غيرت الحكومة قناعاتها في التعامل مع ملف الديون الخارجية، بالتوقف عن الحصول على قروض جديدة، إلا بشروط مُيسرة ولبعد تنموي كبير. جاء التغير مع ارتفاع الفائدة عالميًا، وعجز الموارد الدولارية المحلية، ووصول إجمالي مخصصات الفوائد وسداد القروض إلى 2.4 تريليون جنيه في عام 2023/2024.

التوجه الجديد، أعلنت عنه وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة هالة السعيد، في اجتماع بالبرلمان الاثنين. مؤكدًة في الوقت ذاته خفض الإنفاق؛ من أجل احتواء التضخم لكن دون المساس بالإنفاق على بند الاستثمارات الذي قررت الحكومة رفعه في العام المالي الجديد ليبلغ 1.8 تريليون جنيه·

تأتي تلك السياسة الجديدة منافية تمامًا لتوجه تبنته وزارة المالية منذ 2017، وتبناه وزير المالية الحالي الدكتور محمد معيط، منذ أن كان نائبًا لسلفه عمرو الجارحي، عبر السيطرة على ارتفاع خدمة الدين على القروض المحلية بالاعتماد على القروض الخارجية.

في تلك الفترة، كانت الفائدة على القروض المحلية تتراوح بين 1% و5% تقريبًا، بينما كان العائد على أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل عند مستوى ـ 21.77% على أذون أجل 364 يوما، و21.799% على أذون 182 يومًا، وهي تكلفة اعتبرتها وزارة المالية مرتفعة.

توجه “المالية” ظل ناجحًا على الورق، حتى جاءت موجة التضخم العالمية التي دفعت البنوك المركزية؛ لرفع الفائدة لمستويات غير مسبوقة، والحرب الروسية- الأوكرانية، لتخرج من مصر ما يزيد على 20 مليار دولار في أسابيع، ضاغطة على الاحتياطي النقدي وسعر صرف العملة المحلية.

مع انخفاض سعر الصرف، تتزايد أعباء السداد على الخزانة العامة، وسددت مصر خلال الفترة من يونيو/ حزيران – ديسمبر/ كانون الأول 2022، فوائد وأقساط ديون خارجية بنحو 11.9 مليار دولار. بينما بلغ رصيد الدين الخارجي لمصر نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي 155 مليار دولار.

تسجل الفوائد المحلية بمشروع الموازنة 967.4 مليار جنيه مقابل 685.6 مليار جنيه بالموازنة الحالية

اقرأ أيضا: مستقبل الجنيه.. لماذا لم يعالج دواء التعويم المُر أمراض الاقتصاد؟

1.1 تريليون فوائد الدين العام بالموازنة الجديدة

في مشروع موازنة العام المالي 2023/2024، التي يناقشها مجلس النواب حاليا، تبلغ فوائد الديون 1.12 تريليون جنيه مقابل 775.14 مليار جنيه في الموازنة الحالية 2022/2023.

وتبلغ حصة الدين الخارجي منها 152.1 مليار جنيه مقارنة بـ 89.4 مليار بالموازنة الحالية.

وتسجل الفوائد المحلية بمشروع الموازنة 967.4 مليار جنيه، مقابل 685.6 مليار جنيه بالموازنة الحالية، موزعة بالتساوي تقريبا بين السندات طويلة الأجل، والأذون قصيرة الأجل (استحقاق أقل من عام).

في المقابل، تبلغ الفوائد على السندات نحو 346.96 مليار جنيه مقابل 341.8 مليار جنيه،  في الموازنة الحالية بينما تصل الفوائد على الأذون 437.3 مليار جنيه، مقابل 215.02 مليار في الموازنة الحالية.

1.3 تريليون سداد القروض بالموازنة الجديدة

تستهدف وزارة المالية، سداد قروض محلية وأجنبية بقيمة 1.3 تريليون جنيه بالموازنة الجديدة، التي يفترض دخولها حيز التنفيذ مطلع يوليو/تموز المقبل، مقارنة بـ 965.4 مليار جنيه بالموازنة الحالية التي تنتهي بنهاية يونيو الحالي.

