عشرينية ما تخطت بأحلامها بعد سور جامعة المنصورة، مفعمة بمرح جذب إليها من الرفاق كثيرين، بريئة لم تدرك أن مصيرها محتوم، وأن قضيتها عنوانها غدًا “فتاة المنصورة التي قتلها من تملكه هوى مسعور”.
الجلي في هذه القضية بما فيها من بشاعة قتل نيرة أشرف، طالبة الفرقة الثالثة بكلية الآداب، ذبحًا، على يد زميلها -الذي كان يلاحقها عاطفيًا- أمام حرم جامعة المنصورة في العام 2022، أنها لم تكن الواقعة الأولى في جرائم قتل الإناث بمصر، وكذا لم توقف الصدمة التي أحدثتها بفيديو وثقها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ما تبعها من جرائم مماثلة، أُزهقت فيها أرواح فتيات أخريات.
وهذا الأمر، إنما يشير بشدة إلى واقع الخطر المهدد للنساء داخل المجتمع المصري، ويدق ناقوس إنذار لملف لا يحظى بالاهتمام الكافي، ومشكلة يعود تجاهلها إلى عدد من أسباب متشابكة، تحللها ورقة بحثية جديدة صادرة عن مركز التنمية، والدعم والإعلام (دام)، والتي تلقي الضوء على جرائم القتل المبني على النوع الاجتماعي.
للاطلاع على الورقة كاملة:
خلال الورقة -التي أعدتها الباحثة غدي قنديل- يتم التعرض للظاهرة من خلال رصد سابق لحالات العنف ضد النساء في مصر، وتنتهي بتوصيات للحد من هذه الظاهرة.
وتركز الباحثة -في عملها الفائز ضمن مسابقة “دام” للأبحاث والدراسات- على ظاهرة قتل النساء المتجذرة بعمق في اختلال توازن القوى داخل المجتمع المصري، والتي باتت مظهرًا من مظاهره، نتجت عن عدم المساواة بين الرجل والمرأة.
تتناول الورقة -في مضمونها- كيف نحلل ظاهرة قتل الإناث على المستوى الدولي، ثم تنتقل من العام إلى الخاص عبر دراسة طبيعية الظاهرة في المجتمع المصري، وأخيرًا ما الإجراءات والسياسيات التي يجب على الدولة المصرية تطبيقها، للتمكن من مجابهة تلك الظاهرة.
وتوضح، أن جرائم قتل النساء اتخذت أشكالًا مختلفة، منها قتل النساء بفعل عنف الشريك الحميم، وبفعل التعذيب، والقتل باسم الشرف، وقد اعتمدت على مصطلح قتل الإناث” لأن مصطلح القتل المحايد جنسانيًا يتغاضى عن حقائق عدم المساواة والقمع والعنف المنهجي ضد المرأة.
وفي السياق، تشير الورقة إلى تاريخ مصطلح “قتل الإناث” الذي يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما تمت صياغته؛ لزيادة الوعي بوفيات النساء بسبب العنف، وأشار إلى قتل الإناث من قبل الذكور؛ لأنهم إناث. حتى تم تحديث المفهوم ليتم تعريف “قتل النساء” في عام 1992، على أنه “قتل النساء على يد الرجال بدافع الكراهية أو الازدراء أو المتعة أو الشعور بملكية المرأة، المتجذر في علاقات القوة غير المتكافئة تاريخيًا بين النساء والرجال”.
كذلك، تلفت الورقة إلى تقديرات منظمة الصحة العالمية، التي تسجل واحدة من كل 3 نساء (30%) في أنحاء العالم، تتعرض في حياتها للعنف البدني أو العنف الجنسي داخل الأسرة، وأن 38% من هذه النسبة تنتهي بجريمة قتل للنساء، لكن المفارقة أن 6% فقط من العنف الذي تتلقاه النساء في العموم يكون مصدره شخص غريب.
أيضًا، تتعرض الورقة للدوافع وراء تفشي ظاهرة قتل الإناث في المجتمع المصري، وتنصح بضرورة دراسة الأفعال المرتبطة بالظاهرة في مصر، وتقسم عمليات القتل إلى تلك التي تُرتكب داخل الأسرة، والتي تُرتكب خارج نطاق الأسرة، وتشمل قتل الشريك الحميم، وجرائم الشرف والإرث، ثم تنتقل إلى محددات قتل الإناث في المجتمع المصري، وما يلحقها من تهاون مجتمعي وتبرير لمرتكبي هذه الجرائم، كما تستعرض الأرقام التي سجلتها التقارير الحقوقية، والتي تثبت تجذر المشكلة داخل المجتمع، في ظل غياب الإحصاء الرسمي الشامل والدقيق لظاهرة قتل الإناث، والتي تمثل الخطوة الأولى لفهم الظاهرة على نحو دقيق، تمهيدًا لبحث سُبل حماية ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي.