الختان جريمة في القاهرة، لكنه مباح في محافظات الصعيد الجواني، يمارسه أطباء وزارة الصحة ولا يجرؤ أحد على مواجهته أو حتى الإبلاغ عنه. فتشويه أعضاء الإناث تحميه سلطة القبيلة والمؤسسات الذكورية.

تستطيع النساء اللجوء الي الشرطة والمحاكم في القاهرة؛ للشكوى من عنف يقع عليهن، صحيح أنهن يواجهن عقبات لكن، يمكنهن فعل ذلك، لكن النساء في الصعيد الجواني لا يملكن هذا الحق، فأقصى ما يمكن أن تفعله أن يلجأ أهلها إلى المجالس العرفية؛ للحصول على مجرد كلمات ووعود من باب تطييب الخاطر.

المركزية في مصر، ليست مركزية إدارية فحسب، أنها مركزية حتى في حقوق الانسان وبخاصة حقوق النساء.

تعاني النساء في القاهرة والمدن الكبيرة من العنف الموجه ضدهن، لكن معاناة النساء في الصعيد الجواني أشد؛ حيث تتجسد جميع تقاطعات أشكال وأنظمة القهر والهيمنة والتمييز، وتقاطعها مع الجندر (النوع الاجتماعي) والإثنية والعرقية والقبلية واللون والطبقة الاقتصادية والاجتماعية والميل الجنسي والتوجه الجندري والقدرات العقلية والجسدية.

في تدريب عن مناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي، قالت لي: بتأكيد صارم “ايوة هختن بنتي” هكذا حرصت وردة على أن تعلنها أمام الجميع. هذا الإصرار الذي فسرته لي زميلتها “لو قالت مش هختن بنتي هيطلع سمعة علي البنت ومش هتتجوز” وحكت لي: عن واقعة طلاق تمت بعد يوم الزفاف بيوم؛ بسبب أن الزوجة غير مختونة، فبالرغم من تجريم الختان وتشديد العقوبات المتتالية، إلا أن جريمة الختان ما زالت مستمرة ويمارسها الأطباء -في كثير من الأحيان طبيب الوحدة الصحية- في مواسم معروفة للجميع وبشكل جماعي تساق الفتيات إلى تشويه أعضائهن التناسلية.

القبلية في الصعيد تمنع النساء من اللجوء إلى حقهن في التقاضي، إذا وقع عليهن عنف أو للمطالبة بحقوقهن كزوجة، فالنساء لا يشتكين أزواجهن، ولا تطالبن إخوتهن الذكور بالميراث، وحتى في المجالس العرفية لا تحصل النساء على شيء، في البداية ينصح القضاة العرفيون بالصبر، ثم تصدر أحكامهم العرفية خالية من أي إلزام على الرجال، فالأجيال الجديدة من الشباب لم تعد تلتزم بتلك الأحكام.

حتى في حالات امتناع الزوج عن النفقة، لا تستطيع النساء اللجوء الي محاكم الأسرة، ويكون البديل أمامها اللجوء الي أقارب الزوج؛ لاستجدائهم في صورة مهينة فبدلا من الحصول على حقها وحق أولادها تستجدي الأسرة، والقبيلة الذين يمنحوها أقل القليل بسيف الحياء والخوف من العيب والفضيحة فحسب.

أستطيع أن أقول، إن كل مجهودات الدولة المصرية لتمكين النساء والفتيات بداية من استراتيجية تمكين النساء 2030، مرورا بالإصلاحات التشريعية التي منها تجريم الختان والتحرش والحرمان من الميراث، والآليات الخاصة بحماية النساء والفتيات كخط نجدة الطفل 16000، وفروع المجلس القومي للمرأة بالمحافظات…وغيرها تكاد لا تعمل في الصعيد الجواني، وتحتاج الي إعادة نظر في كيفية تفعيلها؛ لمواجهة القبلية وغيرها من المؤسسات الذكورية، لتحقيق المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون للنساء والفتيات في الصعيد الجواني.