يتوزع السداد بين 298.7 مليار جنيه قروض خارجية مقابل 84 مليارا للعام الحالي، و281.2 مليار جنيه القروض محلية، مقابل 197.12 مليار بالموازنة الحالية.

وتسعى  الحكومة حالًيا لضبط مسببات الاقتراض من الأساس، بإصلاح هيكل المصروفات العامة؛ لضمان تحقيق المستهدفات المالية على المدى المتوسط.

وزير المالية قال خلال اجتماع مجلس النواب “إن الخطة الجديدة هدفها الوصـول بدين أجهزة الموازنة، لمعدل يقل عن 80% من الناتج المحلى على المدى المتوسط، ونحو 96% بنهاية يونيو/ حزيران 2023، مع التأكيد على أن اقتصاد مصر بخير، وقادر على تجاوز التحديات الدولية الراهنة”.

لتحقيق هدف خفض الدين، يجب تحقيق فائض أولي سـنوي يبلغ نحو 2.5% من الناتج المحلي، وبصورة مستمرة حتى العام المالي 2026/2027.. والفائض الأولي، هو الفرق بين المصروفات و الإيرادات، لكن حالة إضافة الفوائد يتحول الفائض إلى عجز كلي.

اقرأ أيضا: المحمول والسفر والملاهي.. المالية تراهن على “الرسوم” في تعزيز مواردها بالموازنة الجديدة

الشفافية مطلوبة

يقول الخبير الاقتصادي نادي عزام، إن مؤشرات الدين الخارجي بمصر غير مقلقة، فالعبرة بنسبتها للناتج المحلي فهي لا تتجاوز 32.5%، كما أن الموارد الدولارية لمصر من السياحة وتحويلات المغتربين وقناة السويس، والتصدير مستقرة أو في تزايد، علاوة  على برنامج الطروحات الحكومية الذي أعلنت عنه الحكومة أخيرًا، الذي يجذب استثمارات أجنبية.

لكن عزام يقول، إن وضع سياسة لتخفيض الاقتراض الخارجي خطوة جيدة؛ لضمان عدم الضغط على الاحتياطي النقدي الذي بلغ بنهاية مايو 34.6 مليار دولار، علاوة على سعر صرف الجنيه الذي يتعرض أيضًا، لضغوط من مؤسسات دولية مستمرة؛ لتخفيض قيمته أمام الدولار رغم أنه خسر 56% من قيمته في شهور قليلة.

الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء، ووزير التعاون الدولي الأسبق، قال: في تعليقه على قرار وقف القروض من الخارج إلا بشروط ميسرة إنه لا يوجد مجتمع يحيا على القروض..

يطالب بهاء الدين، بوجود قيود صارمة للحد من القروض وبشروط أكثر حدة، ولبعد تنموي، وأغراض ملحة ومطلوبة.

زياد بهاء الدين، طالب في تصريحات تلفزيونية مطولة مساء الاثنين، بترويج للاستثمار بطرق أكثر حداثة وجاذبية، ووضع معايير  لقياس مستوى التقدم في مجال الاستثمار، مع تعديل المشاركين في المجلس الأعلى للاستثمار ليتضمن  القطاع الخاص، حتى لا يكون مجلس وزراء مصغر.

رغم الخطوة الحكومية للسيطرة على الدين الخارجي   لكن لا تزال هناك مطالب بمزيد من الشفافية، والرقابة والمحاسبة على أوجه إنفاق القروض الخارجية، حيث تتباين وتتعدد الاحتياجات التنموية. ووضع الملف تحت إشراف البرلمان، بحيث لا ديون خارجية بدون استئذان البرلمان، أيًّا كانت الجهة المقترضة، على أن تقدم خطة للسداد وخطة لاستخدام الأموال.

تتضمن المطالب لوضع سقف قانوني للاقتراض الخارجي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وسقف آخر لاقتراض البنك المركزي الخارجي (كنسبة من الاحتياطيات).

وأيضا، يتطلب الأمر إعادة هيكلة الدَّين الخارجي بغرض إطالة آجال السداد، والعودة إلى نسبة 90% ديون طويلة الأجل، أي التي تسدد على أكثر من خمس إلى عشر سنوات، منخفضة الفائدة (الديون السهلة) بدلاً من 3 سنوات كما تستهدف وزارة المالية.