في خضم الإعلان عن الحوافز الجديدة للاستثمار بمصر، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، فتح تملك العقارات للأجنبي دون حد أقصى، مع ضوابط سيتم إقرارها لاحقًا، في خطوة تستهدف في المقام الأول تحقيق تنشيط تصدير العقار المصري وتعزيز الموارد الدولارية.
تشير تقديرات مطوري العقار إلى أن السوق العقارية المصرية قادرة على جذب ما بين 18 و20 مليار دولارا سنويًا، من تصدير العقارات مقابل نصف مليار فقط حاليًا. وهو رقم ضئيل حال مقارنته بالنسبة التي تسجلها دول الشرق الأوسط، وتصل إلى 70 مليار دولار من أصل 300 مليار دولار تمثل حجم السوق العالمية.
تأتي الخطوة الحكومية أيضًا بعد شهور من قرار مجلس الوزراء منح الجنسية مقابل شراء عقار بمبلغ لا يقل عن 300 ألف دولار، أو إيداع مبلغ 500 ألف دولار، كوديعة يتم استردادها بعد مرور 3 سنوات، بسعر الصرف المعلن وقت الاسترداد، ودون فوائد.
ومن المقرر أن تجري وزارة العدل تعديلات تشريعية على القانون رقم 260 لسنة 1996، الذي ينظم تملك غير المصريين للعقارات المبنية، والأراضي الفضاء الذي يتيح لشخص أجنبي هو وأسرته امتلاك عقارين كحد أقصى، بشرط ألا تتعدى مساحة الواحد منها 4 آلاف متر (العقار بالحديقة والمباني المرفقة به).
ويشترط القانون الحالي، أيضًا، في العقار الذي يسمح للأجانب بتملكه، ألا يكون أثريًا أو مسجلًا ضمن التراث العالمي، وأن تكون الملكية بغرض السكن باستثناء العقارات التابعة لحكومة أجنبية، كمقر لبعثتها الدبلوماسية أو القنصلية بشرط المعاملة بالمثل.
كما يحظر على الأجانب التصرف في العقار بأي وسيلة لنقل الملكية، قبل مضي 5 سنوات من تاريخ اكتسابها إلا باستثناءً وزاري، وحال وقوعه يعد باطلًا، ولا يعتد به ولا يجوز شهره، ويجوز لكل ذي شأن وللنيابة العامة طلب الحكم بهذا البطلان، وعلى المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها.
الحالي يمنع الميراث
ويضع القانون المصري الحالي نصًا يوضح طبيعة التملك للأجانب فيجعله الملكية التامة وملكية الرقبة وحقوق الانتفاع، لكنه جعل تملك الأجانب سواء أكانوا أشخاصا طبيعيين أم اعتباريين (شركات) للعقارات المبنية أو الأراضى الفضاء أياً كان سبب اكتساب الملكية، عدا الميراث، أما حق الرقبة يعني أحقية التصرف فيها بالبيع والهبة وغيرها من تصرف المالك في ملكه.
كما ألزم القانون الأجنبي حال اكتساب ملكية أرض خالية “فضاء”، أن يبدأ البناء عليها خلال مدة لا تتجاوز السنوات الخمس التالية لشهر تصرفه، فإذا انقضت المدة دون البدء زيدت مدة الحظر من التصرف فيه (خمس سنوات) مدة مساوية للتأخر ، وجعل القانون تملك العقار بالمناطق السياحية شروطا وقواعد خاصة يضعها مجلس الوزراء.
التعديلات.. بنود ضئيلة
هذا القرار لاقى جدلًا كبيرًا في ظل إبداء كثيرين مخاوفهم من توسع ملكية الأجانب ببعض المدن، وتمكنهم من شراء العقار في مصر، وطالب كثيرون بوضع ضوابط فقط تتعلق بالجنسية لتمنع تطبيقه على بعض الدول، أو وضع حد أقصى لإجمالي ممتلكات الأجانب في مدينة واحدة.
