التطوير والتنمية العمرانية منهج واحترافية

عملية التطوير والتنمية، هي عملية علمية ومنهجية وقد قام الإنسان عبر التاريخ البشري بتجربتها، وتقنينها وعمل الدراسات والأبحاث والمراجع ومن أبجدياتها، أن المجتمعات تنمو ولا توضع كما هي وبالتالي يبدأ أي مشروع تنمية حقيقي بكائن صغير أساسي فمكون/ مكونات مركزية، تكون إما صناعة أو زراعة أو حرف أو تجارة تنمو حولها المساكن والخدمات والمشروعات والاستثمارات، وبقدر نجاح عناصر الجذب الأولى والخدمات المحيطة بها تنجح تجارب التنمية، وليس الأمر في مصر ببعيد فلدينا مصر الجديدة التي طورها البارون إمبان في بدايات القرن الماضي، وكيف خلق لها من عناصر الجذب نوادي ومساكن وأماكن ترفيه وخدمات مثل المترو، الذي سمح لها بالتنمية أو مدينة نصر في منتصف القرن الماضي أيضاً، تقريباً بنفس العناصر ولكن عن طريق الدولة، وهو ما أدى إلى بعض الطول في التجربة بينما في العصر الحديث وفي أقل من 30 عاماً، نجح مطور من القطاع الخاص مثل الرحاب ومدينتي في خلق مجتمعات نموذجية، وبفكر استثماري لم يتطلب منه استثمارات ضخمة بقدر ما كان من عوائد بيع هذه الوحدات وليست أهم مناطق مصر، وهي التجمع الخامس ببعيد ففي أقل من 20 عاماً أصبحت درة المناطق وتمددت بشكل كبير، حتى أن من يسير في الطريق الدائري الأوسطي الفاصل بين التجمع والعاصمة يجد أن التجمع بالفعل، قد ملأت كل حدوده ووصل إلى منتهى الاكتمال والاقتراب منه.

الهوية المعمارية:

ومن المهم أيضاً، دراسة المدن الجديدة في مصر مثل الشروق وبدر وأكتوبر والتجمع وزايد والسادات، وليس بعيد المعلومات التي تتحدث عن معدلات نمو كل واحدة منها، ومقدار ما تحقق من إشغال سكاني حقيقي أمام الإنفاق الذي تم على التنمية ومن الممكن ضرب المثل، بمدينة السادات التي كان مخططاً لها يوماً أن تكون عاصمة جديدة وبنيت فيها مقار للوزارات، ومساكن ومباني ظلت خاوية لعشرات السنين لحين حدوث النمو الطبيعي لها؛ نتيجة نمو المصانع والمزارع حولها أو مثل مدينة بدر وهي إحدى المدن الناجحة بقياس المعدلات؛ لوجود مناطق صناعية ومساكن مناسبة أخذت في النمو عبر سنوات، وكذلك أكتوبر والعاشر على عكس مدن مثل، الشروق أخذت وقتاً أطول من التنمية لافتقادها بعض عناصر التنمية.

ومن المهم في المشروعات التنموية، وخاصة من الحجم الكبير أن يكون هناك هوية معمارية للمشروعات العمرانية تلك الهوية التي يجب أن تعبر عن المعاني، والرؤية التي يسعى صاحب المشروع لإظهارها وتوصيلها وبالتالي، فإن وجود هوية معمارية للمشروع يعكس الرؤية وراء هذا المشروع، وهو ما يتم انتقاده بشدة في حالة تصميمات العاصمة الإدارية الجديدة، سواء من حيث ظهور نمط معماري واضح أو توجه تصميمي بين التجمعات العمرانية السكانية، وما بها من مراكز تجارية أو إدارية أو خدمية ناهيك عن العلاقة بين المدن النوعية المختلفة، سواء العدالة والمعرفة والثقافة والمباني الحكومية والبرلمان وغيرها، وقد نجد أن هناك محاولات محمومة لاتباع النموذج الخاص بدبي والتي يوجه لها نفس الاتهام بافتقاد الهوية المعمارية والثقافية وأكبر مثال على ذلك:

 

تكامل العناصر التخطيطية:

وقد كانت أحد النقاط الهامة التي لاحظناها في تخطيط العاصمة الإدارية بعيداً بالطبع عن اللفظ “أفعل” “أفضل” ” أكبر” “أطول” وجود مدن مختلفة لكل جهة نوعية مثل، مدينة المعرفة ومدينة الثقافة والفنون يقطع بلا مجال للشك فكرة التكامل داخل المدينة، والإحساس بالانسيابية والتجانس لإعطاء صفة الحقيقة والطبيعة لمثل هذه المدينة الذكية. وبشكل أساسي، فإن حجم البنية التحتية الضخم المطلوب تنفيذه على أعلى مستوى، وآخر ما وصلت تكنولوجيا لهذه المساحات الشاسعة دون أن يكتمل التخطيط الجيد، والنمو الطبيعي لمثل هذه المشروعات أدى إلى عمليات إهدار كبير لما يتم تنفيذه، وإعادته لتحديثه أو لتعارضه مع متطلب جديد حتى أن الزائر للعاصمة بعد كل هذه السنوات لا يجد شارعاً وحيداً إلا وأعيد أو يعاد تكسيره لمرتين أو ثلاث، ولا يستطيع أن يجد منها طريقاً مع كل ما يبذل من جهد يفوق طاقة البشر للقائمين على العمل، ولكنها طبيعة العمل الهندسي وما يقتضيه من دراسات وتخطيط وتنسيق ومراجعة، وهو ما لم يكن ممكناً في ظل ضغط المواعيد المضغوطة، والمشروعات التي يتم تقديمها على عجل رغم بريقها.

