تفاقمت العلاقات المتوترة بين إسرائيل والولايات المتحدة -والتي تُعاني من التذبذب منذ تشكيل الحكومة اليمينية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، وخطتها لإصلاح قضائي- مجددا هذا الأسبوع. بعد أن قام عدد من المستوطنين، الاثنين الماضي، بإعادة بناء المدرسة الدينية المؤقتة في مستوطنة “حوميش” بالضفة الغربية، تمهيدا لتقنينها.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان: “نحن منزعجون بشدة من الأمر الذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية مؤخرا، والذي يسمح لمواطنيها بتأسيس وجود دائم في بؤرة حوميش الاستيطانية في شمال الضفة الغربية”.
ووفق تقرير نشره موقع المونيتور/ Al Monitor، تضم المدرسة الدينية الصغيرة في حوميش، 70 طالبًا وحاخاما واحدا.
ومع ذلك “فقد تمكنت من وضع سابقة تاريخية وقانونية، وسياسية مدوية هذا الأسبوع من خلال الانتقال إلى أماكن إقامة دائمة على أرض متنازع عليها في الضفة الغربية، مما يمثل انتصارًا لمعسكر إسرائيل القومي المؤيد للاستيطان”.
وتُعّد حوميش -مع ثلاث مستوطنات أخرى في الضفة الغربية- تم إخلاؤهم وتجريفهم في إطار فك الارتباط مع غزة عام 2005. حيث منع الإسرائيليون منذ ذلك الحين بموجب القانون من العيش في أي من المواقع الأربعة.
لكن، تعمل مدرسة حوميش الدينية في السنوات الأخيرة من خلال الادعاء بأنها مؤسسة أكاديمية، وطلابها لا يعيشون هناك بشكل دائم، وبالتالي لم تنتهك الحظر المفروض على الاستقرار هناك.
وكان من الواضح، أن هؤلاء الطلاب كانوا يعيشون على الأرض الفلسطينية.
اقرأ أيضا: واقع الدولة الواحدة.. هل يمكن إنقاذ “حل الدولتين”؟
قبل شهرين، ألغى الكنيست الإسرائيلي جزءًا من قانون فك الارتباط لعام 2005، مما سمح للإسرائيليين بالسفر إلى المستوطنات الأربعة المهدمة. ولكن ليس لإعادة بنائها أو الاستقرار هناك، في خطوة أدانتها بشدة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
بالإضافة إلى ذلك، قدم سكان قرية “برقة” المجاورة التماسا للمحكمة العليا في تل أبيب لهدم مدرسة حوميش، الواقعة على أراضي فلسطينية خاصة.
وهكذا، قرر المستوطنون نقلها، مع استبدال المزيد من الهياكل الدائمة بالخيام التي كانت تستخدم في الأصل.
تلاعب المستوطنين
زعم مسئولون إسرائيليون، أن إلغاء قانون فك الارتباط يسمح بنقل المدرسة الدينية من أنقاض مستوطنة حوميش إلى أراضي دولة مجاورة.
ومع ذلك، وفق تقرير المونيتور من الواضح، أن مثل هذه الخطوة تتطلب عملية موافقة قانونية مطولة، والتي لم تحدث.
ولتأمين هذه الخطوة، تم وضع الجيش الإسرائيلي في موقف لا يمكن الدفاع عنه، للتعاون مع عمل غير قانوني.
يقول التقرير: في احتفال قصير في الموقع الجديد، وقف رئيس مجلس مستوطنات السامرة “تسمية عبرية لأجزاء من الضفة الغربية” يوسي دجان ميزوزا عند المدخل، واصفا إياها بـ “لحظة تاريخية. تصحح ليس فقط الظلم الشخصي تجاه أولئك المطرودين -من حوميش- ولكن لجميع الذين تم طردهم من شعب إسرائيل”.
على مدى عقود من الاستيطان الإسرائيلي المثير للجدل للأراضي ذات الغالبية الفلسطينية، قام المستوطنون بأنشطة غير قانونية سعياً منهم؛ لتوسيع سيطرتهم على الأرض، والاشتباك بشكل دوري مع القوات المرسلة لتفكيك المستوطنات المخصصة.
يضيف: لكن هذه المرة من الواضح، أن الحكومة -أو جزءا منها- تقف وراء هذه الخطوة، في استفزاز واضح تجاه الفلسطينيين، وإدارة بايدن، والاتحاد الأوروبي.
