وقعت الحكومة المصرية مذكرة تفاهم مع شركة سكاتك إيه إس إيه” النرويجية، لبدء دراسات مشروع الربط الكهربائي بغرض تصدير الطاقة المتجددة إلى أوروبا عبر إيطاليا.

وتتضمن مذكرة التفاهم بدء الدراسات تمهيداً لتنفيذ مشروع تصدير الطاقة المتجددة إلى أوروبا عبر إيطاليا باستخدام خط ربط بحري بقدرة لا تقل عن 3 جيجاوات. وهي خطوة بمثابة بداية للتوسع لاحقًا في عمليات التصدير في دول القارة العجوز.

ورغم أن الحكومة تهدف من خلال تعاقدها إلى استغلال الطاقات المتاحة لديها وتحقيق عائد دولاري جيد لموازنة الدولة، إلا أن هناك بعض الاستفسارات المتعلقة بتأثير تصدير الطاقة المتجددة على مشرعات الهيدروجين الأخضر المزمع تنفيذها -تعتمد بشكل أساسي على الطاقة النظيفة في عمليات التشغيل- وعما إذا كان إنتاج مصر من الكهرباء النظيفة يسمح بتصديرها إلى الخارج والاعتماد محليًا على تلك المولدة من الوقود الأحفوري.

موافقة إيطالية واستشاري عالمي للمشروع

من جانبها، وزارة الكهرباء كشفت عن تفاصيل مذكرة التفاهم التي تتضمن عدد من الخطوات والإجراءات، منها قيام شركة “سكاتك” بالحصول على موافقة مشغل الشبكة الإيطالي، وتعيين استشاري دولي متخصص في مشروعات الربط الكهربائي المثيلة للمشروع محل مذكرة التفاهم.

وأشارت الوزارة إلى أن جزء من نطاق عمل الاستشاري سيكون تحديد مصادر الطاقات المتجددة التي سوف يتم استخدامها لتصدير الطاقة، بالإضافة إلى كافة عناصر البنية الأساسية اللازمة لذلك، وكذا تحديد مسار الكابل البحري اللازم للمشروع والأسلوب الأفضل لتنفيذه، وذلك في إطار من الالتزام بمعايير الأداء المتعلقة بالاستدامة البيئية والاجتماعية.

وعقب الانتهاء من دراسات المشروع، واعتماد الشركة المصرية لنقل الكهرباء لها، سيتم البدء في مناقشة والاتفاق على خطوات تنفيذ المشروع بهدف تصدير الطاقة المتجددة إلى أوروبا عبر إيطاليا بالتنسيق مع مشغل شبكة النقل في إيطاليا.

وفي ضوء نتائج دراسات المشروع واعتماد مشغلي الشبكات في مصر وإيطاليا لنتائج الدراسة، ستقود شركة “سكاتك” لاحقا أنشطة تطوير المشروع وستكون مسؤولة بشكل أساسي عن الحصول على تمويل المشروع بأسعار تنافسية من مؤسسات تمويل دولية مع فترة سداد طويلة الأجل، على أن يتم ذلك بالاتفاق بين الجانبين المصري والإيطالي.

بلغ إجمالي إنتاج الكهرباء بداية 2021 نحو 55 – 58 ألف ميجاوات في وقت تراوح الاستهلاك بين 24 – 28 ألف ميجاوات خلال الشتاء

اقرأ أيضا: بعد وصولها لـ 3.5 مليار دولار.. لماذا ارتفعت قيمة واردات مصر من السولار؟

إنتاج تصاعدي بعد العجز

على صعيد إنتاج مصر من الطاقة، فخلال 6 سنوات تقريبًا شهدت مصر جهودًا مضنية لزيادة إنتاج الكهرباء، عقب أسوأ موجة انقطاع تيار متكرر ما بين 2011 و2014.

هذه الجهود بلغ معها إجمالي إنتاج الكهرباء بداية 2021 نحو 55 – 58 ألف ميجاوات. في وقت تراوح الاستهلاك بين 24 – 28 ألف ميجاوات خلال أشهر الشتاء، و30 – 32 ألف ميجاوات خلال الصيف (ذروة الاستهلاك)، وفق أحمد مهينة رئيس قطاع التخطيط الاستراتيجي بوزارة الكهرباء.

