بشكل مفاجئ، زار القاهرة هذا الأسبوع وفدان قياديان من حركتي المقاومة الفلسطينية حماس والجهاد الإسلامي، بعد دعوة رسمية من المسئولين في مصر، وسط تساؤلات عدة بشأن طبيعة المباحثات التي تجري مع قيادات الحركتين.

توقيت زيارة الوفدين، طرح علامات استفهام، بشأن أهداف الزيارة، خاصة كونها تأتي بعد نحو ثلاثة أيام من زيارة رسمية لرئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتيه للقاهرة، التقى فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي واللواء عباس كامل مدير المخابرات العامة.

لم يكن التوقيت وحده الذي أثار علامات الاستفهام بشأن الزيارة المتزامنة لوفدي الحركتين، ولكن أيضا مستوى تمثيلهما، حيث تقدم وفد حماس إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، ومعه خالد مشعل رئيس الحركة بالخارج، وهو الشخصية غير المفضلة كثيرا للمسئولين في القاهرة.

كما تضمن الوفد صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، والذي تحمله الحكومة الإسرائيلية جانبا من التصعيد في الضفة الغربية، إضافة إلى روحي مشتهى المدرج على قائمة الإرهاب الأمريكية، وخليل الحية رئيس دائرة العلاقات العربية في الحركة.

فيما تقدم وفد حركة الجهاد زياد النخالة الأمين العام للحركة، والذي أثير إبان التصعيد الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، أنه لم يلب دعوة مصرية للتباحث بشأن جهود وقف إطلاق النار وقتها، مكلفا محمد الهندي رئيس الدائرة السياسية بالحركة بالقدوم للقاهرة، وإضافة للنخالة، ضم الوفد: نافذ عزام، وخالد البطش، والهندي.

الوزير عباس كامل رئيس جهاز المخابرات المصري يلتقي الفصائل الفلسطينية في غزة- أرشيفية

اقرأ أيضا: واقع الدولة الواحدة.. هل يمكن إنقاذ “حل الدولتين”؟

وتأتي زيارتا الوفدين في وقت يثار فيه الحديث بشأن ترتيبات إقليمية تستهدف تهدئة الأوضاع على صعيد جبهة قطاع غزة في محاولة لتثبيت وقف إطلاق النار والانطلاق نحو اتفاق تهدئة واسع المفعول بين غزة، والحكومة الإسرائيلية.

وتقوم الرؤية الخاصة بالوصول إلى تهدئة طويلة المدى وواسعة المفعول في قطاع غزة، على أساس، تزويد القطاع بالخدمات المعيشية، ومنحه دفعة اقتصادية، تجعل المواطن الغزاوي يتمسك بالتحسن في الأوضاع المعيشية الذي من المقرر أن يعود عليه بالفائدة حال التوصل لاتفاق بشأنها.

غاز غزة

الترتيبات التي يتم التباحث بشأنها سواء على المستوى الإقليمي بين الدول المعنية بالملف الفلسطيني بشكل عام وملف قطاع غزة بشكل خاص، تحتاج إلى توافق بين هؤلاء اللاعبين الإقليميين والدوليين من جهة، والأطراف الداخلية ممثلة في الفصائل والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى.

أبرز تلك الترتيبات بحسب ما كشفت عنه وسائل إعلام عبرية مقربة من دوائر صنع القرار في تل أبيب، هو ما يتعلق بتشغيل حقل غاز غزة مارين الواقع في المياه الفلسطينية، والذي يبعد عن شاطئ قطاع غزة بنحو 36 كيلو متر.

ترغب الحكومة الإسرائيلية في تشغيله ضمن آلية تحصل بموجبها على جزء من إنتاجه، وتضمن سيطرتها عليه، وفي هذا الإطار بدأت الحكومة الإسرائيلية محادثات سرية مع السلطة الفلسطينية، لاستخراج الغاز من الحقل بحسب ما جاء في تقرير للقناة 13 الإسرائيلية، وذلك بموافقة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، يوآف جالانت.

مسألة تطوير حقل “غزة مارين” وإعداده لاستخراج الغاز، كانت في صلب المحادثات التي جرت في اجتماعي العقبة وشرم الشيخ، اللذين جمعا مسئولين أمنيين وسياسيين من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، برعاية الولايات المتحدة، وبمشاركة أردنية ومصرية.

ولكون تشغيل الحقل يستتبعه تداعيات أمنية وسياسية بعيدة المدى، فإن إسرائيل تضع نصب عينيها ضرورة الرعاية المصرية لهذا المشروع، وفي هذا الإطار كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية عن محادثات اسرائيلية – مصرية في هذا الشأن.

وكان صندوق الاستثمار الفلسطيني قد وقع اتفاقية مع اتحاد المقاولين ومع شركة “إيجاس” المصرية، في فبراير/ شباط 2021، للتعاون وتطوير حقل غاز غزة.

ورغم أن تشغيل حقل الغاز سيتم بالتوافق بين إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية، إلا أنه لا بد أن يتم بمباركة فصائل قطاع غزة، وعلى رأسها حركة حماس التي تتولى إدارة القطاع، كون أي اتفاق قد يتم بعيدا عنها من شأنه أن يفرض تحديات أمنيه أمام المشروع.

