لماذا تقدمت دول آسيا بينما لم تحقق دول إفريقيا تقدمًا ملحوظًا على الصعيد الاقتصادي؟، رغم أن هناك تشابهًا فيما يتعلق بالتنوع العرقي وإرث الاستعمار وارتفاع عدد السكان.

هذا السؤال تناقشه نوسموت جيبادموسي كاتبة موجز إفريقيا الأسبوعي لمجلة “فورين بوليسي” في مقال تحليلي، عنونته بـ” أزمة المقارنة بين إفريقيا وآسيا”، وركزت فيه على إشكالية المفارقة الاقتصادية بين آسيا وإفريقيا.

تشير الكاتبة إلى أعباء الديون والسياسات الديمقراطية الهشة في تعقيد مسار إفريقيا نحو التنمية، في مقابل التنمية التي حدثت في بعض بلدان آسيا. وتتناول، أيضًا، أوجه التشابه والاختلاف بين القارتين، والوقوف على الأسباب التي عرقلت تحقيق النهضة الاقتصادية في القارة الإفريقية.

الفساد والرقابة

تقول الكاتبة، إنه على الرغم من توافر العديد من مقومات النجاح الاقتصادي في إفريقيا، لكنها تواجه بعض التحديات التي لم تمكنها من الاصطفاف في مسار الدول المتقدمة، منها الفساد، فبحسب المقال، أشار الكاتب نيكولاس كريستوف، إلى أن البلدان الإفريقية تعتبر أكثر فسادًا من نظيراتها الآسيوية.

وفى السياق كشف مؤشر الشفافية لعام 2022، تآكل المسارات المتشابكة للديمقراطية والأمن والتنمية في إفريقيا، ولايزال هناك 44 دولة إفريقية تقييمها أقل من 50 درجة على المؤشر، في مقابل دول آسيوية  أثبتت أنه يمكن تجاوز ذلك العامل وتحقيق صعود اقتصادي مثل تايلاند وإندونيسيا. 

وبجانب الفساد، هناك ضعف في الرقابة، تعاني الدولة الإفريقية من وجود أنظمة مترهلة لا تخضع للمساءلة، دومًا ما تتعرض قوافل المساعدات للسلب والنهب سواء من قبل حكومات أو مافيا الطرق.

إرث الاستعمار

تطرقت الكاتبة إلى التاريخ الاستعماري الذي عانت منه غالبية الدول الإفريقية، وكيف أثر على ثروات الدول لصالح المستعمرين؟ 

في مقابل ذلك، فإن نوح سميث في افتتاحية بلومبرج تحت عنوان “ما تحتاجه إفريقيا الآن هو سنغافورة الخاصة بها” في عام 2020، أشار إلى أن دول جنوب شرق آسيا كان لديها إرث مماثل من الاستعمار الأوروبي، وتدمر جزء كبير منها بسلسلة من الحروب والصراعات الداخلية في منتصف القرن العشرين، ولكن في عام 2010، تسارع النمو في جميع أنحاء المنطقة”.

في حين أن هناك تحدي خاص في الدول الإفريقية التي عانت الاحتلال الفرنسي مثل، مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر وبوركينا فاسو، وبقية البلدان التي تستخدم عملة الفرنك، إذ خلقت العلاقة الاستعمارية الجديدة لإفريقيا الفرنكوفونية مع فرنسا قضايا هيكلية مختلفة تمامًا عن الدول الآسيوية، ولم يسمح للدول الإفريقية بالوكالة والمرونة للسيطرة على شؤونها.

خلقت العلاقة الاستعمارية لإفريقيا الفرنكوفونية مع فرنسا قضايا هيكلية مختلفة تمامًا عن الدول الآسيوية

اقرأ أيضا: خاص| الإنهاك يفتح المجال للتفاوض وعودة العملية السياسية ممكنة.. خبراء السودان يرسمون سيناريوهات الصراع المحتملة

عدد السكان

بالإشارة إلى عدد السكان ومستوى الفقر وحجم الديون، يبلغ عدد سكان آسيا الحالي 4,754,555,213 مليار نسمة، ويعاني عدد كبير من السكان من فقر مدقع، ومستويات عالية من الفساد. لكن مع ذلك، على مدار 20 عامًا، فقد حققت الصين ثورة اقتصادية هائلة.

تعتبر منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة، التي تأسست شمال هونج كونج في عام 1980، نقطة جاذبة للاستثمارات الأجنبية التي تزيد قيمتها اليوم عن 30 مليار دولار. 

