تحولات كبيرة تشهدها الساحة الليبية مؤخرا، مع تغير في خريطة التحالفات السياسية، وعودة العلاقات بين حكومة الوحدة الوطنية في غرب ليبيا ومصر، وهو ما يعد تطورا قد يساهم في حل الأزمة الليبية عبر تواصل القاهرة مع كافة الأطراف.
سبق، وأعلنت القاهرة عدم اعترافها بحكومة طرابلس وانتهاء ولايتها، وترتب على ذلك انسحاب وزير الخارجية المصري سامح شكري من اجتماع مجلس الجامعة العربية، في الثاني من يونيو/ حزيران 2022، احتجاجا على ترؤس وزيرة خارجية ليبيا نجلاء المنقوش وفد بلادها، ممثلة لحكومة عبد الحميد الدبيبة (مقرها طرابلس) منتهية الولاية.
البداية كانت في السادس عشر من مايو/ أيار الماضي، عندما صوت مجلس النواب المنعقد في شرق ليبيا، لصالح عزل رئيس الحكومة المحسوبة على معسكر الشرق الليبي فتحي باشاغا، بعدما كلفه المجلس ذاته بتشكيل حكومة جديدة في مارس/ آذار 2022، بهدف إزاحة حكومة الدبيبة.
وفي الثامن عشر من مايو/ أيار الماضي، كان هناك تحولا كبيرا تشهده الساحة الليبية، حيث استقبل رئيس حكومة طرابلس وفدا مصريا رفيع المستوى بعد نحو 11 شهرا من القطيعة بين القاهرة والدبيبة.
اقرأ أيضا: تفاهمات الدبيبة وحفتر تطيح “باشاغا”.. هل تمهد الطريق إلى الانتخابات في ليبيا؟
وضمن مؤشرات على تغير العلاقات، نشر الحساب الرسمي لـ “المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية بيانا في 18 مايو الماضي، يشير إلى ملفات التعاون المشترك على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
أشار البيان، إلى لقاء رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، مع وفد مصري رفيع المستوى، ضم مسئولين من جهاز المخابرات المصرية.
كما “ناقش اللقاء نتائج أعمال اللجنة المشتركة المصرية الليبية التي بدأت أعمالها قبل عامين عقب زيارة رئيس الوزراء إلى القاهرة حينها، للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي”.
حسب البيان “ناقش ممثلو الوفد المصري وحكومة الوحدة الوطنية، المشروعات التي ينفذها ائتلاف الشركات المصرية، إضافة إلى مناقشة حزمة من المشاريع في مجال الكهرباء والبنية التحتية. ”
وتابع البيان “بحث الطرفان الخطوات المتخذة من الجانب المصري؛ لتسهيل منح التأشيرة للمواطنين الليبيين، إضافة إلى جملة من الملفات ذات التعاون والتنسيق المشترك”.
في الكواليس
كشفت مصادر مطلعة عودة العلاقات بين حكومة الدبيبة ومصر، بوساطة إحدى الدول الخليجية، تلا ذلك زيارة إبراهيم الدبيبة نجل شقيق رئيس حكومة الوحدة الوطنية إلى القاهرة، وقد حمل إبراهيم رسالة من عمه كموفد شخصي محملا بعرض لاسترضاء القاهرة، واستعادة اعترافها بحكومة الدبيبة، بما في ذلك ملفات التعاون الاقتصادي.
عرض نجل شقيق رئيس حكومة الوحدة خلال اللقاء تعهدات، بمراعاة كاملة للمصالح المصرية وتفعيل الاتفاقات الاقتصادية والبرتوكولات التي سبق وتم توقيعها في القاهرة خلال زيارة عبد الحميد الدبيبة منذ عامين، إضافة إلى تقديم تسهيلات للعمالة المصرية للالتحاق بمشروعات إعادة الإعمار.
وتضمن عرض الدبيبة تقديم وديعة دولارية للبنك المركزي المصري، لتعزيز الموقف الاقتصادي للقاهرة، ذلك ضمن خطوط التعاون بين البلدين في الملفات الاقتصادية.
مؤشرات تحسن العلاقة
سبق استعادة العلاقة بين حكومة طرابلس، والقاهرة، مؤشرات لا يمكن أن تخطأها أعين المراقبين، ففي مطلع مايو/ أيار الماضي، شاركت مصر عبر ممثل لها في الاجتماع الأول لمجلس وزراء الدفاع للدول الأعضاء في تجمع “قدرة إقليم شمال إفريقيا”، والذي انعقد في الجزائر، بحضور رئيس أركان قوات غرب ليبيا التابعة لحكومة الدبيبة، الفريق أول محمد الحداد.
وهو ما يتعارض مع الموقف الذي سبق، واتخذته مصر حينما انسحب وفدها اعتراضا على تمثيل نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية في حكومة الدبيبة لليبيا.
