عزا الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق، عدم تحقيق جهود الإصلاح الاقتصادي في مصر الانتعاش المأمول لها، إلى “عامل الإنكار”، مدللًا على ذلك ببيان أصدرته الحكومة المصرية للرد على تشاؤم وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، نسبت فيه غالبية الأزمة الاقتصادية إلى جائحة كورونا وحرب روسيا على أوكرانيا.
قال بهاء الدين: في مقال تحليلي نشرته فاينانشيال تايمز بعنوان “مصر يجب عليها مواجهة الواقع والإصلاح للبناء على قصص نجاحها”، إن الإنكار لم يعد مقبولًا من قبل معظم المحللين والمراقبين المستقلين، الذين باتوا قلقين بشأن إنكار تأثير الأسباب الذاتية للأزمة بمصر، ومنها الإنفاق المفرط على مشاريع البنية التحتية طويلة الأجل، وعدم الحصافة في الاقتراض محليًا ودوليًا، والنمو غير المسبوق لدور الدولة في الاقتصاد، والبيئة شديدة البيروقراطية التي تواجه مستثمري القطاع الخاص.
بهاء الدين -الذي كان وزيرًا للتعاون الدولي في حكومة الدكتور حازم الببلاوي- اعتبر الاعتراف بأخطاء السياسة السابقة شرطًا مسبقًا ضروريًا للشروع في مسار إصلاح شامل، وتحويل الاقتصاد الذي شهد تضخمًا رسميًا وصل إلى 40%، وازدهار السوق السوداء للعملات، وقيود الاستيراد التي تضر بالقدرات الإنتاجية، ووصول عبء الديون المصرية إلى مستوى جديد. وارتفاعات تنذر بالخطر، علاوة على الدعم الفاتر من دول الخليج- التي يُنظر إليها تقليديًا على أنها مانح الملاذ الأخير.
من الانطلاق للتعثر
يسترجع المقال واقع الاقتصاد المصري في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، حين بدا أن مصر كانت على وشك الانطلاق في برنامج الإصلاح الاقتصادي؛ لإخراج أكبر اقتصاد في شمال إفريقيا من أزمة متنامية بدأت في أوائل عام 2022، وشمل ذلك اتفاقية جديدة مع صندوق النقد الدولي، وخفض قيمة الجنيه المصري بنسبة 50%، والإعلان عن سياسة جديدة؛ لتقليص دور الدولة في الاقتصاد، وتخصيص 32 شركة مملوكة للدولة لبرنامج الطروحات، وقد قوبلت هذه الإجراءات ببعض الحماس بأن مصر كانت تتخذ أخيرًا الخطوات الجريئة اللازمة للشروع في مسار النمو.
لكن بعد عدة أشهر، أصبح المستثمرون المحليون والأجانب على حد سواء، وكذلك وكالات التصنيف والمؤسسات المالية الدولية، متشككين بشكل متزايد في تحقيق تلك الإصلاحات الموعودة، وظلت المؤشرات الاقتصادية الرئيسية بعيدة عن كونها مطمئنة، حتى خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لمصر لأول مرة منذ عقد بسبب ارتفاع متطلبات التمويل الخارجي بالبلاد، والقيود المفروضة على الحصول على التمويل في المستقبل، فضلاً عن مقاييس الدين العام المرتفع.
الشركات تبحث عن التكيف
في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد عمومًا ومعه الغالبية العامة لشركات القطاع الخاص، وجدت بعض الشركات على مختلف أنواعها سواء كبيرة أم صغيرة فرصًا، بالتغيير والتكيف مع الوضع الطبيعي الجديد، عبر لعبة التصدير التي ساعدت العشرات من المنتجين الزراعيين، وشركات الأعشاب والبستنة ومصنعي مواد البناء والملابس والسلع الخفيفة، فضلًا عن مقدمي الحلول التكنولوجية، في إيجاد طريقهم إلى الأسواق المتنامية في المنطقة وخارجها.
يضيف بهاء الدين، أن السمات المشتركة بين تلك الشركات الناجحة أنها محدودة، ما يشير إلى صعوبة الأزمة الاقتصادية الحالية. لقد اعتمدت هذه الشركات في الغالب -كما يقول بهاء الدين- على المدخلات المحلية، وبالتالي تجنب قيود الاستيراد، ذلك إلى جانب تجنب المنافسة من قبل الشركات الحكومية، والحد من نمو النفقات العامة، لكن هذا لا يكفي فتحقيق النمو والتغلب على الصعوبات الاقتصادية الحالية ، يحتاج من مصر إلى تحويل تلك الأقلية من الشركات الناجحة إلى أغلبية ساحقة.
حزمة إجراءات ليست كافية
يشير بهاء الدين، إلى حزمة شاملة من الإجراءات الصديقة للاستثمار تبنتها الحكومة في 16 مايو/ أيار الحالي، تهدف إلى تعزيز استثمارات القطاع الخاص من خلال تقليل العقبات البيروقراطية، وتوفير بعض الضمانات للمنافسة العادلة مع الدولة، وإيضاح الضرائب، وهي تدابير مرحب بها كثيرًا، ربما للإشارة الإيجابية التي ترسلها أكثر من جوهرها ومحتواها.
بحسب الوزير السابق، فإن تغيير مسار الاقتصاد يتطلب أكثر بكثير من مجرد تسهيل إصدار التصاريح، أو توفير بعض الإعفاءات الضريبية لكي تكون الرسالة مقنعة حقًا، وتجذب انتباه المجتمع المتشكك من المستثمرين الدوليين والمحليين، وكذلك وكالات التصنيف، مطالبًا باعتماد برنامج إصلاح اقتصادي شامل، والإعلان عنه ومتابعته. إذ حينها فقط ستصبح قصص النجاح هي القاعدة وستتحقق الفرص والإمكانات الوفيرة في مصر.