لا يخفى على أحد، أنه من الأوجب أن تكون علاقة أعضاء مجلس النواب بحسبهم، ممثلين عن كتلة الناخبين، أو ما يعني وكلاء عن الشعب بموجب ما يسمى بالانتخبات التشريعية أو البرلمانية، حال أن تكون معبرة بشكل حقيقي عن إرادة الناخبين. وهنا يجب أن يكون النواب وكلاء عن احتياجات المواطنين مطالبين بسن تشريعات تدعم، أو تحافظ على حقوقهم ومكتسباتهم، بل أن تحقق لهم لمزيد من الرفاهية الحياتية بشكل مستمر، كما يجب أن يكون وجود أعضاء مجلس النواب بمثابة حائط رقابي للمواطنين من عسف السلطة التنفيذية، حال اتخاذها لأي قرار أو تصرف يضر بمصالح المواطنين، بحسبهم هم أصحاب القرار الأصلي، وهم كذلك أصحاب الوطن، وما السلطة إلا ممثلة لهم أو وكيلة عنهم في الحكم وإدارة شؤون البلاد.
كان الملاحظ منذ ما يقارب العقد من الزمن، وعلى مدار مجلسين تشريعيين بنواب مختلف معظمهم في الدورتين، لم يلحظ أي ميل من البرلمانيين، في صورة تشبه الإجماع، لحماية المواطنين أو الميل نحو مصلحتهم، بل على العكس يجد المهتم بأمر الحياة النيابية في مصر، أن مجلسي النواب – السابق والحالي – غاب عنهما الدور الحقيقي لمفهوم النيابة البرلمانية، وباتوا بشكل أو بآخر تابعين لرغبة، وإرادة السلطة التنفيذية فيما ترغب في تمريره من قوانين، فما بالنا حال السلطة الرقابية للبرلمان، أعتقد أنه قد غاب وجودها بشكل شبه كامل، وإذ لا شك في كون النظم القانونية المحترمة يجب أن تستمد وجودها من منطلق الاحتياج المجتمعي لتنظيم أمر من أموره تشريعياً، إذ إن عملية الضبط الاجتماعي وتنظيم الحريات والمصالح عبر وجود قواعد وأحكام هو ما أطلق عليه اسم القانون، ويجب ألا تخرج الغاية العليا للتنظيم القانوني أو القواعد القانونية عن تنظيم أوجه النشاطات المجتمعية، ويفك الاشتباك بين أوجه السلوك الإنساني المختلفة والمصالح المتباينة، وبمعنى أكثر نضجا لا يتواجد القانون إلا إذا تواجدت الحاجة المجتمعية إليه، إذ لا حاجة ولا قيمة حقيقية للنصوص القانونية إذا ما خرجت عن احتياجات المجتمع، أو إذا ما تجاوزت في تنظيمها لأمر من الأمور لمعنى الاحتياج المجتمعي، فخرجت بذلك عن مضمون الحماية المقررة بالقانون إلى الميل، أو التجاوز عن الهدف الأساسي للقاعدة القانونية، وقد غاب هذا الأصل النظري أو الفقهي عن طريقة عمل مجلس النواب في حقيقة دوره التشريعي، ويكفي أن ندلل على ذلك في موافقته المستمرة والدائمة على كل ما تعرضه الحكومة من مشاريع بقوانين، منذ أن صدقت بشكل كلي على كل ما صدر من قرارات بقوانين في الفترة التي غاب فيها المجلس التشريعي، على الرغم من كثرة تلك القرارات بقوانين. كذلك الأمر إذا ما نظرنا إلى آخر ما وافقت عليه لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب الحالي من تعديل بعض أحكام قانون رسم تنمية موارد الدولة، وذلك بفرض رسوم جديدة على بعض السلع والخدمات، وهو المشروع الذي تقدمت به الحكومة، سواء كان الغرض منه تفادي خلل أو عجز في الموازنة أو سد فجوة، أو كان متعلق بزيادة بعض الموادر لما تمر به أحوال الدولة من ضعف مالي، لكنه في النهاية يعكس كيفية عمل البرلمان فيما يتعلق برغبة السلطة التنفيذية.
