لم يكن المصريون قبل المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شرم الشيخ عام 2015، يعلمون شيئاً عن العاصمة الإدارية الجديدة ولم تكن جزءاً من أحلامهم قبل ثورة 25 يناير، ولا مطالبهم في 30 يوينو لكنهم وجدوا في مؤتمر شرم الشيخ الذي كان معداً؛ لجذب الاستثمارات وتشجيع المستثمرين أن الورقة الرئيسية في المؤتمر هي مشروع عاصمة إدارية جديدة، وبدا أن هناك اتفاق مع رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار على إنشاء شركة إيجل هيلز، ووقع بالفعل على مذكرة تفاهم للمشروع وإلى هذه النقطة لم يكن على السطح، أو في مخيلة أحد ما حدث بعد ذلك، ويبدو أن الكثير من المعلومات سيظل سراً أبدياً.. فلنذهب لنبدأ من تاريخ مصر مع تغيير العواصم.

على مر التاريخ المصري تعددت العواصم، ليقارب عدد العواصم التي اتخذها نظام الحكم من أسر أو مستعمرين قرابة الـ 30 عاصمة متغيرة أبرزها، وأشهرها وأطولها مدة منف وطيبة والفسطاط والقاهرة، وبين تل العمارنة عاصمة إخناتون إلى سمنود (سيبنتوس) عاصمة الأسرة الثلاثين، انتقل الحكام بين عواصم الجنوب إلى الدلتا إما لإقامة حياة جديدة، أو تغير ظروف الحياة أو اقترابها من خطوط إمداد أو قتال أو مصدر للمياه أو المنتجات فلماذا تلجأ الدول إلى العواصم الجديدة؟

والحقيقة، إن إنشاء عواصم جديدة لم يكن في مصر فقط على مدار التاريخ، فكلما توافرت الأسباب لوجود عاصمة جديدة ترى دولاً تشرع في هذا، وأهم هذه الأسباب عادة يكون في العصر الحديث حل مشكلة تكدس سكاني، يؤدي إلى تكدس مروري وزيادة الاستهلاك للخدمات، والمرافق الرئيسية من مياه وصرف صحي وكهرباء واتصالات، بما يعيق التطور والتنمية ويهدر الوقت، وقد تكون الحاجة إلى خلق مناطق تنمية جديدة وجذب استثمارات وتنشيط الحياة في أحد الأقاليم الداخلية بالدولة؛ بهدف خلق فرص عمل ورفع مستوى اقتصادي أو استغلال موارد طبيعية مكتشفة.

وهناك العديد من الدول التي نقلت عواصمها في مختلف قارات العالم؛ البرازيل من ريودي جانيرو إلى برازيليا، ونيجيريا من لاجوس إلى أبوجا، وكذلك تنزانيا من دار السلام إلى دودوما، وكازاخستان من ألماتي إلى أستانا. وتعد تجربتي البرازيل ونيجيريا من التجارب المهمة، لقرب التشابه بينها وبين التجربة المصرية، حيث أنهما كانا يعتبران من شعوب العالم الثالث وكانت لديهما عاصمتان مكتظتان.

فنرى في البرازيل، أن العاصمة برازيليا على بعد 1200 كيلو متر من العاصمة القديمة ريودي جانيرو، وتقع في وسط البرازيل مروراً بأقاليم غير مأهولة وثروات غير مستغلة، وقد تم إنشاؤها في عدة سنوات وكان من عيوب الإسراع في التشييد حدوث تشققات في مباني عدة، وكذلك أدت إلى زيادة المديونية بشكل كبير على الاقتصاد البرازيلي ظل يعاني منها عقوداً طويلة.

وفي نيجيريا تم إنشاء العاصمة أبوجا في وسط نيجيريا على بعد 800 كيلو متر من لاجوس، وقد اختيرت لكونها في منطقة محايدة ومهمة اقتصادياً، تحرص على تساوي كافة القبائل والإثنيات للعاصمة الجديدة، ولسهولة تأمينها فبينما تقع لاجوس على المحيط مما يسهل مهاجمتها أختيرت أبوجا في الوسط لحمايتها، واستغرق بناؤها عشرات السنوات حتى أعلنت في 1991 عاصمة لنيجيريا.

