غالبا ما تردد الحديث عن “الصناديق والحسابات الخاصة”، وهو مصطلح لا يعني للكثيرين أكثر من عبارات يسمعوها حول هذه الكيانات في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. لكن، وتحديدا منذ أن انتشر هذا الحديث في سنوات ما بعد ثورة يناير/ كانون الثاني، لا توجد -حتى الآن- آلية واضحة لطرق عمل الصناديق والحسابات الخاصة.
في يناير/ كانون الثاني الماضي، وأثناء إعداد المنشور العام لموازنة العام المقبل 2023/ 2024، ألزمت وزارة المالية الصناديق والحسابات الخاصة بـ5 قواعد.
أول هذه القواعد، أنه يتعين على كل جهة أن تقدم ضمن مشروع موازنتها بيانا بالصناديق، والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص والكود المؤسسي، ورقم الحساب البنكي. وكذلك إيرادات آخر 3 سنوات مالية وتحديد مواردها، مع بيان مصروفاتها موزعة على الأنواع والبنود والأبواب المختصة.
كما، أنه يجب على كافة الجهات الالتزام بتضمين مشروع الموازنة قيمة ما يؤول للخزانة العامة للدولة بما يعادل نسبة 15%، من جملة الإيرادات الشهرية للصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص، والهيئات العامة الخدمية ذات مصدر تمويل مشترك بين الموازنة العامة للدولة والموارد الذاتية.
ومراعاة موسمية تحصيل الإيرادات بالصناديق والحسابات الخاصة، إيرادات السنوات السابقة، لاستخدامها في بداية العام المالي بدلًا من موارد جارية من الحسابات والصناديق الخاصة.
اقرأ أيضا: الحكومة تغير سياسة الاقتراض.. الفوائد والأقساط تلتهمان 2.4 تريليون جنيه في “الموازنة الجديدة”
ويتعين على الجهات الإدارية عدم تحويل أية مبالغ من حساباتها الموازنية المفتوحة بالبنك المركزي، إلى حساباتها الخاصة المفتوحة باسمها ضمن حساب الخزانة الموحد، إلا بعد الرجوع إلى وزارة المالية-قطاع التمويل، مع بيان أسباب ومبررات التحويل.
وفرضت الوزارة على الصناديق الخاصة حظر صرف أموال الصناديق، والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص في غير الأغراض المنشأة من أجلها، وفقًا للقوانين والقرارات المنظمة لذلك.
وقد سبق هذا المنشور، قرارات وزارية بضرورة توحيد جهات صرف الموازنة العامة.
لكن، تبقى الأسئلة مفتوحة: متى نشأت الصناديق الخاصة؟ ولماذا أُنشأت؟ وكم عددها؟ وما مواردها؟ وطرق تحصيلها؟ وهل تستفيد منها الدولة؟
نشأة الصناديق الخاصة
يُوضح الدكتور محمد السنباطي، زميل الجمعية المصرية للمالية العامة والضرائب، أن الصناديق الخاصة بدأت بعد عام 1967، كحل لتخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة التي أنهكها الصرف على تعويض خسائر الحرب.
ويقول في دراسة بعنوان الصناديق والحسابات الخاصة بين الواقع والمأمول، إن أولى الصناديق الخاصة التي أُنشأت كانت في عام 1967، حيث صدر القانون رقم 38 بإنشاء صندوق للنظافة في المجالس المحلية؛ لتودع فيه حصيلة الرسم المفروض على شاغلي العقارات المبنية؛ بهدف الصرف على أعمال النظافة.
ثم صدّرت بعض قوانين أخرى في سنوات تالية، إذ أتاح قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972، وقانون إنشاء صندوق تمويل مشروعات الإسكان الاقتصادي رقم 107 لسنة 1976، وقانون نظام الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979، إنشاء صناديق خاصة بتلك الجهات، بحسب السنباطي.
ويُتابع، أن الصناديق الخاصة انقسمت إلى نوعين: الأول يتمثل في الصناديق التي تُمثل كيانًا إداريًا مستقلاً بذاته يدخل في الموازنة العامة للدولة بمسماه مثل، صندوق التنمية الثقافية وصندوق السجل العيني وصندوق تنمية الصادرات وغيرها، وتخضع تلك الصناديق لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات والأجهزة الرقابية.
