ترددت أصوات الاشتباكات بين الفصائل العسكرية المتناحرة في السودان، والتي جرى سماعها خلال ليل أمس الثلاثاء في أجزاء من الخرطوم، بحسب ما نقلته وكالة رويترز للأنباء عن بعض سكان العاصمة. ذلك رغم ما توصل إليه طرفا الصراع الجيش وقوات الدعم السريع، في 20 مايو/ أيار الجاري، من اتفاق على هدنة لـ وقف إطلاق النار مدته 7 أيام، يبدأ سريانه بعد مرور 48 ساعة من توقيعها، برعاية السعودية والولايات المتحدة، اللتين دعتا الأطراف المتحاربة إلى وقف خرق الهدنة.
وقالت السعودية والولايات المتحدة -في بيان مشترك- إن الفصائل السودانية المتحاربة لم تلتزم بتعهداتها (السابقة) وإنها تسعى إلى الحصول على ميزة عسكرية في الأيام التي سبقت بدء وقف إطلاق النار. وتعهدت لجنة مراقبة وقف إطلاق النار الثلاثاء “بإشراك قيادات الفصائل المعنية بشأن ادعاءات انتهاكات وقف إطلاق النار، بينما تسعى اللجنة إلى التحقق من التقارير”. فيما قالت الولايات المتحدة إنها تستخدم نظام مراقبة عن بعد لمتابعة الهدنة الحالية في السودان، وحذرت من أن أي شخص يتبين أنه انتهك وقف إطلاق النار سيحاسب.
هل من فرصة للنجاح؟
والسؤال الرئيسي الآن ما مدى فرص واحتمالات نجاح الهدنة الجديدة -بشكل عام رغم الاختراقات المتناثرة- في توفير ما يحتاجه السودانيون من هدوء وظروف إنسانية مقبولة بعد فشل كل الهدن السابقة. خاصة وأن هناك من يشير إلى أن الهدنة الجديدة تتوافر لها سمة فارقة عن كل ما سبقها أنها سيجري مراقبتها دوليا.
يرى الباحث في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، د. عماد بحر الدين، أيضًا أن الهدنة الحالية مهددة بالفشل كما سوابقها من محاولات تهدئة الصراع.
يقول “بحر الدين” إن كلا من قائدي الجيش وقوات دعم السريع ليسا على نفس المسافة من الهدنة، فعلى الرغم من أن مستشار حميدتي صرح بأنه “لا نمانع في أن تكون هذه الهدنة دائمة لوقف إطلاق النار”، وهو مؤشر على الرغبة في التوصل إلى تسوية، فإن خطاب مبعوث البرهان في القمة العربية يؤكد على أن القوات المسلحة قادرة على دحر التمرد، وهو ما يعني الاستعداد إلى الدخول في موجة طويلة من العنف والصراع، وربما الحرب الأهلية، في ظل حالة الاصطفاف القبلي خلف قوات الدعم السريع من بعض نظار القبائل في دارفور (قبيلتي الترجم والمسيرية)، أي أن الدعم السريع لديه حاضنة اجتماعية مما قد يطيل من أمد الحرب.
لماذا لا تصمد الاتفاقات؟
ويرى الباحث في الشأن السوداني، وائل نصر الدين، أن أي هدنة في السودان لا يمكنها الصمود إلا لو توافرت آليات حقيقية للمراقبة، إذ أن هناك مشكلة جذرية منذ بداية الصراع الدائر بين الدعم السريع والجيش تتمثل في عجز حميدتي عن السيطرة على قواته بسبب انخراط عناصر قبلية مختلفة في قواته.
ويضيف “نصر الدين” أن الصراع أفسح المجال لانتشار أعمال النهب والسرقة من قبل عناصر إجرامية تدخلت تحت مظلة دعم قوات الدعم السريع، وهذه المجموعات مسئولة عن الاعتداءات على الكنائس والمؤسسات والبعثات الدبلوماسية.
ومن وجهة نظر “نصر الدين”، فإن استقرار أي هدنة في السودان بوضعه الحالي يتطلب ضمانات قوية من جانب قوات الدعم السريع، وتضمين عقوبات صارمة على أي طرف يُقدم على انتهاك أي بنود بالاتفاق.