وفي مصر وفي ظل ظروف اقتصادية غاية في الصعوبة، ووجود اختلالات هيكلية أساسية لها علاقة بالإنتاج والصادرات والقدرة على التصنيع، ولدت في مؤتمر شرم الشيخ فكرة العاصمة الجديدة، وقد أختير لها موقع بين العين السخنة والقاهرة على بعد حوالي 50كم من القاهرة و80 كم من مدينة السويس ضمن إقليم القاهرة الكبرى، ومباشرة بجانب القاهرة الجديدة والتجمع الخامس. ويلاحظ هنا أنها تكاد تكون داخل القاهرة الكبرى فعلاً، ولا تعبر عن أي توجه تنموي أو اقتصادي جديد أو تلامس مع أماكن جديدة تحتاج إلى تنمية أو رفع لمستوى، وقد كان هذا محل نقاش لمدة طويلة بين المهتمين وأساتذة التخطيط، فبينما ذهب البعض إلى أن أفضل مكان هو بين مدينتي بني سويف والمنيا، وفي اتجاه الوسط لمصر، ذهب البعض إلى منطقة بين بني سويف وأسيوط والموقعين كانا يضمنان تنمية مطلوبة لقطاع الصعيد، واستغلال لموارد جديدة في هذه المناطق فضلاً عن تأمين أكبر للعاصمة بعيداً عن أي من التهديدات الإقليمية المعروفة لمصر، وأهمها الجهة الشرقية التي اتجه لها موقع العاصمة والذي كان في تقرير بعض الخبراء غير مناسب من ناحية اعتبارات الأمن القومي بعيداً عن الاعتبارات الاقتصادية.

العاصمة الجديدة تبلغ مساحتها الإجمالية طبقاً لما تشهد به مستندات العاصمة إلى نحو 184 ألف فدان، تتم تقسيمها إلى ثلاث مراحل المرحلة الأولى هي 40 ألف فدان، والثانية 47 ألف فدان، بينما المرحلة الثالثة والأخيرة 97 ألف فدان، مكونة من مجموعة من الأحياء السكنية ومنطقة القصر الرئاسي ومجمع الوزارات أو الأحياء الحكومية والمنطقة الخضراء المركزية، ومجموعة من المدن المستقلة المخصصة كمدينة المعرفة أو مدينة الثقافة أو العدالة أو المدينة الرياضية وأرض المعارض، والجدير بالذكر أن ذلك كله يختلف عن المنطقة الملاصقة للعاصمة والمطلة على طريق العين السخنة، والمخصصة كمقر للقيادة الاستيراتيجية للقيادة المسلحة وتضم خلاف المباني الرئيسية عمارات سكنية ووحدات سكنية ونواد ومراكز تعلم وخدمات وخلافه وتصل مساحتها التقريبية إلى حوالي 20 ألف فدان.

أهم المشروعات المكونة للمرحلة الأولى بالعاصمة:

الحي الحكومي

يعد أهم أحياء العاصمة وتبلغ مساحته نحو 550 فدانا، وهو يضم جميع مباني الوزارات والهيئات بإجمالي مباني نحو 34 مبنى بإجمالي مساحة مباني تصل إلى 1.5 مليون متر مربع، ومقسم إلى 10 مجموعات مباني وتبلغ تكلفته التقديرية بين 40-50 مليار جنيه مصري.

مبنى البرلمان

هو المبنى الملاصق للحي الحكومي على مساحة 19 فدانا، ومساحة مباني تصل إلى 12600 متر مربع، ويسع أكثر من ألف عضو بالإضافة إلى مباني خدمات وجراجات ومسجد ومستشفى، وبلغت بعض تقديرات التكاليف نحو 5 مليارات جنيه.

مقر الحكم (القصر الرئاسي)

لا توجد معلومات كافية عنه، وإن كانت التقديرات تقول إن المساحة المخصصة في حدود 65 فدانا ويمكن أن تكون مخصصاته في حدود 5 مليارات جنيه.

