أطلقت هيئة الرقابة المالية، الأحد 14 مايو الجاري، أول صندوق للاستثمار في الذهب، بعدما أثار شهية الكثير من المتعاملين على مدار الشهور الأخيرة، كوسيط لحفظ القيمة في مواجهة التضخم، وتسجيله مستويات سعرية قياسية هي الأعلى على مدار تاريخه.
فكرة صندوق الاستثمار بالذهب ليست وليدة اليوم، لكنها تعود لعام 2008، حينما تم وضع أساس لها من قبل الخبير المالي هاني توفيق بتعاون مصري ـ سويسري، وإجراء عمليات البيع والشراء للذهب لحساب الصندوق بنهاية كل يوم عمل، على أن يتم تسجيل الوثائق بالبورصة المصرية بالدولار؛ لتسهيل عمليات شراء وبيع الذهب للمصريين طبقا لسعره العالمي لحظة بلحظة.
لم تكتمل تلك الخطوة التي توفر على راغبي الذهب كاستثمار وليس للتزين، المصنعية والدمغة وهامش ربح التاجر في البيع والشراء، لكنها لم تكتمل حينها بسبب ممانعة السلطة النقدية حينها.
عادت الفكرة ذاتها للطرح مجددًا عام 2009، وتم عقد اجتماع بين الدكتور أشرف الشرقاوي رئيس هيئة الرقابة المالية (حينها)، واللواء محمد عبد السلام رئيس مجلس إدارة شركة مصر للمقاصة، والإيداع والقيد المركزى (حينها) والدكتور مدحت نافع، حينما كان مدير إدارة المخاطر بالبورصة المصرية، وأحمد أبو السعد عضو مجلس إدارة البورصة، لمناقشة وثائق صناديق الذهب، لكنها خطوة لم تكتمل رغم قطع شوط كبير في تنظيم آلية لقيد وتداول الذهب في البورصة.
اقرأ أيضًا: تجاوز السعر العالمي.. الحكومة تراهن مجددًا على المغتربين لمواجهة جنون الذهب
منحت هيئة الرقابة المالية شركة “إيفولف للاستثمار” الموافقة على إطلاق أول صندوق استثمار بالذهب”أيه زد جولد”، على أن تتولى شركة “أزيموت مصر”، إدارته إلى جانب شركة “كاتليست بارتينر لخدمات الإدارة”؛ لتحديد أسعار الوثيقة التي تم طرحها الأحد بسعر 10 جنيهات.
قبل الموافقة، أصدرت الرقابة المالية القرار رقم 50 لسنة 2023، بتعديل ضوابط تعامل صناديق الاستثمار في المعادن كإحدى القيم المالية المنقولة، والقرار رقم 51 لسنة 2023، بشأن ضوابط قيد وشطب مقدمي خدمات حفظ المعادن كإحدى القيم المالية المنقولة بسجل الهيئة، والقرار رقم 52 لسنة 2023، بشأن ضوابط الجهات التي يجب على صناديق الاستثمار التعامل معها في شراء وبيع المعادن، وذلك في إطار أحكام المادة (35) من قانون سوق رأس المال، والتي أجازت لمجلس إدارة الهيئة أن يرخص للصندوق بالتعامل في القيم المالية المنقولة ومن بينها المعادن.
مراهنة على الصغار
يغازل صندوق الاستثمار بالذهب فئة من المستثمرين لديها تخوف من شراء سبائك ذهبية، في ظل تحذيرات من إمكانية التعرض للخداع بالسوق وترويج مشغولات مقلدة، لكن الفئة الأكبر التي يستهدفها هي المواطن العادي ذاته، بجعل الاستثمار يبدأ بسعر 10 جنيهات فقط، لاستهداف فئة مدخرات تربو على 10 آلاف جنيه، وهي قيمة لا تكفي لشراء 4 جرامات ذهب بسعر السوق حاليًا.
يجوز لأي مستثمر استرداد أمواله أو جزء منها، بالإضافة إلى أرباحها المحققة في أي وقت، فإذا كان إجمالي حجم استثماره أقل من المعادل السعري لـ 50 جرامًا عيار 24 يحصل عليها بالجنيه، أما إذا كان أعلى من 50 جرامًا فيمكنه الحصول عليها في صورة عينية “ذهب”، وتم تحديد الخمسين جرامًا؛ لأن الصندوق يستثمر في السبائك فقط.
