تباينت آراء اعضاء مجلس النواب ما بين الموافقة والرفض علي التقرير العام للحساب الختامي للعام المالي 2021/2022 أثناء الجلسة العامة الثلاثاء 9 مايو الجاري، موجهين انتقادات واسعة للحكومة، بسبب ارتفاع خدمة الدين العام ليصل إلى 7 تريليونات جنيه، في ظل غياب خطة واضحة للسداد من قبل الحكومة، وورود ملاحظات من الجهاز المركزي للمحاسبات والمجلس بعدم الاستفادة من القروض واستغلالها بالشكل الأمثل، وبحسب ما نشره موقع جريدة المال بتاريخ 9 / 5 / 2023 أنه كان هناك اعتراضات كثيرة من نواب  بعض الأحزاب خلال عرض موضوع القرض الأخير.

وبنظرة متأنية على دور مجلس النواب حيال القروض وما تعقده الحكومة منها في ظل تردي الحالة الاقتصادية المصرية، وارتفاع نسبة الدين العام، سواء الخارجي أو الداخلي، فالأمر يتطلب من البداية أن نستوضح الموقف الدستوري من القروض، وحدود دور السلطة التنفيذية، وكذلك حدود دور السلطة التشريعية في هذا الأمر.

الأصل العام في الموضوع هو ما جاء النص عليه في المادة رقم 101 من الدستور بنصها على أنه ” يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله علي النحو المبين في الدستور”. وهو ما يعني أن لمجلس النواب السلطة الرقابية على أعمال السلطة التنفيذية وتصرفاتها كافة، وهو ما يعني أن له السلطة في منع السلطة التنفيذية من إتيان تصرف بعينه، ترى فيه سلطة البرلمان أنه يضر بالوطن، أو لا يتناسب مع احتياجاته، وهو الأمر الذي يتماشى ويتفق بشكل طبيعي مع نص المادة 127 من الدستور حين نصها على أنه “لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول علي تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب”.

وعلى الرغم من وضوح النصين سالفي الذكر، إلا أننا خلال دورتين نيابيتين لم نقرأ عن رفض مجلس النواب لاتفاقية بقرض عقدتها السلطة التنفيذية، بل أنها قد أقرتها جميعها، وكأن سلطتها تقف عند هذا الحد فقط، أو أنها لا ترغب في إزعاج ما تقوم به السلطة التنفيذية، إن لم نقل بأن الأمر قد انقلب وتغيرت القاعدة، بأن باتت سلطة البرلمان منحصرة في إقرار تصرفات السلطة التنفيذية، على الرغم من أن كل هذه القروض قد باتت ذات تأثير واضح على المال العام والثروات الطبيعية المصرية، بل على تصرفات السلطة المصرية في شكلها المطلق، وبات الشعب في غالبيته يعاني الفقر الأمَر.

وإذا كانت سلطة رئيس الدولة الدستورية في هذا الأمر ووفقا لنص المادة 151 من الدستور في فقرتها الأولى عن حد أن ” يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور”. إلا أنه الملاحظ أن تقوم السلطة التنفيذية في عقد مثل هذه الاتفاقيات وكأنها صاحبة القرار الأول والأخير في إتيانها تلك التصرفات، مؤمنة بأن هناك موافقة لن تتأخر من مجلس النواب عن كل ما تبرمه السلطة التنفيذية من اتفاقيات بقروض، على الرغم من كل هذه التصرفات يجب أن تتفق بشكل أساسي ولا تخالف ما جاء بنص المادة 27 من الدستور حين قالت أنه “يهدف النظام الاقتصادي إلي تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوي المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء علي الفقر”.

وهو ما يعني أنه يجب أن تكون تصرفات الحكومة في جميع الأمور متوجه إلى تحقيق الرخاء العام لعموم المصريين، وليس لإثقال الاقتصاد بالمزيد من الديون والاخفاقات بما يؤثر على الممتلكات العامة بشكل عام، ويؤثر على الحياة لعموم المصريين ويزيد من حدة الفقر والاحتياج، وهو الأمر الذي بدا ظاهراً بشكل لا يخفى على أحد.

والحل الذي أراه بشكل قانوني ودستوري أن يتم تعديل الدستور بما يضمن عدم قيام السلطة التنفيذية بعقد أية قروض أو اتفاقيات تزيد من الأعباء المالية على الدولة المصرية، إلا بعد أن يقول مجلس النواب كلمته بشأن ما ترتجيه الحكومة من تصرفات، وهو ما يعني أن تكون هناك رقابة قبلية على تصرفات السلطة التنفيذية، وليست رقابة بعدية، بما يمنع على السلطة التنفيذية أن تأتي تصرفاً بعقد اتفاقية قروض، إلا بعد حصولها على موافقة من مجلس النواب.

وإن كنت أرى على المستوى العام أنه ما من دولة اتجهت إلى صندوق النقد الدولي او البنك الدولي، إلا وزادت عندها حدة الفقر والاحتياج، وباتت سياستها الداخلية رهينة بما تمليه إدارة الصندوق من شروط يجب تحقيقها، وهو ما يعني أن الأمور السياسية الداخلية، لم تعد بالإرادة المصرية الحرة خالصة، بل باتت رهينة لما ينتويه الصندوق للدول المقترضة، وهناك العديد من الأمثلة على المستوى الدولي، ولعل فيما جرى مع اليونان خير مثال لما أقوله، كما أن هناك العديد من الدول التي رفضت التعامل مع قروض الصندوق واعتمدت على الإرادة الداخلية، منعا لما تمليه إدارة الصندوق من اشتراطات على الدولة المقترضة، فمثلاً في عام 1980، خصص صندوق النقد الدولي 150 مليون دولار للصومال، إلا أن محاولات تطبيق توصيات المنظمة في الحياة الاقتصادية الداخلية للبلاد أدت إلى انهيار الاقتصاد نفسه، ثم الدولة بأكملها، كما أن تجربة السودان مع صندوق النقد الدولي هي الأخرى محزنة، حيث حصلت الخرطوم على 260 مليون دولار لإجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد في عام 1982 . كما أن البرازيل على سبيل المثال، مع بداية الثمانينيات، اقترضت من الصندوق، وبالفعل نفذت شروطه، اعتقاداً في الوصول إلى حل لأزمتها الاقتصادية، ولكن ما لم يكن بالحسبان هو أن هذه الشروط أدت إلى تسريح ملايين العمال، وخفض أجور باقي العاملين، بخلاف إلغاء دعم طلاب المدارس. ووصل الأمر إلى تدخل دول أخرى في السياسات الداخلية للبرازيل، وفرض البنك الدولي على الدولة أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد، تسببت في اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية.

وهذه مجرد أمثلة جرت معها العديد من الدول إلى مستنقع من التخلف الاقتصادي والتبعية لسياسة الصندوق، وهو ما لم يعد على أهل تلك الدول بأي خير.