لكن مصدر بمجلس الوزراء قال، إن القرار الحكومي يراعي جميع المخاوف، ضاربًا المثل على قرار التأشيرة الفورية الذي استثنى جنسيات بعينها من دخول مصر مباشرة، وقصر عليها جنوب سيناء فقط.، مضيفا أن تسهيل تملك العقار من شأنه تحقيق عائد دولاري كبير في ظل وجود تنمية عمرانية غير مسبوقة بمصر حاليًا.
وأضاف المصدر، لـ”مصر 360″، أن التعديلات المتوقعة على القانون ستكون محدودة، وأهمها إتاحة تملك أكثر من عقار مع بقاء باقي الاشتراطات.
وأوضح المصدر، أن القرار لا يحتاج إلى الجدل الكبير الذي أثير بشأنه، وهو مطلب منذ عقود لشركات التطوير العقاري، وكل الجهات الراغبة في تنشيط تصدير العقار في مصر، كما تعمل به العديد من الدول الأجنبية والعربية، التي لديها باع طويل في تصدير العقار.
تجارب أجنبية سابقة
تركيا واحدة من الدول المشهورة بتصدير العقار للخارج، تسمح للأجانب بتملك 30 هكتارا بحد أقصى، والهكتار ما يعادل 300 ألف متر مربع على مستوى البلاد بوجه عام، إلى جانب وضع حد أقصى لإجمالي مشتريات الأجانب في منطقة، أو بلدة واحدة؛ لتكون بحد أقصى 10% من مجموع الأراضي في هذه المنطقة أو البلدة.
وبينما تتيح تركيا توريث ملكية العقار من الأجنبي بشكل تلقائي للزوج أو الزوجة أو الأبناء، فإن الإمارات التي لديها باع طويل أيضًا في مجال تصدير العقار تبقي على معايير أشد انضباطًا فيما يتعلق بملكية الأجانب، ففي أبو ظبي يجوز تملُّك العقارات على شكل شقق فقط وليس الأراضي التي تُقام عليها.
وتضع أبو ظبي ثلاثة نماذج لملكية الأجانب، أولها “سندات” تضمن ملكية الشقة دون الأرض لمدة 99 سنة، وتمنحهم حق التصرف الكامل في الشقق والفيلات التي يشترونها من دون الأرض، والثاني “المساطحة”، وهي عقود لمدة 50 عامًا قابلة للتجديد باتفاق الطرفين لمدة مماثلة، ولديه القدرة على تغيير البناء، والثالث هو “الانتفاع”، يشبه النموذج الأول لكن مع حق الاستمتاع باستخدام العقار ومرافقه دون القدرة على تغييره.
اقرأ أيضًا: تصدير العقار.. لماذا يفضل الروس والأوربيون تركيا ودبي على منتجعات مصر الفاخرة؟
في دبي توجد عقارات للتملك الحر بملكية كاملة لكل الوحدة والأرض التي بنيت عليها، لكن في 47 حيًا فقط، أما الباقي فيوجد له نظام آخر بملكية 99 عامًا فقطـ، كما يمكن لغير المقيمين الحصول على قروض عقارية من العديد من البنوك الإماراتية، التي تقدم قروضًا لذلك الغرض.
وفي بريطانيا زادت نسبة تملك الأجانب 50% في السنوات العشر الأخيرة، وهي تتيح الملكية الكاملة للأفراد، لكنها تدخلت أخيرًا؛ لتنظيم عمليات الشراء بأسماء مخفية عبر صناديق “أوفشور (فيما وراء البحار)” التي سجلت 58.3 ألف عقار خلال عقد واحد، وذلك خوفًا من مشتريات الروس الذين هربوا من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
فرصة لتعويض ارتفاع التكاليف
أظهرت الحرب “الروسية – الأوركرانية” غياب جاذبية العقار المصري للخارج، فالروس احتلوا المركز الأول في شراء العقارات بتركيا خلال 2022، بعدما اشتروا 16312 عقارًا، بحسب هيئة الإحصاء التركية، بينما أصبحت دبي الملاذ الآمن الأول للروس أيضًا، لتسجل أكثر من 86 ألف صفقة بيع العام الماضي بقيمة 56.6 مليار دولار، بحسب تقرير صادر عن شركة العقارات “بيتر هومز”.