للتداول في الصندوق، يجب فتح حساب لدى واحدة من بين 8 شركات متخصصة في تداول الأوراق المالية لها، وهي: أزيموت (التي تدير الصندوق)، ومباشر، وثاندر، والأهلي فاروس، ونعيم، وبريميير، وثري واي، و عربية أون لاين.
بعد فتح الحساب، يتم تحويل المبلغ المالي المراد استثماره، ثم توقيع الاستمارة الخاصة بالاستثمار في الذهب من خلال الصندوق، وبذلك يتم تحويل المبلغ المالي إلى شهادات استثمار في الذهب، ويتم متابعة السعر الاسترشادي للجرام على شريط البورصة مثل الأسهم التقليدية.
تقول حنان رمسيس، خبيرة أسواق المال، إن الذهب ازداد بريقًا كوعاء للاستثمار خلال الشهور الأخيرة، بعد الارتفاعات الكبيرة التي حققها، وفي ظل رغبة المواطنين في الحصول على أدوات استثمار ذات عائد؛ يحمي مدخراتهم من التضخم الذي تجاوز 30%.
ارتفاعات قياسية بالأسعار
شهدت أسعار الذهب بالسوق المحلية ارتفاعات قياسية بعدما ارتفعت بنحو 58% منذ بداية 2023، لسعر الذهب عيار 21 الأكثر رواجًا في مصر، وسط حالة من الارتباك في التسعير من قبل التجار لقيمة الدولار، التي يعتمد عليها في تسعير سعر الأوقية في البورصة العالمية.
تضيف رمسيس، أن هذه الخطوة من شأنها ضبط سوق الذهب المحلي، خاصة أنها تتكامل مع خطوة سابقة اتخذتها الحكومة بإعفاء الذهب الوارد بصحبة المصريين في الخارج من الجمارك لمدة 6 أشهر، وهو أمر من شأنه تشجيعهم على جلب المعدن الأصفر معهم من الخارج.
يغازل الصندوق أيضًا المستثمرين الراغبين في استثمار يتوافق مع الشريعة الإسلامية، ممن لديهم تحفظات حتى الآن على التعامل مع البنوك التقليدية، ويوجهون أموالهم نحو الاستثمار بالبنوك الإسلامية، ويجدون فرصة للمكسب في الصندوق الذي يبلغ مدته (عمره 25 عامًا تبدأ من تاريخ غلق باب الاكتتاب وبعدها قد يمد العمل به أو يُغلق).
لكن، يصطدم الصندوق بمطالبة البعض بوجود هيئة رقابة شرعية للاستثمار في الصندوق على غرار الهيئة الشرعية في البنوك المتوافقة مع الشريعة، بينما يؤكد مُدشنوه أنه متوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية/ وبموافقة من هيئة الإفتاء المصرية.
مايكل عادل نجيب، محلل أسواق المال، يقول إن هناك حالة من عدم وضوح الفكرة لدى المواطن العادي الذي لا توجد لديه المعلومة والصورة الكاملة، كما يفتقد الثقة في أي خطوة، مضيفًا أنه ربما لو تم الترويج للفكرة بشكل مختلف، وفي توقيت أفضل لكان لها صدى أفضل مما يبدو عليه الوضع الحالي.
يواجه الصندوق أزمة ثقة رغم معدل الأمان العالي في صناديق الاستثمار، فقطاع من المواطنين لا يقتنع إلا حينما يمسك بيديه الذهب، حتى أن البعض يريد أن يجري تداول الذهب مثل الأسهم يبيع ويشتري من شاشة التداول ويكون له محفظته الخاصة.
بعض الخبراء تحدثوا عن أن الصندوق لم يأخذ حقه في الترويج فتم الإعلان عنه، وتدشينه في البورصة خلال أسبوع واحد فقط، رغم احتياج تلك النوعية من الصناديق؛ لترويج وشرح للمواطن كيفية الاسترداد ومراحله.