ناقش مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، هذا الشهر، سجل الإمارات في مجال حقوق الإنسان، ضمن دورة الانعقاد رقم (43)، حيث شهد هذا الملف انتقادات واسعة فيما يخص القمع والاحتجاز والسجن والتعذيب، في وقت كثفت فيه الإمارات من دعايتها حول تحسن حالة حقوق الإنسان لديها. ويعتبر هذا الاستعراض للسجل الإماراتي في هذا الخصوص هو الرابع بالنسبة للمجلس.
الاستعراض الأول للإمارات جرى خلال ديسمبر/كانون أول 2008، بينما جرى الثاني والثالث خلال يناير/كانون الثاني 2013 و2018، على التوالي. وقبل الاستعراض الرابع بأيام، كشفت ماري لاولور المقررة الأممية الخاصة بالمدافعين عن حقوق الإنسان، أنها أرسلت خلال السنوات الأربع الأخيرة، ثمانية بلاغات إلى السلطات الإماراتية بشأن حالة المدافعين عن حقوق الإنسان.
اقرأ أيضًا: محمد بن زايد: رحلة التربع على عرش الإمارات
طالبت الخبيرة الأممية السلطات الإماراتية بتعديل قانون مكافحة الجرائم الإرهابية، والإفراج عن الحقوقيين الذين أنهوا مدة عقوبتهم، وإنهاء المعاملة السيئة أثناء احتجازهم.
وفي ذات السياق، أصدرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” بيانًا يوم 12 مايو/أيار الجاري، انتقدت فيه استمرار الإمارات في سجن من قضوا عقوبتهم، وانتقد البيان “قانون مكافحة الجرائم الإرهابية”، ووصفه بالقمعي، حيث يسمح بالاحتجاز إلى أجل غير مسمى. بينما عبّر مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، يوم 18 مايو الجاري، عن قلقه من تعرض رجل الأعمال الإماراتي المعتقل خلف الرميثي من سوء المعاملة، ودعا المكتب إلى ضمان الاحترام الكامل لحقوقه.
وبحسب منظمات حقوقية محلية ودولية، لدى أبو ظبي سجل مروّع من انتهاكات حقوق الإنسان وتجاوزات مقلقة للغاية، وهو ما يتعارض مع مبادئ العدالة والإنصاف وحماية حقوق الإنسان، ويشمل ذلك ملاحقات لمعارضين بتهم الإرهاب وتضييق على حرية الرأي، واستمرار أعمال السجن رغم انقضاء العقوبة، وانتهاك لحقوق الوافدين والمهاجرين، وهي قضايا لا تزال تحظى باهتمام كبير.
فعاليات الاستعراض
شمل الاستعراض الأخير، مناقشة ثلاثة تقارير، أولها، يشمل المعلومات التي تقدمها الدولة قيد المراجعة ويسمى بالتقرير الوطني، والثاني، تقرير الخبراء وهيئات الأمم المتحدة، والذي يشار إليه بتقرير الإجراءات الخاصة، أما الأخير، فهو يشمل المعلومات المقدمة من أصحاب المصلحة، بما في ذلك تقارير منظمات حقوق الإنسان الإقليمية وجماعات المجتمع المدني.
التقرير الوطني
ناقش التقرير الوطني الخطوات التي اتخذتها الإمارات؛ لتنفيذ توصيات المراجعات الثلاثة السابقة، وعرضت “شما المزروعي” وزيرة تنمية المجتمع، رئيسة وفد الإمارات حالة حقوق الإنسان في بلدها،. وشمل التقرير الحكومي الذي قدمته الحكومة وجاء في 24 صفحة، عدة عناوين بارزة، تناولت التطور في القوانين والسياسات والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وقضايا المرأة والفئات الأولى بالرعاية، وركز التقرير الذي أعدته اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (تأسست عام 2019) على ملفات التنمية والمرأة.
وختم التقرير الحكومي المقدم في جلسة الاستعراض، بتأكيد الإمارات على مواصلة جهودها؛ لتعزيز وتطوير ملفها في مجال حقوق الإنسان، بما فيها تشريعاتها وقوانينها الوطنية والتزاماتها الدولية. وفي كلمتها، ركزت “المزروعي” على “إنجازات الإمارات في مجال حقوق الإنسان“، بينما همشت الحقوق والحريات المدنية والسياسية التي تعد جوهر عملية الاستعراض الشامل، ووعدت بمراجعة بلادها لبعض قوانين الصحافة والنشر.
ملاحظات الوفود
خلال جلسة استمرت 3 ساعات، جرى مناقشة السجل الحقوقي للإمارات، تعرضت أبو ظبي إلى سلسلة انتقادات تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، خاصة في قضايا الحريات والمهاجرين. وناقش التقرير مقررو الجلسة الثلاثة الذين يمثلون ثلاث دول (المغرب وفيتنام وبلجيكا) بجانب ممثلي الدول الأعضاء في المجلس، ومنظمات حقوقية قدم بعضها تقارير مشتركة خلال الاستعراض.
