في العامين الماضيين، أعلن الزعيم الصيني شي جين بينج عن ثلاث مبادرات عالمية. هي مبادرة التنمية العالمية (GDI)، ومبادرة الأمن العالمي (GSI)، ومبادرة الحضارة العالمية (GCI). بدت هذه المبادرات الجديدة وكأنها وسيلة لتعزيز شرعية الصورة الجديدة التي يقدمها الحزب الشيوعي الصيني، برئاسة شي.

لكن الأهم من ذلك، أنها تعكس كيف تطورت السياسة الخارجية للصين، والدروس المستفادة من مشاركة بكين العالمية في السنوات العشر، منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق (BRI).

في تحليله لبزوغ فجر الهيمنة الصينية، يشير الباحث الإسرائيلي المتخصص في الشأن الصيني، توفيا جيرنج، والذي نشره معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب/ INSS، إلى أن جهود بكين تسعى لتقويض إطار عمل واشنطن الأمني في الشرق الأوسط، وهو حجر الأساس لأمن إسرائيل. محذرا صانع القرار الإسرائيلي من إغضاب الحليف الأهم للدولة الصهيونية.

يقول: بعد الإشراف على توقيع اتفاقية تطبيع بين إيران والمملكة العربية السعودية في 10 مارس/ آذار 2023. أعلن وانج يي، كبير الدبلوماسيين الصينيين، أن “هذا انتصار للسلام”، وأكد أن الفضل في هذا الإنجاز “يجب أن يُمنح لمبادرة الأمن العالمي للأمين العام شي جين بينج (GSI)”.

كما ذكر وزير الخارجية الصيني تشين جانج نفس المبادرة كأساس محتمل لحل الحرب الأوكرانية. ومرة أخرى في محادثة مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في 17 أبريل/ نيسان، كوسيلة لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

بدت هذه المبادرات الجديدة وكأنها وسيلة لتعزيز شرعية الصورة الجديدة التي يقدمها الحزب الشيوعي الصيني برئاسة شي

اقرأ أيضا: معهد ستوكهولم: 64 عملية حفظ سلام تمت في 2022

ما بعد “الحزام والطريق”

على مدى العقد الماضي، كانت مبادرة الحزام والطريق (BRI) هي حجر الزاوية في سياسة الرئيس الصيني الخارجية، لكن -كما ذكر سابقا- هناك ثلاث مبادرات صينية إضافية تم إطلاقها في العامين الماضيين.

الأولى، هي مبادرة التنمية العالمية (GDI) التي أطلقها شي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2021.

يقول جيرنج: مع تباطؤ النمو العالمي في ظل فيروس كورونا، فإن هدف المبادرة المعلن هو مساعدة المجتمع الدولي في تحقيق أجندة الأمم المتحدة بالنسبة لأهداف التنمية المستدامة 2030.

وفي يونيو/ حزيران 2022، أعلنت الصين عن 32 خطوة ملموسة -مخرجات- لتنفيذها، والتي تجمع بين مبادرات التنمية الحالية التي تقودها الصين مع إضافة أدوات وموارد جديدة. من بينها مليار دولار أضيفت إلى صندوق التنمية بين الجنوب والجنوب بقيادة بكين، وقيمته ثلاثة مليارات دولار، وتدريب 100 ألف عامل من قبل الصين.

الثانية، هي مبادرة الأمن العالمي (GSI)، التي تم إطلاقها في أبريل/ نيسان 2022.

وهي تكمل المبادرة السابقة القائمة على الفكرة الماركسية الصينية، القائلة بأن “الأمن شرط أساسي للتنمية، والتنمية هي ضمان للأمن”.

في ورقة مفاهيم GSI نُشرت في فبراير/ شباط الماضي -في الذكرى السنوية الأولى للحرب في أوكرانيا- دعت الصين إلى “أمن مشترك وشامل وتعاوني ومستدام، يحترم سيادة الدول، ويعالج مخاوفها الأمنية المشروعة”.

يؤكد القادة الصينيون أن GSI يروج لمفهوم أمني جديد يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة، ويلتزم بالحل السلمي للنزاعات، ويحافظ على السلام العالمي في “الأمن التقليدي”، في المجالات المتعلقة بالحرب وسياسات القوة. و “الأمن غير التقليدي”، مثل المناخ والاقتصاد والإنترنت والأوبئة.

وقد انضمت مبادرة الحضارة العالمية (GCI) إلى سابقتيها في مارس/ آذار الماضي.

وهي تركز على مجالات “القوة الناعمة” مثل التعليم والثقافة والقيم.

وفقًا لوزير الخارجية الصيني، فإن هدف GCI هو “تعزيز الوحدة والوئام والاحترام المتبادل والتفاهم المتبادل بين الحضارات المختلفة. ودعم القيم المشتركة للإنسانية”.

ما الذي يميز المبادرات العالمية عن مبادرة الحزام والطريق؟

سيبلغ عمر مبادرة الحزام والطريق عشر سنوات في ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وبحلول ذلك الوقت، سيكون ما يقرب من 14000 مشروع في 165 دولة بإجمالي تريليونات الدولارات قد ارتبط باسمها.