وفي الخامس والعشرين من مايو/ أيار الماضي، شاركت 20 شركة مصرية في معرض ليبيا الذي افتتحه عبد الحميد الدبيبة، حيث جاءت الأولى عربيا من حيث عدد الشركات المشاركة، قبل كل من السعودية والإمارات وتونس، والجزائر.
وبين المواقف الدبلوماسية، رحبت مصر في بيان صادر عن وزارة الخارجية، في الرابع والعشرين من مايو الماضي، بجهود لجنة 6+6 المشتركة، والمشكلة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين لإعداد القوانين الانتخابية.
وأعلنت لجنة 6+6 الليبية عن إعداد قانون الانتخابات، وأنها حققت توافقاً كاملاً بخصوص النقاط المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة وأعضاء البرلمان.
ودعت اللجنة إلى تشكيل حكومة موّحدة تمهد للاستحقاقات الانتخابية في كل البلاد، قبل دخول قوانين الانتخابات حيزّ التنفيذ حتى لا تتم مصادرة آمال الليبيين، وأشارت إلى أن الواقع الليبي الحالي يفرض على الجميع تغليب المصلحة العليا على كل الحسابات الضيّقة.
اقرأ أيضا: ليبيا| تعديلات دستورية ومبادرة أممية.. الانقسام لا يزال سيد الساحة
تحولات المشهد
تحول الموقف المصري، ربما كان من بين أسبابه الرئيسية، الدعم الدولي الواسع للمبادرة التي قدمها المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي، لحل الأزمة السياسية في ليبيا، والتي تحتل فيها حكومة الدبيبة موقعا رئيسيا، خاصة بعدما هدد مجلس الأمن الدولي بمعاقبة من يعرقلون المساعي نحو إجراء الانتخابات.
وقال مجلس الأمن الدولي في بيان صادر عنه، تضمن عرض مبادرة باتيلي إن “الأفراد أو الكيانات الذين يهددون السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا، أو يعرقلون استكمال عملية الانتقال السياسي بنجاح -بما في ذلك عن طريق عرقلة الانتخابات- قد تتم معاقبتهم من قبل المجلس”.
أعداء الأمس شركاء اليوم
بمحاذاة التحسن في العلاقات بين حكومة الدبيبة والقاهرة، بدا واضحا أن هناك ثمة توافق بين رئيس حكومة طرابلس، عبد الحميد الدبية، وعدوه اللدود قائد الجيش الوطني الليبي (قوات شرق ليبيا) خليفة حفتر، وهو الاتفاق الذي يأتي ضمن أسباب الانقلاب على باشاغا والإطاحة به.
وبموجب الاتفاق بين الدبيبة وحفتر، سيدخل رئيس حكومة طرابلس تعديلات على حكومته، بإضافة عدد من الوزراء المرشحين من جانب حفتر، على أن يكون من بينهم نائب لرئيس الحكومة، بحيث تتولى تلك الحكومة التي تحظى بدعم دولي الإعداد للاستحقاقات الانتخابية خلال الفترة المقبلة.
كما يتعهد الدبيبة بتقديم المخصصات المالية اللازمة لقوات شرق ليبيا، مع لعب دور في إلغاء الشروط الخاصة بمنع مزدوجي الجنسية والعسكريين السابقين من خوض الانتخابات الرئاسية، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام حفتر أو أي من أبنائه الذي يتولون مناصب عسكرية لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.
في الخلاصة..
يمكن القول، بأن الظرف الراهن، ربما يكون الأنسب للتوصل لحل للأزمة الليبية، وإجراء الانتخابات المعطلة، بحيث تقود ليبيا إلى حالة من الاستقرار السياسي.
وساهم في ذلك عدة عوامل، منها توفر المحفزات اللازمة، وفي المقدمة منها تحسن العلاقات المصرية التركية، وتطبيع العلاقات بينهما، بعدما ظل الملف الليبي عقبة رئيسية أمام تلك الخطوة خاصة، وأن أنقرة تعتبر لاعب رئيسي في ليبيا، وهو ما من شأنه أن يوفر الأرضية اللازمة لتنفيذ أية توافقات.
وبين المحفزات أيضا، التطور الإيجابي للعلاقات الإماراتية التركية، في الوقت الذي تلعب فيه أبو ظبي دورا داعما لمعسكر شرق ليبيا بقيادة حفتر.
كما تمثل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها مصر عنصرا معززا، للتوصل إلى توافق من شأنه المساهمة في تسهيل حل الأزمة في ليبيا.
حيث استند الدبيبة إلى مشاريع التعاون المشترك، في محاولة إقناع القاهرة باستعادة موقفها الداعم لحكومة الوحدة، مقابل تسهيلات اقتصادية للقاهرة.