بتاريخ 2 مارس/ آذار 2023، أعلن رئيس الجمهورية عن رفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل السنوي من 24 ألف جنيه، ليكون بقيمة 36 ألف جنيه سنوياً، اعتباراً من أول إبريل/ نيسان 2023. فهل يكفي هذا الحد للزيادات المضطردة في الأسعار وانخفاض قيمة الجنية المصري على نحو غير مسبوق؟ وهل يتناسب هذا الحد مع كفالة الحياة البسيطة لغالبية الشعب المصري؟

وبحسب موقع “مصراوي” بتاريخ 19 مارس/ آذار، فقد أعلن رجب محروس، مستشار رئيس مصلحة الضرائب، تفاصيل إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي، رفع حد الإعفاء الضريبي ليصبح 36 ألف جنيه سنوياً بدلاً من 24 ألف جنيه. قائلًا: “إنه وفقًا لتعليمات الرئيس السيسي، الأمر هدفه تخفيف العبء الناتج عن التداعيات الاقتصادية العالمية، بزيادة الإعفاء الضريبي على المرتبات والنشاط التجاري.

ومفهوم ضريبة الدخل أنها: ضريبة مباشرة يتم اقتطاعها مباشرة من دخل الفرد، سواء ثروته أو أمواله محل الضريبة، وهي تفرض على الأشخاص الطبيعيين بصفة صريحة وإلزامية ونهائية وبأسلوب العدالة، حيث أنها لا تدفع بالتساوي بين المواطنين بل تتناسب مع مستوى دخولهم ونشاطاتهم الاقتصادية، إضافة إلى الوضع العائلي والالتزامات الأخرى وهي ضريبة سنوية ووحيدة.

وإذا كان الإعفاء الضريبي يعني: عدم إلزام الأشخاص بدفع أي ضرائب للدولة وفقًا لشروط محددة تفرضها الحكومة، وبشكل عام يتم تقديم الإعفاء من الضرائب لأفراد، أو لمنظمات تصنف ضمن فئة تشجعها الحكومة اقتصاديًا، مثل المنظمات الخيرية، وحد الإعفاء الشخصي وجود دخل معين لا يمكن المساس به ضريبياً، بما يعني أنه لازم لزوم الكفاية للمواطنين وأسرهم، بمعنى أن ذلك الحد أو المبلغ المربوط على أساسه حد الإعفاء، يجب أن يكون كافياً بالفعل لضمان حياة الأسرة بما فيها من أفراد، وبما يشمل احتياجاتهم كافة من مأكل وملبس ومشرب وتعليم وصحة ، أو بمعنى شامل كافة متطلبات الحياة الكريمة للمواطنين، وهو الأمر الذي يجعل من المعيشة أمراً مناسباً لعموم المواطنين.

لكن، إذا ما تعرضنا لما تمر به الحياة الاقتصادية المصرية خلال الأشهر الأخيرة، وبما هو الحال من أمر المتطلبات الضرورية للمواطنين، وإذا ما أخذنا الغذاء اللازم للإنسان كمثال حالة، فإنه خلال الأشهر الأخيرة قد ارتفعت أسعار السلع الغذائية على نحو متضاعف وسريع ولا يتناسب مع مستوى الدخول المالية لغالبية الشعب المصري، وإذا ما وضعنا بند اللحوم فقط على مائدة الحوار، تجد أن الكيلو الواحد قد شهد ارتفاعا غريبا، حيث وصل إلى ما فوق ثلاثمائة وخمسين جنيها للكيلو الواحد، فإن المبلغ المرصود كحد إعفاء ضريبي يكاد أن يساوي قيمة مائة وثلاثة كيلو لحم فقط ، وهو ما يعني أن لكل أسرة يعولها مواطن من ذوي تلك الدخول نصيبها الشهري ثمانية كيلو ونصف شهريا فقط، دون النظر إلى بقية السلع والمتطلبات الغذائية الأخرى التي تحتاجها الأسر من خبز وخضار وما إلى ذلك، كل ذلك بغض النظر عن بقية الاحتياجات الآدمية من كهرباء ومياه وغاز، ناهيك عن الاحتياجات التعليمية أو الصحية.