ويشدد “نصر الدين” على أن المجتمع الدولي مطالب بمواجهة انتهاكات الدعم السريع بصرامة حقيقية وليس بالمناشدات، فالوضع الراهن بالسودان لا يتطلب مزيدًا من الحياد، ولا يجب مساواة الجيش الوطني السوداني بالمليشيات، على حد قوله، في ظل الانتهاكات الصريحة من جانب قوات حميدتي، بما في ذلك عمليات عنف جنسي واسع ضد النساء، واستهداف السفارات الأجنبية، فضلًا عن جرائم القتل بحق المدنيين.
ويشكك “جمعة” في إمكانية التزام طرفي الصراع ببنود وقف إطلاق النار، لأن كل طرف يستهدف تحقيق انتصار ميداني حتى يستطيع فرض أجندته في حالة الانتقال إلى التفاوض حول القضايا السياسية، كما يلاحظ في تصريحات القادة على كلا الجانبين.
ويدلل “جمعة” على الاحتمالية الكبيرة لفشل الهدنة بمشاهد انتشار عناصر قوات الدعم السريع في الأحياء، واستمرار القصف الجوي من قبل الجيش، وهو أمر يتحدى سريان الهدنة، كما يستحيل معه فتح ممرات آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية للمواطنين.
الهدنة ضرورة إنسانية
يعلق محيي الدين جمعة، الناطق الرسمي للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، على الاتفاق فيقول إن الهدنة ضرورية لحماية المدنيين وتخفيف معاناتهم، في ظل نقص الخدمات والانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، والنقص في غاز الطبخ وعدم توافر الأدوية والمواد التموينية، نتيجة حرق عدد من المصانع الاستراتيجية، إلا أن استمرارها وحمايتها يبقى رهينة المراقبة الدولية لسريانها.
ويتهم جمعة، وهو قيادي بقوى الحرية والتغيير “الكتلة الديمقراطية”، قوات الدعم السريع بالاستيلاء على عدد من المستشفيات وتحويلها إلى مراكز لإدارة عملياتها العسكرية، وهو الأمر الذي قاد إلى عدم وجود أماكن لعلاج الجرحى.
بنود الاتفاق
تضمنت بنود الاتفاق إقرار الجانبين بالأثر السلبي للصراع على حياة المدنيين والوضع الاقتصادي للبلاد على المدى الطويل. بينما تبلغ مدة الهدنة أسبوعًا قابل للتجديد، على أن يسري مفعولها بعد 48 ساعة على توقيعها، واحترامها جميع الجهات الفاعلة للقانون الدولي الإنساني.
- يضمن الطرفان خلال فترة وقف إطلاق النار، حرية حركة المدنيين في جميع أنحاء البلاد وحمايتهم من العنف أو المضايقة أو أي انتهاكات أخرى.
- يقوم الطرفان بتهيئة الظروف المناسبة لتقديم الإغاثة الطارئة وتوفير ضمانات أمنية لوصول الوكالات الإنسانية بأمان ودون عوائق.
- يزود الطرفان اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالمعلومات ذات الصلة بشأن جميع المحتجزين والأسرى الذين اعتقلوا أو احتجزوا نتيجة للنزاع، وكذا تمكين اللجنة من القيام بأعمالها.
- الاتفاق على إنشاء لجنة لمراقبة وتنسيق وقف إطلاق النار قصير الأمد والمساعدات الإنسانية (لجنة المراقبة والتنسيق) لمراقبة التقيد بوقف إطلاق النار قصير الأمد والالتزام بهذا الاتفاق.
وتضم لجنة المراقبة والتنسيق ثلاثة ممثلين عن كل من الأطراف المشاركة في توقيع الهدنة، بما في ذلك الولايات المتحدة والسعودية.
كذلك اتفق الطرفان على تسهيل إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية، واستعادة الخدمات الأساسية، وسحب القوات من المستشفيات والمرافق العامة الأساسية، وتسهيل المرور الآمن للجهات التي تقدم الإغاثة الإنسانية.
ومن المنتظر أن تعود المستشفيات التي توقف معظمها عن العمل، وكذلك ستعود الأسواق التي أغلقت، كما سيجرى تأمين الطرق بما يسمح للبضائع بالتدفق مرة أخرى دون عوائق.