واستثمرت مصر أموالًا ضخمة في مجال الكهرباء بهدف حل مشكلتها المزمنة مع عجز الإنتاج. وكان يتراوح ما بين 2-3 جيجاوات منذ 2008، ووصل إلى 6 جيجاوات عام 2014. لذلك تبنت الحكومة خطة طوارئ قومية سعت لإضافة 3.6 جيجاوات باستثمارات 7.2 مليار دولار.

كما أسرعت في إنشاء 3 محطات توليد عملاقة للكهرباء بنظام الدورة المركبة. وذلك بقدرة إجمالية 14.4 جيجاوات. إلى جانب مشروعات للطاقة المتجددة أبرزها حقل “بنبان” للطاقة الشمسية البالغة قدراته الإجمالية 1.8 جيجاوات، وفق مهينة.

ووصل الإنتاج إلى حاجز الـ 58 ألف ميجاوات يوميًا، محققًا فائض يصل لنحو 20 : 25%. وحتى بداية 2020 تمكنت وزارة الكهرباء من إضافة أكثر من 28 ألف ميجاوات من الكهرباء عبر 27 محطة جديدة -دون حساب مجمع بنبان- وهو ما يعادل 13 ضعف ما ينتجه السد العالي في أسوان.

فائض بحاجة للاستغلال الأمثل

عقب تحقيق الاكتفاء الذاتي واستمرار مشروعات الإنتاج بات هناك عدم استغلال للطاقات الفائضة. فيقول خبير الطاقة رمضان أبو العلا لـ “مصر 360” إن المشروعات الضخمة التي نفذتها وزارة الكهرباء على مستوى توليد الكهرباء حولت الدولة من مرحلة العجز الكلي في الطاقة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، ثم تحقيق فائض جيد كان من المفترض استغلاله لتحقيق عائد دولاري للدولة بدلًا من إهداره.

ويضيف أنه لم يتم حتى الآن استغلال الفائض في إنتاج الكهرباء. إذ كانت الحكومة تبني آمالًا كبيرة على نجاح مشروع الربط مع السودان للتوسع والتوغل كهربائيًا داخل أفريقيا بتصدير الطاقة لدول وسط وجنوب القارة. لكنها لم تتمكن من ذلك بالشكل الذي كان من المفترض تحقيقه بحلول 2023.

وجاءت مشروعات توليد الكهرباء على حساب البنية التحتية لنقل الكهرباء. خاصة وأن المشروعات نُفذت في وقت قياسي لتلبية الاحتياجات الطارئة لمصر. لكنها اعتمدت على شبكات نقل قديمة غير قادرة إلا على احتواء قدرات لا تتجاوز 32 ألف ميجاوات من إجمالي الإنتاج.

يرى أبو العلا أنه كان من المفترض التوسع في تطوير شبكات النقل وإحلال شبكات جهد جديدة محل القديمة كي تكون قادرة على استيعاب الطاقات التي تستهدفها الحكومة توليدها للقضاء على العجز. وأن ما حدث كان العكس وتسبب في إهدار قدرات ضخمة. ولم تتيقن الحكومة لذلك إلا في فترة لاحقة، على حد قوله.

تصدير الطاقة المتجددة فقط يُضعف مزيج الكهرباء

ترى مصادر بوزارة الكهرباء -فضّلت عدم ذكرها- ضرورة تحفيز تجارة الكهرباء المولدة من جميع مصادر الطاقة وليس المتجددة فقط. وذلك بإنشاء شبكة موحدة تربط مصر بدول الجوار. وبما يسمح بتحقيق أقصى استفادة ممكنة من القدرات المولدة وإمكانية تصديرها لأقصى نقطة.

وأكدت أن تصدير الطاقة المتجددة فقط لدول الجوار سيتسبب في أزمة على مستوى تنويع مصادر الطاقة المستهلكة محليًا. فمزيج الطاقة بالسوق لابد أن يتضمن مختلف مصادر التوليد “أحفوري، متجددة، مائية”.