ويشير جيرنج لإفى أنه “بغض النظر عن المساهمات الاقتصادية التي تقدمها لشركائها، واجهت المبادرة “مشكلة الصورة العامة” في السنوات الأخيرة. بسبب الفساد، وانعدام الشفافية، والأضرار بالبيئة، وحقوق العمال”.

هذا، إضافة إلى الادعاء السائد بأن الصين تضع “ديونا” كأفخاخ” للاستيلاء على الأصول.

كما أدت قيود التمويل المحلية والأجنبية، فضلاً عن عدد المشاريع و “العلامات التجارية المنافسة” لمجموعة الدول السبع، والاتحاد الأوروبي، والهند، واليابان، إلى تفاقم التحديات.

يضيف الباحث الإسرائيلي: تعود جذور مبادرة الحزام والطريق إلى مطلع القرن، أي قبل أكثر من عقد من وصول شي إلى السلطة. وبالمقارنة، فإن المبادرات الجديدة هي مبادراته، وبحكم تعريفها “عالمية” منذ البداية.

تابع: على عكس “طرق الحرير” لمبادرة الحزام والطريق، فإنهم يروجون للقضايا التي تحظى بإجماع دولي واسع، كما قال دبلوماسي صيني رفيع المستوى: “من سيعارض التعاون في مجال التنمية؟”

في الواقع، اعتبارًا من أبريل/ نيسان، تلقى GDI دعمًا من أكثر من مائة دولة ومنظمة دولية، بالإضافة إلى مباركة الأمين العام للأمم المتحدة، وانضم ما يقرب من 70 دولة إلى “مجموعة أصدقاء GDI” التي يوجد مقرها في نيويورك.

مع دخول الرئيس الصيني -البالغ من العمر 69 عاما- فترة ولايته الثالثة وعدم وجود خليفة في الأفق، ترافق المبادرات مع حملة تقديس شخصي. حيث صاغت دعاية الدولة الحزبية مصطلح ” الحضارة”. بهدف إضفاء الشرعية على حكم القائد الدائم والحزب الذي يرأسه، وتصويره على أنه “استراتيجي ماركسي عظيم يهتم بمصير الإنسانية. وقادر على تحديد النواقص العالمية في التنمية والأمن والحكم”.

كما أنها تُظهر تطور السياسة الخارجية للصين في عهد شي، من “الحفاظ على الأنظار إلى السعي لتحقيق الإنجاز”.

بالفعل، يتم الترويج لهذا النشاط، أو “روح النضال” داخل البلاد، في ضوء عبارة “تغييرات كبيرة لم نشهدها منذ قرن”. كما تُظهر المبادرات الثلاث إيمان بكين الحقيقي بـ “استقامة طريقها”.

ما بعد أمريكا

بعد أربعة عقود من النمو بما يقرب من رقمين، تحولت الصين من دولة متخلفة إلى قوة اقتصادية. ومن وجهة نظر شي، فإن صعود الصين هو صورة طبق الأصل عن تراجع الولايات المتحدة والغرب، وهو يشهد على تفوق “النموذج الصيني”.

يقول جيرنج: جنبًا إلى جنب مع مبادرة الحزام والطريق، تعمل المبادرات الثلاث بمثابة “مخطط” لنظام عالمي جديد -نظام لعالم ما بعد الغرب- والذي سيشهد “تجديدًا عظيمًا للأمة الصينية” وتحقيق رؤية شي “لمجتمع مع مصير مشترك للبشرية”.

يهدف GDI إلى وضع جدول أعمال للتنمية العالمية من خلال تبني هذا المفهوم عالي الإجماع أولاً ثم تحويله. في ظل هذا النوع من “التنمية”، تتفوق مصالح الدولة ذات السيادة على الحريات الفردية.

وعلى عكس طرق الحرير الصينية، فإن GDI تعمل نحو أهداف التنمية المستدامة، ولديها “مجموعة أصدقاء GDI” الحصرية والخالية من الولايات المتحدة بقيادة الصين تحت رعاية الأمم المتحدة.

يشير الباحث الإسرائيلي إلى أن هذه الحقيقة تضفي الشرعية الدولية وتجعل أفكار بكين المناهضة لليبرالية أكثر قبولا.

يقول: على سبيل المثال، يتم تركيزها على التعاون السيبراني تحت ستار “سيادة الصين على الإنترنت”، أي تأمين شبكة عالمية مبعثرة، ورقابتها ومراقبتها. إن تعريف GSI “لمفهوم الأمان الجديد” يشير إلى نقيض “مفهوم الأمان القديم” الذي تقوده الولايات المتحدة.

وأضاف: وفقًا للصين، فإن الأخيرة تدعو إلى لعبة محصلتها صفر. مما يحرض على مواجهات المعسكرات ويغذي عقلية الحرب الباردة. في الواقع، تهدف GSI إلى تقويض شرعية شبكة التحالفات والشراكات الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة والتي تعتبرها بكين تهديدًا.

كما تدعو ورقة مفهوم GSI إلى “هيكل أمني جديد”، لعقد منتديات أمن الشرق الأوسط في بكين، وعقد مؤتمر سلام دولي أكبر وأكثر موثوقية وأكثر تأثيرًا للإسرائيليين، بشأن الصراع الفلسطيني.