ما بين شركات عقارات تربط سعر بيعها بالدولار، وتكديس شركات القطاع الخاص للعملة الصعبة، ونمو أقل من التوقعات لودائع العملة المحلية رغم إغراءات الشهادات، تدور مخاوف حاليًا من انتشار الدولرة في الاقتصاد المصري.
تعني “الدولرة” في أبسط صورها استخدام عملة أجنبية بالتوازي مع العملة المحلية في أوقات الأزمات الاقتصادية، أو التخوف من حدوث تخفيض قيمة العملة المحلية.
ربط العقارات بالدولار
اتخذت شركة “إعمار مصر” خطوة مفاجئة أخيرًا بطرح مرحلة جديدة بمشروع “أب تاون كايرو” بعدما ربطت سعر بيع الوحدات بسعر صرف الدولار، فالبيع بالعملة المحلية، لكن يلتزم مشترو الوحدات بدفع ما يعادل سعر الدولار، وفقًا لسعر الصرف الرسمي في تاريخ استحقاق كل شيك بنكي.
الشركة التابعة لإعمار الإماراتية، وضعت نظامًا لربط الدولار، يقضي بأن تتحمل هي مخاطر انخفاض الجنيه حتى مستوى 35 جنيهًا للدولار، وحال زيادة سعر الصرف عن ذلك المستوى يتحمل المشتري المخاطر بالمدفوعات الجديدة، مع منح عملائها الأجانب المشترين للعقار بمصر أحقية الدفع بالعملة الأمريكية.
بعض الشركات العاملة بالسوق العقارية قالت إنها تدرس الخطوة التي اتبعتها “إعمار”، بينما أعلنت شركة “أورا ديفلوبرز إيجيبت” التابعة للمهندس نجيب ساويرس، أن جميع مبيعاتها تتم بالجنيه، وليس لدى الشركة أي نية لتغيير أسلوب الدفع أو ربط سعر أي وحدات سكنية بالدولار الأمريكي.
اقرأ أيضًا: خطورة اتساع الدولرة
انتقلت المشكلة على استحياء لسوق السيارات، بعدما قام عدد محدود من وكلاء السيارات بتسعير المركبات التي يبيعونها بالدولار، أو حتى البيع بالدولار مع التسليم في المناطق الحرة (مناطق يتم التعامل فيها وفقًا لأحكام ضريبية وجمركية ونقدية خاصة).
وقد حذر تقرير حديث صادر عن المجموعة المالية “هيرميس” من ظهور الدولرة بقطاعات في الاقتصاد المحلي، استنادًا إلى المؤشرات النقدية التي رصدتها المجموعة التي تصنف أحد أكبر بنوك الاستثمار بمصر.
محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين بـ”هيرميس” يقول، إن شركات القطاع الخاص تكدس الدولار وسط توقعات بضعف الجنيه، إذ ارتفعت الودائع بالعملات الأجنبية خمسة مليارات دولار منذ نهاية 2021.
في المقابل، ارتفعت ودائع القطاع العائلي بالعملة المحلية بوتيرة بطيئة، على الرغم من ضعف الجنيه، ما يشير إلى دولرة كبيرة خارج القطاع المصرفي، سواء كان ذلك على مستوى الشركات أو القطاع العائلي.
بحسب آخر تقارير البنك المركزي، بلغت الودائع غير الحكومية 6.977 تريليون جنيه بنهاية شهر يناير/ كانون الثاني 2023، مقابل 6.628 تريليون بنهاية 2022، منها 5.494 تريليون جنيه بالعملة المحلية، و1.483 تريليون جنيه بالعملة الأجنبية.
مزيد من وهن الجنيه
الدكتور عبد المنعم سعيد، عضو مجلس الشيوخ، عبّر عن تخوفه -في طلب مناقشة عامة للمجلس- من أن يكون الدفع بالدولار في النقل، أو السياحة مقدمة “لدولرة” الاقتصاد، فلا يجوز أن يتم التعامل على الأرض المصرية إلا بالجنيه.