وتشير المصادر إلى أن احتياطي القدرات الكهربائية الحالي يعطي صورة إيجابية للاستثمار في مصر. خاصة أن أي مستثمر أو مصنع سيطلب الكهرباء سيتم توصيلها إليه على الفور. وبالتالي لابد من التوسع في إنشاء المناطق الصناعية وإمدادها بفائض الكهرباء لاستغلال القدرات المهدرة وتحقيق عائد دولاري جيد للموازنة العامة للدولة.

وتضيف أن مصر تستطيع استغلال فائض الإنتاج في تطوير المحطات القديمة ذات الاستهلاك العالي في الوقود. ما يدعم قدرة الدولة على التحول إلى مركز إقليمي لتصدير الطاقة الكهربائية للدول المجاورة.

وتوضح أن القطاع يعمل الآن على تقوية شبكة نقل وتوزيع الكهرباء في ضوء قدرات الإنتاج المتوقع إضافتها في السنوات المقبلة. وكذلك زيادة استخدام الطاقة المتجددة. الأمر الذي يتطلب شبكة كهربائية ضخمة ومرنة على كل الجهود، لمنع تفاقم الكهرباء المهدرة.

حماية محطات الهيدروجين الأخضر من التأثر بتصدير الطاقة النظيفة سيحتاج إلى بذل مزيد من الجهد على صعيد إنشاء محطات طاقة نظيفة

اقرأ أيضا: كيف يؤثر قرار وقف الصيد بالبحر الأحمر على سوق الأسماك في 2023؟

هل تتأثر مشروعات الهيدروجين؟

تابع أحد المصادر، في حديثه لـ “مصر 360” بأن وزارة الكهرباء قامت بإنتاج كميات كبيرة من المصادر المتجددة والتي تم ربطها بالشبكة القومية للكهرباء وبالتالي أي محاولة لاستغلال فائض الكهرباء لابد أن يكون على مستوى جميع مصادر الطاقة وليس النظيفة فقط؛ وذلك حفاظًا على المشروعات المزمع تنفيذها والتي ستحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة النظيفة.

وأشار إلى أن محطات الهيدروجين الأخضر تعتبر واحدة من تلك المشروعات التي قد تتأثر سلبًا بتصدير الكهرباء النظيفة. باعتبار أنها تعتمد في الأساس على الطاقة المولدة من الشمس والرياح فقط ولا تعمل بتلك المولدة من المصادر الأحفورية.

وشرح أن حماية محطات الهيدروجين الأخضر من التأثر بتصدير الطاقة النظيفة سيحتاج إلى بذل مزيد من الجهد على صعيد إنشاء محطات طاقة نظيفة مرافقة لمحطات الهيدروجين لكن ذلك سيحتاج إلى مزيد من الاستثمارات والتمويلات للمحطات.

هل الإنتاج يسمح بالتصدير؟

خلال الربع الثالث من العام المالي (2022-2023)، ارتفع إنتاج مصر من الطاقة المتجددة، بنسبة 12.5% -وفق تقرير صادر عن هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة-، ومع ذلك لا تزال مساهمة مشروعات الطاقة المتجددة -بشكل عام- في إجمالي قدرات الطاقة المتجددة في مصر صغيرة حيث بلغت أقل بقليل من 6.1 جيجاوات بنهاية عام 2022.

أما بخصوص الطاقة الكهرومائية في الربع الثالث من العام الجاري فقد شهد إنتاجها ارتفعًا بنسبة 9%، مقارنة مع العام الماضي، في حين ارتفع إنتاج طاقتي الشمس والرياح بنحو 12.5%، كما تمكنت مصر من توليد نحو 22 جيجاواط/ساعة، من مشروعات الوقود الحيوي.

وأسهم ارتفاع إنتاج الطاقة المتجددة في مصر، بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو مليونين و304 أطنان، بالإضافة إلى توفير الوقود، بكميات بلغت 909 آلاف طن من النفط المكافئ، بما يدعم توجّه الدولة لمكافحة تبعات تغير المناخ.

وعلق رمضان أبو العلا، أن الدولة لاتزال في مرحلة التوسع في المصادر النظيفة ومشروعات الاقتصاد الأخضر. وبالتالي حجم الإنتاج الحالي بحاجة إلى مضاعفته قبل التفكير في تصديره إلى الخارج. كي تستفيد السوق بمزيد من مصادر الطاقة النظيفة.