وعلى الرغم من الفارق الهائل بين الصين والدول الإفريقية، إلا أن بعض الآراء تتجه نحو ضرورة محاكاة التجربة الصينية، وفي وقت سابق من هذا العام، قال هوارد دبليو فرينش، في مجلة فورين بوليسي إنه على الحكومة النيجيرية محاكاة إصلاحات الصين بعد الثمانينيات من أجل معالجة عدد لا يحصى من المشكلات الاقتصادية المتعلقة بالنظام والإدارة.

إثيوبيا والمغرب 

وفي إشارة إلى بعض النماذج الناجحة اقتصاديًا في القارة، على سبيل المثال، استثمرت إثيوبيا في الفرص الاقتصادية التي أتاحها برنامج التجارة التفضيلية الأمريكية، وقانون النمو والفرص في إفريقيا (آغوا)، وتطوير مناطق اقتصادية خاصة؛ لجذب مصنعي الملابس من إسبانيا والصين والولايات المتحدة، ويذهب حوالي ثلثي صادرات الملابس الإثيوبية إلى الولايات المتحدة.

كما دشنت المغرب مسارها الخاص، حيث ركزت على مشاريع الطاقة المتجددة، مما أدى إلى زيادة تدفقات الاستثمار الخاص، مثل مجمع نور ورزازات، أكبر مزرعة للطاقة الشمسية المركزة في العالم.

 ومنذ 2018، تجاوز المغرب جنوب إفريقيا كأكبر مصدر إفريقي للسيارات، وبلغت صادراتها نحو 464864 سيارة بقيمة 11 مليار دولار عام 2022.

بينما تقوم نيجيريا على مجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية، حيث سعت إلى تنويع اقتصادها والخروج عن إطار الاقتصاد الريعي القائم على استخراج الموارد.

وفي عام 2001، افتتحت نيجيريا أول منطقة تجارة حرة لها، شمال ميناء كالابار في ولاية كروس ريفر، لكنها لم تستطع جذب مستوى الاستثمار المطلوب للتصدير، ومنذ عام 2011، انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى نيجيريا من 8.8 مليار دولار إلى 3.3 مليار دولار فقط في عام 2021.

صناعة السينما

كما تحوز صناعة السينما والموسيقى(نوليوود)  على الجانب الأكبر من الصادرات غير النفطية لنيجيريا، باعتبارها ثاني أكبر منتج للأفلام في العالم بقيمة مالية بلغت 6.4 مليار دولار في عام 2021، وتساهم بنسبة 2.3% في الناتج المحلي الإجمالي لنيجيريا بأكثر من 2500 فيلم يتم إنتاجه سنويًا.

وعلى الرغم من أن نيجيريا من الاقتصادات الطموحة في القارة، ولكن يواجهها العديد من التحديات، على سبيل المثال، خطاب الكراهية المناهض للأجانب، والجماعات الدينية المتطرفة والتي لها نفوذ سياسي|، وقدرة على التأثير في الأنشطة الاقتصادية، كما تبين في موقف الزعماء الدينيين العنيف ضد صناعة السينما مما أوقف مشروع بقيمة مليون دولار من استثمارات الحكومة الفيدرالية.

المجموعات العرقية

أدت الأزمة الأمنية وانتشار العصابات الإجرامية في نيجيريا إلى ندرة المستثمرين الأجانب في البلاد، وأيضًا، تأثر الاستثمار بالانقسامات العرقية والدينية والثقافية، حيث يوجد في نيجيريا أكثر من 250 مجموعة عرقية.

لكن، وفي مقابل ذلك، فإن الصين التي تمثل مجتمعًا متعدد العرقيات يتألف من حوالي 56 جماعة عرقية، استطاعت تحقيق التنمية. وتمكنت سنغافورة التي ينتمي 97% من سكانها إلى 3 مجموعات عرقية، الصينية والماليزية والهندية، من منع الانقسامات العرقية من خلال نظام الكوتا العرقية الإلزامي، والذي يمكن أن تحاكيه نيجيريا.

وفي التحليل، يقول إبينيز أوباداري، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية (CFR)، إن التنمية يمكن أن تكون من أعلى إلى أسفل. أي “إنها بحاجة إلى سلطوية ناعمة”، كما هو الحال في التجارب الآسيوية، ولكن تحتاج إلى العديد من الضمانات بحيث لا ينتهي الأمر بسيطرة النظام على الاقتصاد بشكل كامل، وتعريض الحقوق السياسية والاجتماعية للمواطنين إلى الخطر.