اقرأ أيضًا: ورقة “دام”.. كيف تنتهك الإمارات حقوق العمال والمدافعين عنها؟
وجهت بعض الوفود عدة توصيات ومطالبات، منها ضرورة إطلاق سراح معتقلي الرأي.، كما جاء في توصية الوفد الأمريكي والهولندي، وإيقاف استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، وتعديل البنية التشريعية القمعية بما فيها قانون مكافحة الجرائم الإرهابية، الذي جاء ضمن توصية وفدي سويسرا ونيوزلندا، اللتين طالبتا بوقف استخدام قانون الإرهاب ضد المعارضة ضمن قاعدة استقلال القضاء.
أما إيطاليا، أوصى وفدها بحظر الاحتجاز السري، واتخاذ تدابير وقائية ضد التعذيب وسوء المعاملة، إضافة إلى تعزيز دعم جهود حرية التعبير، وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان وهو ما كان، أيضًا، محل اهتمام وفدي بلجيكا وإيرلندا.
تقرير المجلس
مع نهاية أعمال الاستعراض الدوري الشامل، صدرت عدة توصيات تم توجيهها للإمارات، ركزت على تصديق الإمارات على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وإلغاء التحفظات على اتفاقية السيداو، وضمان حقوق المواطنة بما فيها نقل جنسية الإماراتية المتزوجة من أجنبي إلى أبنائها، وفيما يخص التشريعات طالبت عدة منظمات بتعديل قانون الإرهاب، وإصلاح قانون الهجرة والعمل.
وبداية مايو الجاري، طالبت 40 منظمة حقوقية السلطات الإماراتية بالإفراج عن المحتجزين تعسفياً؛ بسبب ممارستهم لحقهم بالتعبير، وكان بين الموقعين على العريضة مركز مناصرة معتقلي الإمارات و ”هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية.
وسبق وقدمت منظمة العفو الدولية ضمن الاستعراض مذكرة حول انتهاكات مثيرة للقلق شملت السجن المستمر، والاحتجاز التعسفي للمدافعین عن حقوق الإنسان وسجناء الرأي في الإمارات.
عقاب أهالي السجناء
وفي السياق، أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع أفراد أسر6 من السجناء في قضية “الإمارات– 94″، ورصدت مظاهر المعاناة، واحتجاز بعضهم طيلة السنوات التسع الماضية بمعزل عن العالم، وتعرض أقربائهم لعمليات انتقامية.
وأشار التحالف الدولي للدفاع عن الحرية ضمن الاستعراض الدوري الأخير إلى حملات التضييق على الحريات منذ الربيع العربي، وقدم مع عدد من المنظمات تقريرًا مشترك لفريق عمل اللجنة.
التوقيف والترحيل
تزامن مع الاستعراض، واقعة تسليم الأردن المعارض البارز خلف الرميثي يوم 9 مايو الجاري، للإمارات. رُحِل بعد القبض عليه من سجن ماركا بالأردن.
وقالت وكالة أنباء الإمارات، التي أعلنت ترحيل خلف الرميثي واعتقاله، أنه سيواجه إعادة محاكمة بتهمة الانتساب إلى تنظيم “يهدف إلى مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم في دولة الإمارات العربية المتحدة“.
وكانت المحكمة العليا في الإمارات أصدرت حكما غيابيًا في يوليو/ تموز 2013 بسجن الرميثي 15 عامًا ضمن قضية “الإمارات- 94 ” والتي شملت 94 من أعضاء حركة الإصلاح ضمن عمليات التضييق على الحريات.
الحرمان من الجنسية
رصدت منظمة العفو الدولية حالات التعذيب، وغیرها من ضروب المعاملة السیئة التي يتعرّض لھا المحتجزون، بجانب الحرمان من الجنسية لعدد من السكان “البدون” بما يجعلهم مستبعدين من الخدمات، وسبق أيضًا، أن وجهت توصيات بهذا الخصوص في الاستعراضات السابقة منها الاستعراض الثاني والاستعراض الثالث،
وفي عام 2021، وثّقت المنظمة تجريد أفراد من عائلتي اثنين من سجناء قضية “الإمارات– 94” من جنسيتهما، وطالبت بتنفيذ مجموعة من التوصیات؛ لتحسين حالة حقوق الإنسان، وأشارت إلى عدم تنفيذ الإمارات توصيات الاستعراض الدوري الشامل في 2008، منها قضايا تخص الجنسية وأوضاع النساء والسجناء.
احتجاز 2400 أفغاني في “مدينة الإمارات الإنسانية”
وأصدرت “هيومن رايتس ووتش” يوم 15 مايو الجاري بيانًا، حول أوضاع المهاجرين الأفغان، وقالت المنظمة في بيانها، إن الإمارات تحتجز تعسفيًا ما بين 2،400 إلى 2،700 أفغاني منذ أكثر من 15 شهرا في “مدينة الإمارات الإنسانية”
بينما قالت جويا شيا، باحثة الإمارات في هيومن رايتس ووتش: “تحتجز السلطات آلافا من طالبي اللجوء الأفغان في أماكن مكتظة وظروف مزرية”.
وسبق وأشارت منظمة العفو الدولية في تقارير عدة إلى مظاهر العنصرية، والتمييز ضد المهاجرين والوافدين بما يتناقض مع شعارات التسامح التي تطلقها الإمارات.