لكن المهندس طارق شكري، رئيس غرفة التطوير العقاري، يتوقع أن تسفر القرارات الحكومية الجديدة عن تحقيق نشاط تصدير عقار مبلغ يتراوح بين 3 و5 مليارات دولار العام المقبل، حال تيسير عملية استخراج التراخيص والأوراق المطلوبة كمصدر للعملة الصعبة.
يعطي انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار العقار المصري جاذبية، إذ يجعله ضمن الأرخص في المنطقة؛ فـ 100 ألف دولار فقط تُمكن حاملها من شراء فيلا فاخرة بأي منتجع مصري، لكن العقارات المصرية تفتقر للتسويق خارجيًا في ظل الفهم الخاطئ لفكرة التصدير، وتركيز المعارض اهتمامها على المصريين بالخارج.
وبحسب شكري، فإن قرار مجلس الوزراء يعطي دفعة للسوق العقاري، ويأتي في وقت تعاني فيها الشركات العقارية المحلية من ارتفاع تكاليف البناء بشكل كبير، علاوة على تغير سعر الصرف الذي كبد المطورين أعباء ضخمة.
ويشكو المطورون منذ شهور من ارتفاع أسعار تكاليف البناء بعد وصول طن الحديد تسليم مصنع إلى 32 ألف جنيه، علاوة على الإسمنت ليقترب من ألفي جنيه، وذلك إلى جانب ارتفاع أسعار الأراضي والفائدة البنكية، فضلًا عن عجزهم في الوقت ذاته عن تمرير تلك الزيادات للزبائن في ظل تراجع القوى الشرائية وتسجيل التضخم مستوى يتجاوز 30%.
اقرأ أيضًا: “بعد لعبة الدولار وخفض الجنيه”.. التعويم يوسع دائرة الفقر ويفاقم الأزمة الاقتصادية
لكن، رغم الإغراء الذي تقدمه قرارات مجلس الوزراء، تحتاج السوق العقارية إلى ضوابط؛ لحل مشاكله في مقدمتها تسجيل الوحدات السكنية، والاعتماد على العقود الابتدائية غير الموثقة في البيع، التي لا يقبل بها أي مشتري أجنبي، وتثير لديه مخاوف من إمكانية تعرضه للنصب.
المهندس فتح الله فوزي، رئيس لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال وصاحب شركة عقارات، يشير إلى نقطة أخرى فـ 90% من الوحدات المباعة بالسوق العقارية المحلية “نصف تشطيب”، وهو أمر لا يرضى به المستثمر الأجنبي الذي يريد وحدة كاملة التشطيب والمرافق.
يلفت فوزي أيضاً، إلى غياب شركات إدارة المشروعات التي تتولى إجراء الصيانة، والإدارة للوحدات السكنية المباعة على مدى العام، خاصة أن قطاعا من الأجانب يشتري الوحدة للإقامة المؤقتة فقط، كفترات الصيف أو الإجازات وليس الاستقرار الكامل.
بحسب خبراء، فإن التعديلات الأخيرة تعزز إيرادات الدولة أيضا من الضريبة العقارية، التي تستهدف وزارة المالية تحقيق حصيلة منها بنحو 7.7 مليار جنيه في المالي الجديد 2023/2024، ما يمثل نحو 0.1% من الناتج المحلى الإجمالي.
في بريطانيا، تفرض الحكومة على مواطنيها دفع نحو 3.5% من قيمة العقار عند شرائه كضريبة دمغة عقارية، أما الأجنبي فترتفع الضريبة عليه إلى 12% على الوحدات الفاخرة، بينما تدفع شركات “الأوفشور” التي تشتري لأشخاص غير معروفين، نسبة 15% كضريبة دمغة عقارية للعقار الذي تزيد قيمته على 657 ألف دولار.
لكن المصدر الحكومي يقول، إن الضوابط التي يحددها مجلس الوزراء لن تتضمن تمييزًا ضريبيًا بين المصريين والأجانب وسينطبق عليهم الشروط نفسها فيما يتعلق بالضريبة العقارية.