وتابع: يعتقد قائد الجيش السابق الفريق جادي إيزنكوت -وهو نائب معارض حاليا- أن الخطوة تعكس التعيين غير المسبوق لوزيري دفاع. الأول، هو وزير الدفاع يوآف جالانت، المسئول عن شؤون الدفاع الشاملة. والثاني، هو وزير المالية والوزير في وزارة الدفاع القومي المتشدد، بتسلئيل سموتريتش، المسئول عن المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
أشار إيزنكوت، إلى أن تقسيم السلطة بين هذين الاثنين “غير واضح”، مما يسمح بتحركات سياسية غامضة وقدرًا من الإنكار.
وقال إيزنكوت: “لقد حنثت إسرائيل بوعدها الصريح للإدارات الأمريكية السابقة، وكذلك للإدارة الأمريكية الحالية، بعد أن وعدتهم قبل شهرين فقط”.
وقت الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة في 2005، التزم رئيس الوزراء الإسرائيلي -في ذلك الوقت- أرييل شارون للرئيس الأمريكي حينها جورج بوش الابن بعدم إعادة بناء مستوطنات الضفة الغربية. كما أشار نتنياهو، إلى التزامات حكومته الحالية في قمتي العقبة وشرم الشيخ بتجميد التوسع الاستيطاني، على الأقل لبضعة أشهر.
بالإضافة إلى ذلك، التزم نتنياهو لإدارة بايدن، بأنه على الرغم من إلغاء حظر عام 2005 قبل شهرين، فإن إسرائيل لن تبني بؤرا استيطانية جديدة على أراضي المستوطنات الأربع المهدومة.
وبخصوص الادعاءات الأمريكية بانتهاك الالتزامات، قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنجبي: لمحطة الإذاعة العسكرية يوم الثلاثاء “لا أعرف ما هو خرق الوعد الذي يتحدثون عنه -يقصد الأمريكيين- لم يكن هناك التزام فيما يتعلق بهيكل مدرسة دينية تم نقلها من مكان معين. ربما كان الفلسطينيون محقين فيه على الأرجح”.
ضد القانون
يأتي نقل المدرسة الدينية في وقت حرج بالنسبة لمستقبل الشرق الأوسط.
تشير المؤشرات الأخيرة، إلى أن إيران على بعد أسابيع فقط من التسلح النووي. كما عادت التكهنات إلى الظهور حول احتمال هجوم إسرائيلي على منشآت إيران النووية، وأجرى حزب الله الأسبوع الماضي مناورة عسكرية غير مسبوقة.
أيضا، ينفذ الجيش الإسرائيلي تدريبات عسكرية مكثفة في الشمال.
قال مصدر دبلوماسي أمريكي رفيع للمونيتور: “ليس حوميش فقط، بل كل ما يحدث. إنها حقيقة، لم يعد أحد يكلف نفسه عناء التصرف وفقًا للقانون”.
وأضاف: إنها حقيقة أن سموتريتش، يعلن أنه يعتزم مضاعفة عدد المستوطنين في المناطق. إنها حقيقة أن هناك شعورًا بأن الإسرائيليين يفعلون كل شيء لإثارة الاستفزازات في أقل وقت ممكن.
ونقل التقرير عن مسؤول كبير في تل أبيب -طلب عدم الكشف عن هويته- قوله: “إسرائيل بحاجة إلى الولايات المتحدة اليوم أكثر من أي وقت مضى. لكن الآن بالضبط تفعل إسرائيل كل ما في وسعها لإثارة حفيظة جميع حلفائها”.
ماذا سيفعل نتنياهو؟
بقول التقرير، إنه سيفعل ما يفعله عادة عندما يلعب في كلا الجانبين “يحاول التحكم في الضرر”.
كما أوضح المسئولون الأمريكيون، بالفعل لوزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر رأيهم في سلوك نتنياهو.
قال مصدر دبلوماسي غربي رفيع في تل أبيب للمونيتور، إن موافقة نتنياهو الضمنية على إعادة توطين حوميش “أبعدت احتمالات تحقيق انفراج في الجهود المتجددة؛ لتحقيق السلام مع السعودية. وحتى دعوة نتنياهو المرغوبة إلى البيت الأبيض”.
لكن، وفق التقرير، فإن نتنياهو واثق من أنه يستطيع الاستمرار في الذهاب مع المستوطنين إلى ما يرغبون فيه. والتظاهر بعدم القيام بذلك، والقضاء على أي فرصة للتهدئة في المناطق، أو المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين من جهة، والتوصل إلى سلام مع السعودية من جهة أخرى.
لكن، قال المصدر: “في المستقبل القريب، سيدرك أن مثل هذه المناورة تفوق قوته”.