وبالتالي يصبح أكبر التحديات، هو كيفية توفير التمويل اللازم؛ لإنهاء واستكمال كافة المرافق والخدمات اللازمة، لتشغيل المرحلة الأولى من أعمال شبكات وطرق واستكمال المرافق اللازمة، حيث نجد على سبيل المثال المنتقلين إلى معظم الوزارات وقد عجزت الحكومة عن توفير وسائل النقل المريحة لهم، أو تسليمهم الوحدات السكنية التي يجب أن يتسلموها؛ ليعيشوا فيها بما يهدد سلامة المشروع ونجاحه، حيث أن من أهم مميزات المشروعات التنموية هي أنه في حالة فشلها في نيل رضاء ونجاح المستخدمين، فإنها قد لا تنجح أو تحتاج إلى وقت طويل واستثمار ضخم لإعادة إنجاحها.

إنقاذ العاصمة

على أن ما تم إنجازه في العاصمة الإدارية الجديدة يعد تحدياً كبيراً وشهد حجم أعمال غير مسبوق أمر يستحق الحفاظ عليه ومحاولة استعادة ما تم استثماره فيها ويلزم لذلك اتباع القواعد الاحترافية المرتبطة بأعمال التنمية العمرانية وتبدأ الفكرة الأساسية من تقليل المساحة المستهدفة من الافتتاح ومن التشغيل وتدريج تشغيل المدينة على مراحل بشكل يسمح بذاتية التمويل فعلى سبيل المثال بدلاً من استهداف افتتاح 3500 – 4000 فدان يمكن استهداف 300 فدان تضم الحي الحكومي وأحد الأحياء السكنية وتمهيد الطرق واستكمال المرافق وتوصيل الخدمات وخلق حياة كاملة بها وهذه تعد مساحة ضخمه إذا ما قورنت بمساحة مدينة مثل الرحاب أو مدينتي على أن يتوقف الاستثمار فوراً في باقي المشروعات التي لم تنتهي أو تتجاوز نسبه تنفيذها الـ 80% بشكل حقيقي وتأجيل ما لم يبدأ منها والتوقف فوراً عن بدء المرحلة الثانية وإسنادها إلى مطوري القطاع الخاص بمزايا تفضيلية كبيرة في الضرائب ومدد السداد والعمل على دعم مشروعات الخاص في التطوير العقاري والتي تعاني بشكل كبير نتيجة ارتفاع سعر الأرض وقصر مدد السداد ومدد التنفيذ مما أدى وسيؤدي إلى تعثرات كبيرة ومتتالية وهو ما يهدد بالتبعية إلى فشل المشروع بالكامل نتيجه فقدان الثقة في المشروعات القائمة فيها وضياع أموال صغار المستثمرين الذين أودعوا أموالهم في المشروعات ثقة منهم في الحكومة ويجب العمل على خلق نموذج يمكن تطبيقه لكل المشروعات متضمنة قدرة المستثمر المطور للمشروع ومواصفات المشروع والتكلفة المتوقعة وقيمة المبيعات العادلة ودراسة طريقة تحسين اقتصاديات المشروع عبر حزم تحفيز تشمل تأخير الأقساط وتوفير مواد خام بأسعار تمكن من نجاح المشروع وصولاً إلى إعفاءات ضريبية وذلك لإنجاح تلك المشروعات ورفع الثقة في مشروعات العاصمة ومن الممكن أن تشمل التحفيزات إعفاءات كبيرة للشركات العالمية الكبرى التي تنتقل للعمل بالعاصمة والشركات المحلية التي تنقل مقرها وانشطتها إليها وهذا من شأنه تدعيم التحرك إلى العاصمة على أنه قد يكون من أهم الأدوات هو توفير خدمات النقل النشط المدعومة من الحكومة في السنوات الخمس الأولى لتشغيل العاصمة شامل الأتوبيسات والقطار الخفيف والعمل على سرعة تشغيل المونوريل فقط لمنطقة شرق القاهرة أو من العاصمة حتى مدينة نصر وإعطائه أولوية قصوى وقيام الحكومة بالوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين بها بتوفير مساكن مناسبة بفترات تقسيط طويلة وأقساط مناسبة لدخولهم وتطوير تخطيط المدينة في المراحل المستقبلية لإضافة أنشطة صناعية وتجارية تساعد على تنشيط المدينة وجذب الاستثمارات بها.