في تحليله للموقف الحالي في أعقاب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، يرى أودي ديكل، رئيس برنامج الأبحاث الفلسطينية في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب/ INSS، أنه ربما كان الدرس الذي خرجت به الأطراف المتناحرة في غزة، هو “الهدوء سيقابل بالهدوء”.
مشيرا إلى، أنه بعد أن امتنعت حركة حماس عن المشاركة في مواجهة العمليات الإسرائيلية ضد حركة الجهاد الإسلامي في غزة، بشكل عملي “فإن الحركة صاحبة السيادة في غزة، تخرج من هذه الجولة فائزة، وقد رأت أنه ليس عليها دفع ثمن مسئولية ما يحدث لسكان غزة هذه المرة”. وسطر ديكل تحليله تحت عنوان “عملية الدرع والسهم: حماس هي الفائز الأول”.
يقول: بعد أن انتهى تبادل آخر الضربات في قطاع غزة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي بوساطة مصرية. بدأت إسرائيل مرة أخرى عملية عسكرية، واغتنمت الفرصة لمهاجمة شخصيات بارزة في الجهاد الإسلامي، بينما سمحت لحركة حماس- التي تحكم قطاع غزة عمليا- بالتهرب من المسئولية عما يحدث هناك.
يضيف: عسكريا، شهدت إسرائيل نجاحا عملياتيا على الصعيدين الهجومي والدفاعي. لكن سياسيا سمحت تل أبيب لحماس بوضع قواعد اللعبة، والاستمرار في التمتع بثمار ترتيبها مع إسرائيل، والخروج أقوى في نهاية جولة القتال هذه.
اقرأ أيضا: نتنياهو يسعى لاستعادة السيطرة بعد “عملية غزة”
3 جولات
يشير ديكل إلى، أن عملية “الدرع والسهم” تشبه إلى حد كبير جولتين سابقتين من القتال بين إسرائيل وفلسطينيّ غزة. وهما عملية “بزوغ الفجر” في أغسطس/ آب 2022، وعملية “الحزام الأسود” في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
يقول: في الجولات الثلاث، ركزت إسرائيل على الحملة ضد حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية -التي لا تحكم غزة- بدأت بالاغتيالات المستهدفة لقادة الجهاد، ثم الرد على إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية باعتراضات وقائية. وسعت تل أبيب إلى اختصار الجولة؛ من أجل السيطرة على حدود الحملة، ومنعها من التدهور إلى مواجهة مباشرة مع حماس.
ولفت إلى أن الجولات الثلاث “كانت حملات ردع بلا هدف سياسي”.
يضيف: كان تأثير الحملتين السابقتين قصيرًا، ومن المحتمل أن يكون تأثير عملية الدرع والسهم كذلك. خلال هذه الحملات وبعدها، لم تُبذل أي محاولة؛ لتغيير الواقع الأمني الاستراتيجي تجاه حماس، وهو التحدي الأمني الأساسي لإسرائيل في الساحة الفلسطينية.
وأكد، أن إسرائيل تواجه دائما صعوبة في إنهاء الحملات في إطار زمني قصير، وترجمة النجاح العسكري إلى إنجازات سياسية، لأنها لا تحدد أهدافًا سياسية لنفسها، بخلاف “الهدوء سيقابل بالهدوء”.
وأوضح أنه تم تحقيق الهدف الاستراتيجي في الخطوة الأولى، وهي الاغتيال المستهدف لثلاثة من كبار المسئولين في الجهاد الإسلامي في فلسطين “ما تبع ذلك ركز على تعميق هذا الإنجاز، مع السعي للحد من الأضرار، والتفاوض من أجل الوصول إلى وقف إطلاق النار، وترك حماس خارج المعركة”.
هكذا، لم يكن أمام حركة الجهاد -التي تعرضت لضربة قوية خلال الهجوم الافتتاحي- خيار سوى محاولة جني الثمن من إسرائيل، وتقديم “صورة انتصار”، بينما كانت تسعى إلى جر حماس إلى القتال، وربما لاحقا، حزب الله أيضا. كما يشير مدير الأبحاث الفلسطينية بالمعهد.
وأكد، أن الجهاد الإسلامي نفسه -الذي لا يتحمل أي مسئولية عن معيشة المواطنين في غزة- سعى إلى إطالة أمد القتال، مع توضيح الضرر الذي يمكن أن يلحقه، ليس فقط بإسرائيل، ولكن أيضا بحماس.
ما بعد وقف إطلاق النار
بعد خمسة أيام من القتال، وافقت حركة الجهاد الإسلامي على قبول الصيغة المصرية؛ لوقف إطلاق النار. وذلك بمجرد تبين أن حماس ثابتة في موقفها بعدم الانضمام إلى القتال.
علاوة على ذلك، كانت هناك مؤشرات متزايدة على أن حماس -في ضوء الخطر المتزايد بجرها إلى القتال- أمرت الجهاد بإنهاء الجولة.
يقول ديكل: لم يُبدِ رعاة الجهاد الإسلامي في فلسطين، حزب الله وإيران، اللذان يرغبان في تقييد يدي إسرائيل، عن طريق تعثرها في تصعيد داخل حدودها. وبالتالي، يريدان استمرار القتال، بلا أي مؤشر على استعدادهما لمساعدة حركة الجهاد بشكل مباشر.