أما عن ميل البرلمانيين أنفسهم إلى محاباة السلطة التنفيذية ” الحكومة ” فأظن أن ذلك يبدو نابعاً من قناعات ذاتية بأنهم سوف يضمنوا بقائهم كأعضاء للمجلس في دورات نيابية قادمة، على زعم من سواد ثقافة الحزب الحاكم الموالي للسلطة، وهذه الثقافات الشخصية النفعية، قد قامت ثورة من أجل تغيرها، وأعتقد أن الأزمات التي يمر بها الوطن كان من الواجب أن يكون هناك دور فاعل للمجالس النيابية حيالها، انحيازاً منهم لدورهم الحقيقي كممثلين لجموع الشعب، وليسوا مؤيدين لعمل السلطة التنفيذية بغض النظر عن السلطة الرقابية.
وإن كان هناك في النظم السياسية العالمية وجود حزب يتبع الحكومة أو أن تتشكل منه الحكومة، فإن ذلك لا يعني التبعية المطلقة، بما يعني غياب النقد لأي تصرف قد يكون غير مجدٍ على أقل تقدير أو غير نافع للشعب، وهو ما يعني أن يكون العمل النيابي مجرد محاباة للسلطة التنفيذية في جميع أعمالها. وتبدو المشكلة الأعظم والأكثر ثقلاً على الحياة السياسية أو الحياة العامة، أن يتدخل أعضاء مجلس النواب في بعض المجالات الحياتية العامة؛ تنفيذاً لرغبة أو منعاً من وجود معارضة حقيقية، وهذا ما نجده بشكل واضح، يجب أن تتوقف عنده الحياة السياسية المصرية بشكل كامل، وذلك ما يخص الأحداث التي جرت في التصويت على سحب الثقة من نقيب المهندسين المصريين، إذ قد تداول العديد من المواقع والصفحات الإلكترونية لمقاطع مصورة – ثابتة ومتحركة – توضح وجود بعض أعضاء مجلس النواب المصري بصحبة العديد من المواطنين من غير المهندسين، وكانت هذه الصور جميعها تعبر عن اعتداء على بعض المهندسين المتواجدين في داخل الأروقة الانتخابية، وكذلك تحطيم الصناديق الانتخابية، وذلك بعد أن أشارت المؤشرات الأولية عن نجاح النقيب في هذه الانتخابات، أو ما يسمى بالتصويت لسحب الثقة، وقد نشرت الصفحة الرسمية للنيابة العامة المصرية عن قرار النائب العام بفتح التحقيق في هذه الواقعة، بخصوص ما نشر عن بعض المواقع، وما احتوته من صور للعديد من الأشخاص الذين يظهر بينهم بعض الصور لأعضاء لمجلس النواب، وقد نشر حزب مستقبل وطن بيانا للرد على بيانات أصدرتها صفحة صحيح مصر، من أن المعتدين من أعضاء مجلس النواب ممن ينتمون إلى حزب مستقب وطن، وقال في بيانه، أن ما نشر غير معبر عن الحقيقة لكون الأعضاء من المهندسين الذين يحق لهم الحضور في الانتخابات، ثم تلى ذلك بيان من صفحة صحيح مصر تؤكد فيه، أن الصور التي نشرت لأعضاء غير منتميين لنقابة المهندسين ولا يحق لهم التواجد لانعدام الصفة، وذكرتهم بالاسم.
ولسنا هنا في معرض هذا الخلاف بقدر ما تؤكده الصورة العامة لهذه الواقعة، والتي تنذر بأي تطور في الحياة العامة، وذلك في الوقت الذي تروج فيه السلطات للحوار الوطني واشتماله على رموز معارضة للنظام، وأن ذلك لا يعني سوى قبول السلطة للحراك السياسي.
لكن في المجمل أرى أن أعضاء مجلس النواب، من خلال متابعة ما ينتجه البرلمان على مدى دورتين كاملتين، لا يخرجون عن إرادة السلطة التنفيذية، وبات الوضع مقلوباً، ولا وجود لرقابة نيابية، ولا فصل مرن بين السلطات، ولكنه احتواء كامل من قبل السلطة التنفيذية لمجريات الأمور في السلطة التشريعية.