وقد أعاد سعيد التحذير من النقطة ذاتها في مقال قال فيه، إن تحصيل عائد معاملات مصرية بالدولار داخل مصر يجعل العملة الأمريكية تزداد قوة، بينما الجنيه يزداد وهنًا. هذا يحول الأمر إلى دورة تخلُص من الجنيه تزيد تعقيد الحالة كلها.
وأشار إلى، نماذج هذه الدولرة بالحديث عن طرح الأراضي المصرية للاستثمار الإنتاجي والعقاري للبيع بالدولار، وإتاحة تذاكر السفر على القطارات المصرية بالدولار للسائحين، وحتى التمييز ما بين المصري والأجنبي على منافذ السياحة؛ فيدفع الأول بالجنيه والثانى بالدولار.
وشدد على، أن الأصل عند الدفع أن يتم بالعملة المصرية؛ لدفع مالكي الدولار للحصول على الجنيه من مصادره الشرعية، سواء كانت بنوكًا أو شركات صرافة، ما دام المحدد للبيع والشراء هو سعر مستقر في السوق الاقتصادية، ولديه من المرونة ما يمنع المضاربة ووجود السوق السوداء من الأصل، الجنيه المصري مثل، العَلَم معبر عن السيادة المصرية.
شائعات التعويم تغذي الدولرة
كانت شائعات تخفيض سعر صرف الجنيه مجددًا، السبب الرئيسي في مشكلة الدولرة البادية حاليًا، ذلك في وقت تنفي التقارير الدولية حدوث تخفيض وشيك لقيمة الجنيه، ذلك بالنظر إلى أن الحكومة تنتظر تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
بحسب الباحثين حسنين مالك وباتريك كوران، في تقرير بمنصة “Tellimer Insights”، فإنه ليس من الواضح على الإطلاق ما هي “القيمة العادلة” للجنيه المصري، ولا يبدو أن العملة مبالغ في قيمتها من قبل العديد من المقاييس التقليدية، بعد أن انخفضت بنسبة 50% في سلسلة من تخفيضات قيمة العملة منذ مارس/ أذار الماضي.
اقرأ أيضًا: البيع بالدولار.. مرض متوطن في مصر يظهر وقت الأزمات
يؤكد الباحثان كذلك، أن البنك المركزي لو سمح ببساطة بسعر صرف مرن بدلًا من إعادة ربطه، لكانت التدفقات الاستثمارية استؤنفت وكان بإمكان الجنيه المصري الاستقرار، إذ أن المستثمرين رغم رخص أسعار أسهم مصر يخشون هبوط العملة.
ويقول خالد سعد، الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات، إن البيع بالدولار مجرم قانونا في مصر، لكن ما يحدث في سوق السيارات، هو امتلاك الشركات مخازن في المناطق الحرة تمكنهم من البيع للعملاء الذين لديهم صلاحية الشراء بالعملة الصعبة مثل، شركات الليموزين والمغتربين والوافدين.
كيف هي الحصيلة الدولارية؟
رغم نقص السيولة من العملة الصعبة، لكن توجد مؤشرات إيجابية على زيادة الحصيلة الدولارية للاقتصاد المحلي، مع ارتفاع إيرادات قناة السويس بنحو 35% في الربع الأول من 2023، إلى 2.3 مليار دولار خلال الربع الأول من العام 2023، مقارنة بالربع الأول من العام الماضي.
وقد حققت الصادرات المصرية قفزة كبيرة لتبلغ 42.8 مليارات دولار خلال الـ 10 أشهر الأولى من عام 2022، مقابل 34.7 مليارات دولار خلال نفس الفترة من عام 2021، بزيادة قدرها 8.1 مليار دولار، وبنسبة 23.3%.
كما تعافت الإيرادات السياحية بمعدل 25.7%، لتسجل نحو 7.3 مليارات دولار خلال النصف الأول من العام المالي الحالي مقابل 5.8 مليارات خلال الفترة نفسها من العام السابق.