استقبلت صوامع وزارة التموين منذ بدء موسم توريد القمح في الثامن من إبريل/ نيسان الماضي وحتى مطلع الأسبوع، نحو 2.9 مليون طن قمح، تعادل 60% من حجم محصول القمح المزروع في المحافظات الذي تبلغ مساحته الإجمالية نحو 3.4 مليون فدان قمح.
تسعى الحكومة للحصول على 4 ملايين طن، لتأمين منظومة دعم الخبز من القمح المحلي اللازم؛ لإنتاج رغيف الخبز البلدي (العيش)، قبل نهاية موسم التوريد في أغسطس/ آب المقبل، في ظل منافسة كبيرة من القطاع الخاص الذي يقدم أسعارًا أعلى.
لكن نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، يقول إن الأيام الأخيرة شهدت قدرًا من تكاسل المزارعين في توريد القمح؛ بسبب ارتفاع الحبوب البديلة مثل الذرة وفول الصويا، حتى كيلو الردة (قشرة القمح الخارجية فقيرة القيمة الغذائية للماشية) تُباع بـ 11 جنيهًا، بينما سعر حبة القمح الكاملة بـ 10 جنيهات للكيلو، وذلك رغم رفع الحكومة سعر التوريد بنسبة جيدًا قبل بداية الموسم.
رفعت الحكومة القمح المحلي المورد نسبة نقاوة 23.5 إلى 1500 جنيه للأردب، ودرجة نقاوة 23 إلى 1475 للإردب، ودرجة نقاوة 22.5 إلى 1450 للإردب، ونص قرار التوريد أن يكون لصالح الشركات: المصرية القابضة للصوامع، والعامة للصوامع، والمطاحن التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، والبنك الزراعي المصري.
يشير أبو صدام، لمفارقات غريبة في الموسم الحالي منها انخفاض سعر حِمل التبن (بكسر الحاء)، وهو مقياس لوزن أعواد القمح المُقطعة يزن نحو 150 كيلو، من 400 جنيه للموسم الماضي إلى 100 جنيه للموسم الحالي، ما جعل بعض المزارعين الكبار يفضلون تخزين القمح في منازلهم على أمل ارتفاع أسعاره، خاصة أن الحكومة تحظر النقل بين المحافظات أو استخدامه كعلف ولا تهتم بالتخزين المنزلي.
اجتماع حكومي للتشجيع على التوريد
أمام “تكاسل التوريد”، عقد السيد القصير، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، اجتماعًا قبل يومين، مع مديري مديريات الزراعة بالمحافظات طالبهم فيه بالتواجد مع المزارعين على أرض الواقع؛ لإزالة أي عقبات تواجههم فورًا من أجل تسهيل توريد القمح، بجانب المتابعة اليومية للتوريد والتنسيق أيضًا مع المسئولين في وزارتي التنمية المحلية والتموين.
وسعت الحكومة، إلى ضمان توريد المحصول بكل الطرق الممكنة، وزادت نقاط التجميع والاستلام لتبلغ حوالى 4500 نقطة لحث المزارعين على توريد القمح، وكذلك سداد القيمة فورًا وبحد أقصى 48 ساعة، كما بحث أيضًا منظومة توزيع الأسمدة وسرعة الانتهاء من استخراج، وتسليم الكارت الذكي بالتعاون مع البنك الزراعي.
لكن أبو صدام يقول، إن الحكومة ذاتها استوردت كميات كبيرة من القمح بسعر 298 دولارًا، وهو أقل بكثير من القمح المحلي، ورغم سعيها للحصول على الأخير، لكنها لا تتواصل مع المزارعين وقياداتهم، وتعتمد على الموظفين في الجمعيات الذين لا يبالي قطاع منهم بالتنفيذ أو التواجد مع الفلاح، وتشجيعه على التوريد وشرح أهميته لهم، وكل ما يهم الموظف هو الحضور والانصراف والراتب.
القطاع الخاص ينافس الحكومة
ينافس القطاع الخاص الحكومة، أيضًا، على 9.5 مليون طن من القمح، تمثل إجمالي إنتاجية الأراضي الزراعية المحلية، فبينما رفع التجار الأسعار بنحو 300 جنيه للإردب، لجأت وزارة التموين لقرارات إدارية وزيادة حملات التفتيش والمداهمة؛ لمنع تحول الإنتاجية إلى أعلاف.
حظرت الحكومة على أصحاب المزارع السمكية والمسئولين عن إدارتها، استخدام القمح المحلي أو حيازته، مع مطالبة أصحاب مطاحن القطاع الخاص المنتجة للدقيق الحر، والمسئولين عنها تدبير احتياجاتهم من الأقماح المستوردة، وحظر استخدامهم القمح المحلي أثناء موسم التسويق الذي ينتهي بنهاية أغسطس/ آب.