أما النوع الثاني، فهي الصناديق التي تنشأ داخل أجهزة الدولة الإدارية أو المحافظات أو الهيئات الخدمية، مثل صندوق تحسين الخدمة، وحساب المؤسسة العلاجية وحساب استصلاح الأراضي وغيرها، وتلك لا تخضع لرقابة الأجهزة الرقابية ولا الجهاز المركزي للمحاسبات.
ورغم أن إنشاء الصناديق الخاصة بموزانات خاصة يعدّ استثناءً من حكم المادتين 9، و20 من قانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973. حيث حظرت المادة 9 تخصيص موارد معينة لمواجهة استخدامات معينة إلا في الأحوال الضرورية، لكن توسع الاستثناء وبات إقرارًا، بحسب الدكتور محمد السنباطي.
أعداد الصناديق والحسابات الخاصة
في 2016، وحين كان الدكتور محمد معيط نائبا لوزير المالية، ذكر أن أعداد الصناديق الخاصة لجهات الموازنة العامة “جهاز إداري، محليات، هيئة خدمية”، طبقًا لآخر إحصاء تم في يونيو 2014، بلغت 6 آلاف و347 حسابًا إجماليًا بإجمالي أرصدة بلغت 27.3 مليارات جنيه.
ويبلغ عدد وأرصدة الصناديق والحسابات الخاصة على مستوى الجمهورية المفتوحة بالبنك المركزى ضمن حساب الخزانة الموحد 1413 صندوقًا، وحسابًا خاصًا بوحدات الجهاز الإدارى للدولة، برصيد يبلغ 11.8 مليارات جنيه، و1498 صندوقا في المحليات برصيد 7.6 مليارات جنيه، و3436 صندوقا بهيئات خدمية برصيد 7.9 مليارات جنيه.
كما يبلغ عدد الحسابات المفتوحة للهيئات الاقتصادية، وجهات أخرى ضمن الحسابات الخاصة 179 حسابا برصيد إجمالى 9.8 مليارات جنيه.
إلى ذلك، يقول عبد الفتاح الجبالي الخبير الاقتصادي، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق، إن أعداد الصناديق الخاصة زاد إلى 6 آلاف و451 صندوقا في نهاية يونيو 2021.
ويُضيف الجبالي، أن أغلب الصناديق الخاصة مملوك للجامعات تليها المحافظات، وعلى مستوى الوزارات تأتي وزارة الزراعة في المقدمة تليها وزارة الصحة، ويصل إجمالي المبالغ بالصناديق الخاصة إلى نحو 81.2 مليار جنيه فى نهاية سبتمبر 2022، مع ملاحظة استمرار بعضها خارج هذا الحساب.
حجم إيرادات النشاط في الصناديق الخاصة
تُحصّل الصناديق الخاصة إيراداتها من أصول خُصصت لها مواردها، أو رسوم أحيلت إليها بحكم قرار إنشائها، بحسب الخبير الاقتصادي عبد الفتاح الجبالي، الذي يقول إن قيمة الموارد من الصناديق والحسابات الخاصة في مشروع موازنة العام المقبل 2023/ 2024 بلغت نحو 65.8 مليارات جنيه، وقابلها استخدامات بنفس الرقم وفقا للائحة التنفيذية للقانون التي تنص على تقدير الموارد دون استنزال أي استخدامات، فضلا عن 9.3 مليارات، قيمة مايؤول للخزانة العامة وفقا للقانون، فضلا عن نسبة ما يتم تخصيصه لتمويل الاستثمارات.
وبحسب التقارير الشهرية الصادرة عن وزارة المالية، فإن إيرادات الصناديق والحسابات الخاصة التابعة لجهات موازنية مثل الجامعات والمراكز البحثية، يقابلها مصروفات بذات القيمة موزعة على أبواب الاستخدامات.
وقد تطورت الإيرادات الناتجة عن النشاط الاقتصادي بالصناديق الخاصة بنسبة بلغت 94.1% خلال الفترة بين 2016/ 2017، إلى 2022/ 2023، وفقًا لمراجعات لتقارير الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة.
إذ زادت الموارد الجارية من 30.6 مليارات جنيه بالصناديق والحسابات الخاصة في عام 2016/ 2017، إلى نحو 59.7 مليارات جنيه في العام المالي الجاري 2022/ 2023.
ويعكس ذلك الارتفاع في حجم الموارد الجارية للصناديق والحسابات الخاصة، ارتفاع معدلات التضخم، فضلاً عن انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار خاصة خلال العام 2022 و2023.