لذا فإن المحادثات التي تجري بين مصر وحركتي حماس والجهاد في القاهرة، ربما ليست بعيدة عن ملف حقل الغاز، في الوقت الذي تضغط فيه إسرائيل للتسريع من وتيرة إتمام تشغيله.

الكهرباء ومشروعات إعادة الإعمار

الترتيبات الخاصة بغزة والرامية للتخفيف من معاناة سكان القطاع، ومنها توفير الكهرباء، تشكل أحد الضمانات الرئيسية لاستمرار التهدئة، يعاني السكان من نقص حاد في إمدادات الكهرباء التي لا تتوفر سوى 6 ساعات تقريبا في اليوم.

في هذا الإطار كشف رئيس سلطة الطاقة ظافر ملحم، تفاصيل جديدة عن المشروع المصري الذي سيساهم في معالجة العجز الكهربائي في قطاع غزة.

وقال ملحم، في تصريحات صحفية، إن الفرق الفنية التابعة للكهرباء في قطاع غزة، ستبدأ قريباً بتطوير شبكات وخطوط الكهرباء على الحدود في منطقة العريش ورفح، مضيفا أن زيادة القدرات الكهربائية المصدرة من مصر لقطاع غزة ستصل الى 100 ميجا واط كمرحلة أولى ما سيساهم في معالجة العجز الكهربائي بغزة.

وتابع ملحم “هذا المشروع الحيوي سيتم تطويره باستمرار، لتوفير كميات أكبر من الطاقة الكهربائية لقطاع غزة قد تصل إلى 300 ميجا واط”.

وبموازاة المشروع المصري لتزويد غزة بالكهرباء، تقترب القاهرة من تسليم بعض المراحل الخاصة بمشروعات المنحة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة التي تنفذها شركات مصرية في القطاع، في وقت تطالب فيه حركة حماس بسرعة تسليم المشروعات.

وتشمل المشروعات التي تنفذها مصر تطوير كورنيش شمال غزة، وإنشاء 3 مدن سكنية، أولاها في الزهراء “دار مصر 1″، والثانية في جباليا “دار مصر 2″، والثالثة في بيت لاهيا “دار مصر 3″، أما المشروع الثالث فهو تطوير التقاطعات المهمة لمدينة غزة، مفترقي الشجاعية والسرايا بإنشاء اثنين من الكباري لفك الاختناقات في المنطقتين.

المشروع في المقابل يصطدم بمخاوف أمنية إسرائيلية متعلقة بنقل السلاح إلى القطاع

حديث الميناء

ثمة مشروع آخر يتم تداوله في الأوساط الإقليمية المعنية بالوضع في قطاع غزة، في إطار المشروعات التي تستهدف زيادة تحسين حياة سكان القطاع، مرتبط، بتسهيل حركة الانتقال من وإلى غزة، وتخفيف حدة الحصار المفروض على القطاع.

المشروع الذي يتم التفكير فيه في هذا الإطار يرتبط في المقام الأول بضمانات مصرية، حيث تعد مصر عماد المشروع الرئيسي عبر تشغيل خط ملاحي بين ميناء العريش الذي تتم توسعته بحيث يكون قادرا على استيعاب حركة تجارة كبيرة.

ويرتبط المشروع بميناء فرعي يتم إنشاؤه في القطاع، ويتم تشغيله بإدارة مصرية، وتواجد ممثلين عن السلطة الفلسطينية، لكن المشروع في المقابل يصطدم بمخاوف أمنية إسرائيلية، متعلقة بنقل السلاح إلى القطاع، وهي المخاوف التي يتم البحث بشأنها لتوفير ضمانات دولية كافية لتلافيها.

في الخلاصة..

يمكن القول، أن جولات المباحثات التي تجريها حركتا حماس والجهاد في القاهرة، تتجاوز هذه المرة القضايا التقليدية، التي كانت تتصدر أجندة لقاءات الفصائل في القاهرة.

كما أن تلك المباحثات تتم هذه المرة وسط متغيرات عديدة، ربما تفتح الباب أمام نتائج جديدة أيضا، ومن بين تلك المتغيرات الحديث عن تحول في العلاقات المصرية- الإيرانية، في الوقت الذي تلعب فيه إيران دورا كبيرا في قضايا قطاع غزة عبر دعمها لفصائل المقاومة هناك، وهو ما يعني إمكانية التوصل لتوافق بين القاهرة وطهران يخفف من حدة الوضع المتوتر في القطاع.

كذلك تأتي المفاوضات هذه المرة في وقت تشهد فيه العلاقة بين حركة حماس والمملكة العربية السعودية، تحسنا كبيرا، في وقت زارت فيه قيادة الحركة المملكة بعد سنوات من القطيعة.

كما أن هناك ثمة متغير آخر لا يمكن إغفاله مرتبط بتطور العلاقات بين مصر وتركيا، مع اقتراب التطبيع الرسمي للعلاقات، حيث تعد القاهرة اللاعب الرئيسي على صعيد ملفات القطاع، مع قطر، في حين تستضيف تركيا قيادة حماس على أراضيها، وكذلك قيادات بارزة من حركة الجهاد.