والسؤال الجوهري، هل يتناسب ذلك الحد مع كل هذه الاحتياجات في ظل حالة العوز وتدني قيمة الجنيه؟ أم هل يتوافق مستوى الدخول مع الاحتياجات الضرورية للإنسان؟ في ظل دستور يضمن للمواطنين حياة مستقرة، وفي ظل اتفاقيات حقوقية وافقت عليها الحكومة المصرية تسعى إلى تأمين حياة المواطنين وتوفير متطلباتهم الضرورية واحتياجاتهم الأساسية.

الأمر يبدو محيراً في وقت بلغت الديون على الدولة المصرية مدى لم تصل إليه من قبل، وفي ظل انخفاض رهيب لقيمة العملة المصرية، مع ارتفاع مستمر لا يقف لأسعار السلع الأساسي كافة، حتى تلك التي تديرها الحكومة، إذ أننا جميعا قد لاحظنا ارتفاع أسعار وسائل النقل الحكومية مع الارتفاع الأخير للمنتجات البترولية، وفي ظل غياب إرادة السلطة التنفيذية أو قدرتها على التدخل لضبط الأسعار، وترك الأمر لسياسة السوق التي لا يفرق عنده الفقير أو الغني، والأمر يقف عند حد القدرة على الشراء فقط.

كنت أعتقد، أن على الحكومة أن تقوم بمهامها الحقيقية حيال تلك الانهيارات الرهيبة للعملة المصرية، بأن تسعى لضمان نوع من الحياة شبه الآمن لجموع المواطنين، إذ أن ذلك هو العمل الرئيسي لأي حكومة في أي دولة، إذ أن دور الحكومات الحقيقي تجاه مجتمعاتها هو أن تضمن لهم حياة آمنة، بها غالبية احتياجاتهم الأساسية واللازمة لبقائهم، لا أن تتركهم فريسة السوق أو أن تكون أحد الأدوات الفاعلة أو المشاركة في استشراء الغلاء.

الأمر يبدو من هذه الناحية مأسوي إلى درجة قد لا يتخيلها البعض، أو لا تروق للبعض من الموالين للنظام، لكن ترك الأمور على هذه الشاكلة قد لا يحمد عقباه، أو لا ترجى نتائجه عند أكثر المتفائلين، إذ أن اتساع مساحة الفقر إلى درجة قد طالت مواطنين لم يكن يدور ببالهم أن تنال منهم تلك الأزمة المالية الطاحنة، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة.

أرى أن الأمر لا بد أن يعود لجادته وعلى الأقل فيما يخص هذا المقال المتعلق بحد الإعفاء الضريبي، حيث يجب على السلطة النيابية “مجلس النواب” أن يسعى بشكل عاجل إلى استصدار تشريع يكون بمثابة ضخ أنبوبة أكسجين لرئة المواطنين، متضمنا رفع ذلك الحد الضريبي بشكل مناسب فعليا لما هو عليه الوضع العام للسلع، وارتفاع أسعارها بهذا الشكل غير المسبوق، كما يجب أن يتناسب من ناحية أخرى مع حقيقة دخول المصريين، وأعتقد أن ذلك من صميم عمل البرلمان، حيث أن سلطتيه التشريعية والرقابية على أعمال الحكومة أو السلطة التنفيذية، تجعله مطالعا لكل مستجد في حياة المواطنين، ولا يجب أن يقف عن حد الوقوف على جانب السلطة التنفيذية، إذ أن الأزمة فعليا طاحنة، والأمر يفوق مقدرات المواطنين ويكاد يقرب بهم إلى حافة لا أعتقد أنها قد تعجب أو تروق لبال القائمين على السلطة، كما أنه لا يمكن دوما الانتظار لتدخل السلطة التنفيذية بموجب قرارات جمهورية في مجال هو في الأصل محجوز لعمل السلطة التنفيذية.