مدينة المعرفة بالعاصمة الإدارية الجديدة

تقام على مساحة تقدر بـ 250 فدانا، تضم مجموعة من المباني الإدارية والبحثية وجامعة معرفية ومركز إبداع ومباني تدريب، وتبلغ التكلفة التقديرية لها نحو 25 مليار جنيه.

مدينة الثقافة والفنون

وتبلغ مساحتها نحو 130 فدانا تقريباً، وتضم عددا من المسارح وقاعات العرض والمكتبات والمتاحف وقاعة احتفالات كبرى، لأكثر من 2500 شخص ودار للأوبرا ومباني للتدريب ومتحف عواصم مصر ومكتبة مركزية للعاصمة الإدارية الجديدة والتكلفة التقديرية في حدود 20 مليار جنيه.

مدينة العدالة

وتقام على مساحة نحو 150 فدانا وتضم مباني للمحاكم المختلفة الرئيسية والنيابة العامة والهئات القضائية، ووحدات سكنية للسادة القضاة بعدد تقديري 1200 وحدة سكنية وتقدر تكلفتها بنحو 20 مليار جنيه.

مسجد الفتاح العليم

يقام على مساحة 106 فدادين ويطل على الطريق الأوسطي وتبلغ مساحة المسجد 8500 م2 (حوالي فدانين) ويسع 17000 مصلي وله أربع مآذن وواحد وعشرون قبة وبلغت تكلفة إنشائه 400 مليون جنيه

مسجد مصر الكبير

يقع في قلب الحي الحكومي وتبلغ المساحة المبنية له نحو 19500 م2 ويضم مجموعة من القاعات والمراكز التجارية؛ لخدمة الزائرين وبه أعلى مئذنتين في مصر بطول 140 مترا وبلغت تكلفته نحو 800 مليون جنيه.

كنيسة السيد المسيح

هي أكبر كنيسة في الشرق الأوسط وتبلغ مساحة المباني فيها حوالي 63.000 ألف متر، وتسع أكثر من 8 آلاف شخص وتتكون من كنيستين: كنيسة كبرى وكنيسة صغرى وتقدر تكلفتها بنحو 600 مليون جنيه.

النهر الأخضر

وهو أحد أهم مكونات العاصمة وتبلغ مساحته أكثر من 1000 فدان، أي ثلاثة أضعاف حديقة هايد بارك الموجودة في لندن، وستة أضعاف مساحة سنترال بارك في نيويورك، وتتواجد بها بحيرتان صناعيتان واحدة 25 فدانا والأخرى 4 فدادين وطولها حوالي 11 كيلو متر للمرحلة الأولى، و35 كيلو متر عند اكتمالها وبها أكبر ساحة للمناسبات في العالم. وتبلغ التكلفة التقديرية لها حوالي 40 مليار جنيه.

فندق الماسة

هو أول إنشاءات العاصمة وتم بناؤه كأحد أهم نقاط الجذب بها، وتم توكيل إدارته إلى أحد أهم سلاسل الفنادق العالمية، وتم إنشاؤه على مساحة 10 أفدنة ويضم أكثر من 350 غرفة وجناح فندقي وقاعة للمؤتمرات، وقاعات احتفالات وبحيرة صناعية ضخمة وبلغت تكلفته التقديرية حوالي 3 مليارات جنيه. 

منطقة الأبراج

هي أهم وأضخم المناطق الاستثمارية بالعاصمة الإدارية الجديدة وتضم نحو 20 برجا بارتفاع 150 – 200 متر، بالإضافة إلى البرج الأيقوني والذي يعد أعلى برج في إفريقيا بارتفاع 385 مترا، وتتواجد قريبة من الحي الحكومي وتقام على مساحة 195 فدانا (1.7 مليون متر مربع) وتبلغ التكلفة التقديرية للمنطقة نحو 3 مليارات دولار.