ومع تطور العملية، استمر الجهاد في تكبد خسائر فادحة، حيث يتم قتل كبار المسئولين، وهدم منازل النشطاء؛ نتيجة لنشاط الجيش الإسرائيلي في غزة.
وقد لخص الأمين العام لحركة الجهاد، زياد النخالة، ما يحدث قائلا: “عانينا مما عانينا منه ليبقى موقفنا موحدا وقويا ومستقرا. جناحنا العسكري كان طليعة المقاومة”.
بعدها، شكر كل من وقف إلى جانب المنظمة، إيران وحزب الله وقطر ومصر. ولم يذكر حماس، دون قصد.
وبينما تضمن اقتراح وقف إطلاق النار المصري التزامًا إسرائيليًا؛ بإنهاء الهجمات ضد المدنيين وهدم المنازل والهجمات على الأفراد. يرى ديكل أن هذه “تفاهمات هشة”.
وينقل عن مسئول كبير في إسرائيل -لم يذكر اسمه- زعمه بأن “حماس وقفت بحزم في غزة لسنوات، ورفضت السماح لمنظمات أخرى نشطة في المنطقة بإملاء سياستها”.
ورأى المسئول، أن الجولة الأخيرة من القتال أظهرت ضعف حماس “حيث تمكنت حركة الجهاد بتمويلها الإيراني من وضع جدول الأعمال في غزة”.
لكن، كما يشير ديكل، يبدو على عكس هذا التقدير، لم تضعف حماس. بل “دعمت بهدوء الجهاد التي عملت كوكيل لها، ودرست نهج الجيش الإسرائيلي وقدراته العملياتية، ونصبت نفسها كطرف مسئول يهتم بسكان غزة، ولم تخاطر بإنجازاتها، وعلى رأسها دخول عمال غزة إلى إسرائيل، ودخول وخروج البضائع من وإلى القطاع، وتدفق الأموال من قطر”.
اقرأ أيضا: ما مدى سوء الحرب القادمة بين إسرائيل وحماس؟
ما الذي تريده إسرائيل؟
يشير المفاوض والمدير السابق لمعهد دراسات الأمن القومي، إلى أن إسرائيل ترغب في فترة طويلة من الهدوء القائم على الردع العسكري، مع تجاهل المشاكل الجوهرية الناشئة عن تقوية حماس، صاحبة السيادة في قطاع غزة، والعنصر المهيمن على الساحة الفلسطينية.
يقول: يمتلك الجهاد الإسلامي في فلسطين قدرات محدودة -كما أظهرت الحملة الأخيرة مرة أخرى- والنجاح العملياتي ضدها لا يشبه ما يمكن توقعه في حملة ضد حماس. لذلك، من الصعب تحديد ما إذا كان الردع الإسرائيلي قد تم استعادته، بعد أن أضعفه أيضًا العمليات الداخلية في إسرائيل.
ولكن، نظرا لعدم تحديد هدف سياسي، فإن الردع الذي تم تحقيقه ظاهريًا قد يكون بعيد المنال.
وأكد: في الواقع، بالنسبة للجهاد الإسلامي، فإن خوض عدة أيام من القتال ضد الجيش الإسرائيلي، والوقوف بقوة، وإظهار القدرة على إطلاق وابل من الصواريخ في عمق إسرائيل، هو جوهر “المقاومة”.
وأشار إلى، أن تل أبيب تجد أنه من المريح فصل حماس عن الجهاد، وإعفاء حماس من مسئوليتها عن الأعمال العدائية ضدها في غزة، لأن إسرائيل تسعى لتجنب حملة أوسع ضد حماس في هذا الوقت.
ومع ذلك، فإن إخراج حماس من القتال ليس إنجازا استراتيجيا لإسرائيل، نظرا لأنه -عمليا- سمح لحماس مرة أخرى بوضع قواعد اللعبة أثناء تشغيل الجهاد الإسلامي في فلسطين كوكيل لها، وتحديد موعد انتهاء القتال، وتحديد شدته.
وأوضح، أن العملية “كانت طبقة إضافية في تغيير ميزان القوى في الساحة الفلسطينية. حيث تستمر حماس في اكتساب القوة، وإضعاف السلطة الفلسطينية. وبالفعل، لم تلعب الاخيرة أي دور في الاتصالات؛ لإنهاء القتال. علاوة على ذلك، تم تصنيف يحيي السنوار زعيم حماس في غزة على أنه اللاعب السياسي المركزي في النظام الفلسطيني، في اليوم التالي لرحيل محمود عباس.
أودي ديكل
جنرال احتياط بالجيش الإسرائيلي. انضم إلى معهد دراسات الأمن القومي INSS في عام 2012. شغل منصب المدير العام لمدة عشر سنوات، ويترأس حاليًا برنامج أبحاث الساحة الفلسطينية.
أيضا، كان ديكل رئيس فريق التفاوض مع الفلسطينيين، خلال حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، خلال عملية أنابوليس 2007-2008.