تحليل موازنة الصناديق والحسابات الخاصة.. 2021/ 2022 نموذجا
من واقع الحساب الختامي لموازنة العام المالي 2021/ 2022، حللنا البيانات المتاحة حول موارد ومصروفات الصناديق الخاصة في ذلك العام المالي. وبلغ الفائض بين إيرادات ومصروفات الصناديق والحسابات الخاصة نحو 3.22 مليار جنيه.
ولا تفصح وزارة المالية عن تقسيم إيرادات الصناديق والحسابات الخاصة، إذ يتم وضعها رقمًا وحدًا في الحساب الختامي، وبلغت في ذلك العام فعليًا ما قيمته 78.66 مليار جنيه، يُقابلها مصروفات بنحو 75.44 مليار جنيه.
وتوزعت مصروفات الصناديق والحسابات الخاصة في العام المالي 2021/ 2022، بين 20.26 مليار جنيه لبند الأجور وتعويضات العاملين، و13.59 مليار جنيه، لبند شراء السلع والخدمات، و143.1 مليون جنيه لبند الفوائد، و8.42 مليار جنيه لبند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، و10.68 مليار جنيه للمصروفات الأخرى، و22.32 مليار جنيه لشراء الأصول غير المالية “الاستثمارات”.
كما تتحمل موازنة الصناديق والحسابات الخاصة حصة من سداد القروض المحلية والأجنبية تبلغ 2.57 مليار جنيه.
وبشكل أكثر تفسيرًا، فإنه من بين 20.26 مليار جنيه خُصصت لبند الأجور من مصروفات الصناديق والحسابات الخاصة، تم تخصيص 12.97 مليار جنيه منها للصرف على مكافآت العاملين على الصناديق والحسابات الخاصة، فيما خُصص أجور للوظائف الدائمة والمؤقتة للعاملين على الصناديق والحسابات الخاصة ما قيمته 5.4 مليارات جنيه فقط.
مخاطر التوسع في الصناديق الخاصة
يرى عبد الفتاح الجبالي، الخبير الاقتصادي، ورئيس مجلس إدارة الأهرام السابق، أن التوسع الكبير في إنشاء الصناديق الخاصة خلق عدة مشكلات، أهمها مخالفة مبادئ الموازنة، خاصة الوحدة والشمول، وازدواجية المهام والوظائف، إضافة إلى انتزاع سلطات التشريع.
ويقول في تحليل له، إنه لم يعدّ من المنطقي الاكتفاء بالنسبة التي تُحصّل حاليًا لصالح الخزانة العامة والتي تتراوح بين 10% إلى 20%، خاصة بعد أن تشعبت ظاهرة الصناديق الخاصة ودخلت فى العديد من المجالات خاصة التنموية والتعليمية والصحية.
ويُضيف الجبالي، أن أمر الصناديق الخاصة يتطلب بعض الحلول المقترحة، وأبرزها ضرورة ضمها جميعًا إلى الموازنة العامة للدولة، عن طريق سن تشريع جديد يتم بمقتضاه تعديل القانون، بحيث ينص بشكل صريح على ضم هذه الصناديق إلى الموازنة.
لكن ذلك المقترح يواجه صعوبة، إذ هناك المئات من هذه الصناديق والحسابات الخاصة موجودة بالفعل داخل الموازنة العامة للدولة، فضلاً عن صعوبات في ضم بعضها، إما لأنها منشأة بموجب اتفاقيات دولية تشترط ضرورة فتح حساب خاص؛ لمراقبة ومتابعة أوجه الصرف، أو تمويل صندوق بعينه لأنشطة محددة، مثل المراكز البحثية فى الجامعات أو مكتبة الإسكندرية، أو صناديق تؤدي خدمات محددة مثل مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، بحسب الخبير الاقتصادي.
ويُكمل الجبالي في طرح رؤيته، بأنه على الجانب الآخر، هناك أيضًا بعض الصناديق الخاصة التي تعتمد على تبرعات وهبات ووصايا من المواطنين، والذين لا يرغبون فى تقديمها للخزانة العامة لعدم ثقتهم فى العمل الحكومي، وترى الأفضل تقديمها لهذه الجهات مباشرة.
ويختم عبد الفتاح الجبالي حديثه، مطالبًا بضرورة الالتزام بنص القانون بعدم فتح أي حسابات أو صناديق خاصة خارج البنك المركزى، على أن تصدر بقرار من رئيس الجمهورية مع ضرورة النص على الحظر التام، لإنشاء صناديق أو فتح حسابات خاصة تقوم على استغلال الثروات الطبيعية مثل المحاجر والمناجم والأسواق والشواطئ، وغيرها.