محطة الحافلات

وهي مركز الحركة والنقل بالعاصمة؛ لنقل جميع موظفي الوزارات والمصالح والمتعاملين مع العاصمة، وتقام على مساحة 300 فدان، بالقرب من مدينة الثقافة والفنون ومحطة القطار الكهربائي وتضم أضخم جراج للأتوبيسات بمساحة 105 فدادين، تحت الأرض ومزودة بجراج سطحي يتسع لـ 6000 سيارة ومحطات بنزين ومراكز تجارية وتبلغ تكلفتها التقديرية نحو 30 مليار جنيه.

المدينة الرياضية

أحد أهم المعالم للعاصمة الإدارية أقيمت على مساحة 95 فدانا، تحتوي على عدد من الأندية الرياضية والاجتماعية وبها ملاعب لكرة القدم وكرة خماسية وكرة السلة، والطائرة والتنس والإسكواش وكرة شاطئية وهوكي وألعاب قتالية وحمامات السباحة وصالة مغطاة تتسع لعدد 700 شخص، وثلاث استادات رياضية؛ لاستقبال البطولات الدولية وكأس العالم والأولمبياد ومبنى للثقافة والتكنولوجيا ومنطقة متكاملة للأطفال، وتبلغ التكلفة التقديرية لهذه المدينة نحو 8 مليارات جنيه.

جدير بالذكر، أن هناك مدينة رياضية أخرى أقيمت على طريق العين السخنة تكلفت ما يزيد عن 15 مليار جنيه.

المطار

وهو نقطة ارتكاز في العاصمة ومن أوائل الإنشاءات التي تمت بها (وهناك بعض الأقاويل عن موقعه وتشغيله) ويقع عند الكيلو 61 طريق القاهرة السويس، ويضم بخلاف ممر الهبوط وممرات ومواقف الانتظار للطائرات وأبراج المراقبة ومبنى ركاب للسفر والوصول بسعة 300 راكب/ ساعة ومكاتب طيران وكاونترات وصول، وسفر وكافة الخدمات المطلوبة للمطار وتبلغ مساحته 16 كيلو متر مربع وتبلغ تكلفته التقديرية حوالي 5 مليارات جنيه.

المونوريل

أطول مونوريل في العالم بطول يصل إلى 96 كيلو متر وينقسم إلى قسمين: غرب النيل من أكتوبر حتى القاهرة بطول 42 كيلو و12 محطة وشرق النيل بطول 54 كيلو وعدد 21 محطة، وهو خط ناقل أحادي السكة تتحرك على كمرة خرسانية واحدة وتعمل بدون سائق وتبلغ تكلفته التقديرية نحو 4.5 مليارات دولار.

القطار الخفيف LRT

هو خط قطار كهربائي يربط مدينة السلام بالعاصمة الإدارية الجديدة؛ مروراً بمدن العبور – المستقبل – الشروق – العاشر – بدر – العاصمة بطول 103 كيلو متر وتبلغ التكلفة التقديرية نحو 1.2 مليار دولار

المناطق السكنية

R3

مساحتها 1000 فدان وتضم 8 مجاورات سكنية بها أكثر من 19 ألف شقة و330 فيلا و624 تاون هاوس، ومناطق ترفيهية وحدائق ومراكز تجارية بخلاف كمبوند المقصد وتبلغ التكلفة التقديرية نحو 60 مليار جنيه.

R2

حي سكني متكامل على مساحة إجمالية 1169 فدانا ومساحة الإسكان فيه نحو 544 فدانا 17 ألف وحدة و2844 فيلا دوبلكس و1425 فيلا بالإضافة إلى المباني الإدارية، والخدمية والتجارية ومناطق اللاندسكيب وتبلغ تكلفته التقديرية نحو 70 مليار جنيه.

R5 (جارد سيتي)

وتبلغ مساحة R5 حوالي 1000 فدان، ويقام على طراز المباني المميزة لحي جاردن سيتي ويضم 295 مبنى سكني و105 فيلا و11 برجا سكنيا و175 مبنى فيلات توين هاوس، بإجمالي 25000 وحدة سكنية بخلاف المباني الإدارية والتجارية والخدمات وتبلغ تكلفته التقديرية حوالي 70 مليار جنيه.