف: وقعت المسيرة دون وقوع حوادث خطيرة العام الماضي. لكن وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، الذي يقود حزب القوة اليهودية “عوتسما يهوديت” المتطرف، يعتزم المشاركة هذا العام.
هنا “قد تجد حماس -التي أعلنت نفسها الحامي الفلسطيني للقدس- صعوبة في البقاء سلبية في ظل هذه الظروف”، وفق تقدير ماكوفسكي.
نتنياهو ينهض من القاع
في 14 مايو/ أيار، أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها ثلاث شبكات تلفزيونية إسرائيلية أن ما يقرب من 60% من الإسرائيليين راضون عن الإجراءات الأمنية ضد حركة الجهاد الإسلامي. لكنهم، في الوقت نفسه، لم يروا الحملة الإسرائيلية كنقطة تحول.
أظهر استطلاع للقناة الـ 13 العبرية أن 53% من المستطلعين يعتقدون أن الأمر كان “مسألة شهور” قبل مواجهة أخرى في غزة. بينما اعتقد 17% فقط أن أكثر من عام سيمضي.
أمّا المحللون العسكريون الذين تمت مقابلتهم على شاشات التلفزيون -وحتى التحليلات المتفائلة نسبيًا- فقد فشلوا في تقديم طمأنة لحل طويل الأمد للتوترات في غزة.
يقول ماكوفسكي: بالنظر إلى الدعم العام للعمليات العسكرية القصيرة والمركزة، فإن النتوء الذي واجهه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليس مفاجئًا. ومع ذلك، احتاج الزعيم الإسرائيلي إلى أي مساعدة يمكن أن يحصل عليها، في أعقاب الضجة حول الإصلاح القضائي المثير للجدل الذي اقترحته حكومته.
وأوضح أن دعم الائتلاف كان في حالة سقوط حر بشكل أساسي، بحلول أواخر مارس/ آذار، وسط غضب شعبي من الإقالة المفاجئة لوزير الدفاع يوآف جالانت “تم تجميدها”، الذي دعا إلى وقف خطط الإصلاح. خرج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع للاحتجاج. ودعت النقابة العمالية العامة -الهستدروت- إلى إضرابات واسعة النطاق.
وردا على ذلك، اضطر نتنياهو إلى التراجع، معبرا علنا عن دعمه لمحادثات التسوية التي يباشرها الرئيس إسحاق هرتسوج.
هكذا، أبلغ مساعدو نتنياهو المراسلين أن رئيس الوزراء “لا يريد تقديم أي تشريع أحادي مثير للجدل للكنيست في الربيع والصيف، بالنظر إلى أنه قد يعرقل تمرير الميزانية قبل نهاية الشهر. لأنه بموجب القانون الإسرائيلي، يتم حل الحكومة إذا لم تتم الموافقة على الميزانية بحلول 29 مايو/ أيار.
ويرى مدير برنامج كوريت أنه “لا شك أن العناصر اليمينية المتطرفة في كتلة نتنياهو ستعتبر الموعد النهائي للميزانية بمثابة فرصة لسياسة حافة الهاوية في مختلف القضايا”.
يوضح: يمكن أن يتركز الخلاف على التحولات الكبيرة المقترحة في تمويل المجتمع اليهودي الأرثوذكسي المتطرف. بما في ذلك زيادة المساعدة للمؤسسات التعليمية التي تستبعد المواد الأساسية، مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية. ستعتبر الحركة المناهضة للإصلاح هذا جزءًا لا يتجزأ من معارضتها للتغييرات الشاملة التي تحاول الحكومة تنفيذها، ومن المؤكد أن الزيادة الحادة في الإعانات ستثير الاستياء من جديد.
اقرأ أيضا: ما مدى سوء الحرب القادمة بين إسرائيل وحماس؟
عوائق اليمين الإسرائيلي
أيضا، سيهدد أنصار الإصلاح الشامل، مثل رئيس لجنة الدستور والقانون والعدالة في الكنيست سيمشا روثمان، بتقديم التشريع أثناء مناقشة الميزانية إذا تعثرت محادثات هرتسوج.
ولفت إلى أن استطلاعات الرأي التي أجرتها قناة Kan، والقناة 12، والقناة 13، في 14 مايو/ أيار تقدم مسارًا سياسيًا لنتنياهو.
يقول: بحلول أواخر إبريل/ نيسان، أظهرت استطلاعات الرأي أن حزب رئيس الوزراء الليكود سينخفض إلى عشرين مقعدًا إذا أجريت الانتخابات في ذلك الوقت، بانخفاض عن موقعه الحالي المكون من اثنين وثلاثين مقعدًا.
لكن بحلول منتصف مايو/ أيار، بدا أن حزب نتنياهو قد استعاد سبعة أو ثمانية من المقاعد التي خسرها.
يضيف: لا يزال من الممكن أن تشهد انتخابات “تُجرى اليوم” انتصار كتلة بقيادة رئيس الوحدة الوطنية الفعلي بيني جانتس من ثلاثة إلى سبعة مقاعد. أثارت قوة جانتس إعجاب المحللين، الذين افترضوا -بعد خمسة انتخابات في أكثر من ثلاث سنوات- أن المعركة السياسية ستنخفض إلى شريحة ضيقة من الناخبين من اليمين الناعم. لكن عند أدنى مستوى لنتنياهو في إبريل/ نيسان، بدا أن سقف جانتس أعلى بكثير.
علاوة على ذلك، على الرغم من الفشل في الانتخابات السابقة، اكتسب جانتس الاحترام العام كشخصية موحدة عازمة على تجنب حرب ثقافية حول الإصلاح القضائي.
في الوقت نفسه، أدرك نتنياهو أن المسألة القضائية هي أداة سياسية لا يستطيع لمسها الآن، وأن ارتباطه بشخصيات سياسية متطرفة، مثل بن جفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير العدل ياريف ليفين -الذين يُنظر إليهم مؤخرًا على أنهم قادرون على التغلب عليه- يضعفه في نظر الجمهور الأوسع.
وبالمقارنة، فإن الصراع العسكري يربط رئيس الوزراء بقادة عسكريين أكثر براجماتية ومباشرة ويبدو أنه يعزز آفاقه السياسية.