كشفت الحملات التفتيشية على أصحاب مزارع السمك ومصانع الأعلاف، وجود كميات القمح التي يتم تحويلها لأعلاف، فضلًا عن مجموعة من التجار الصغار الذين يخزنون أقماح؛ لإعادة بيعها بأسعار أعلى بعد نهاية موسم التوريد.
في يوم واحد فقط، تمكنت جهات حكومية من ضبط 105 أطنان قمح محلي بالدقهلية و200 طن بالبحيرة، و50 طنًا في الجيزة، و53 طنًا في الفيوم، كان يتم نقلها بين المحافظات، رغم تغليظ العقوبة على احتكار الأقماح أو استخدامها في إنتاج الأعلاف.
التموين تعترف
مجدي الخضر، وكيل وزارة التموين قال، إنه رغم تسعير أردب القمح بـ1500 جنيه للموسم الحالي، لكن لوحظ بيع القمح لبعض الأشخاص الذين يستخدموا في بعض الأغراض الأخرى مثل، صناعة الأعلاف وإطعام الأسماك في المزارع،مضيفا أنهم يقدمون سعرًا أعلى من المحدد من قبل التموين التي تستخدمه القمح من أجل إنتاج رغيف الخبز.
وأضاف الخضر، أن الحملة التفتيشية على أصحاب مزارع السمك ومصانع الأعلاف، وجدت كميات القمح التي تستخدم في أغراض أخرى غير الغرض المخصص لها، مضيفًا أن الحظر والعقوبات ستكون على أصحاب المصانع والمزارع السمكية، وليس على الفلاح ذاته.
ورغم تراجع أسعار الأعلاف خلال الأسابيع الأخيرة مع حلحلة ملف الاستيراد، لا يزال القمح أرخص بكثير ، فطن “علف بادي” (الكتاكيت الصغيرة) بـ 21000 جنيه والنامى (الأكبر سنًا) بـ 25200 جنيه للطن، والبياض بـ 21.5 جنيه، بينما بلغ سعر طن الذرة الصفراء الأرجنتيني نحو 15.7 ألف جنيه، وبلغ سعر إردب الذرة الشامية ما بين 3600 و3700 جنيه (إردب الذرة 140 كيلو جرام).
وزارة التموين تشتري إردب القمح بنحو 1500 جنيه، والطن يعادل 6.6 إردب أي نحو 10 آلاف جنيه، والقطاع الخاص رغم أنه يشتري بأسعار أعلى من الحكومة بمتوسط 25%، لكن في النهاية سيكون الوفر كبيرا حال استبدال جزء من العلف بالقمح المدشوش، بحسب صاحب مزرعة في الغربية رفض ذكر اسمه.
تغليظ عقوبات احتكار القمح
غلظت الحكومة عقوبة احتكار محصول القمح المحلي إلى الحبس 3 سنوات وغرامة مليون جنيه، وذلك في استدراك على القرار الوزاري رقم 51 لعام 2022، بشأن تنظيم تداول الأقماح المحلية لموسم حصاد القمح الذي حظر فيه نقل القمح الناتج عن عام 2022، إلى أي مكان آخر إلا بعد الحصول على تصريح.
جاء التعديل لمواجهة ضعف العقوبة في قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، الذي ينص على أن معاقبة “الأشخاص الذين تسببوا في علو أو انحطاط أسعار غلال أو بضائع عن القيمة المقررة بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصري أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط”، ومضاعفتها حال تعلق الأمر بسعر اللحوم أو الخبز.
وزير الزراعة في اجتماعه الأخير مع مديري المديريات بالوزارة ناقش حلاً مستقبليًا لمحصول القمح، يتمثل في بحث آليات عودة الدورة الزراعية، اعتباًرا من الموسم القادم في المحاصيل الاستراتيجية الأربعة، القمح والأرز والذرة والقطن خاصة بعد تفعيل منظومة الزراعة التعاقدية، وشراء المحاصيل من المزارعين بأسعار مجزية.
ورغم إمكانية تعزيز تلك الفكرة للمساحات المزرعة بمحصول القمح وبدائله، لكن نقيب الفلاحين يرى أن الدورة الزراعية صعبة التطبيق بعد السوق الحرة، والزراعة التعاقدية هي الأفضل خاصة، أن المزارع حاليًا لا يمكن إجباره على زراعة المحاصيل، ويبحث عن الربحية، وكميات القمح حينما ارتفعت جاءت بفضل وضع سعر للتوريد قبل الزراعة.