عقب أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013، وعلى وقع محاربة تنظيم الإخوان المسلمين شهدت العلاقات المصرية- الإماراتية أزهى وأفضل فتراتها، تُرجم ذلك في مشروعات واستثمارات مشتركة ومنح وقروض وودائع لدى البنك المركزي.

لكن في السنوات القليلة الماضية، عرف مستوى العلاقات بين البلدين أشكالا أخرى خافية عن عوام الناس، فرغم ما كانت تسطره الزيارات والمباحثات والبيانات من العبارة الدبلوماسية المعهودة “تطابق في وجهات النظر”، إلا أن ما تحت الرماد كان يشي بأمور أخرى. فخلف الستار جرت أحداث كثيرة، رصدت مشدات وارتفاع أصوات، أدركه الكثيرون من خلف الأبواب، دون أن يسمح لأحد من الكتاب وقادة الرأي ومن باب أولى صناع القرار عن الكشف عن حقيقة ما يحدث. حتى أصبح وصف البعض عن حقيقة تردي العلاقات البينية، بأنها لا تعدو كونها “دعاية إخوانية” أمر لا يمكن تصديقه، إلا من قبل عقول السذج والبسطاء.

فماذا حدث؟ وما الذي تغير؟ وكيف السبيل لخروج مصر منه؟

بداية، تتحتم الإشارة إلى أن واحدا من الأسباب المهمة التي جعلت هناك حراكا إقليميا إماراتيا، هو الرغبة في أن يكون لهذا البلد المؤسس في ديسمبر/ كانون الأول 1971، دور محوري في المنطقة، إذ أنه من المؤكد أن الفوائض النفطية، كان على من يمتلكها الرغبة في استثمارها سياسيًا، من خلال لعب دور يخرج البلاد من حال التقوقع، أو على الأقل الخروج من شرنقة المناكفات مع الجار الإيراني، الذي يأست الإمارات من أن تحرز أهدافًا في مرماه.

أيضًا، فإن الرغبة في الصعود الاقتصادي الكبير، بجعل البلاد محط أنظار العالم في استقبال الاستثمارات والعمالة، والأنشطة الصناعية، والبنية التحتية القوية، والأنشطة العقارية الضخمة، والمشاريع السياحية، والسوق الحرة، والمقار لمئات الشركات العالمية التي تسعى للتوسع الاقتصادي بالمنطقة، والسوق المصرفية، وسوق الذهب وتجارته الكبيرة، كل ذلك وغيره جعل هناك رغبة في أن يكون إلى جانبه دور سياسي قوي ومواز.

مصر هي الأخرى من المناطق الجاذبة للاستثمار لموقعها وعدد سكانها، وهي من أكثر البلاد احتياجًا بسبب أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وللحد من مشكلات ألمت مؤخرًا بقطاعات التجارة الخارجية والغذاء والصناعة والزراعة والسياحة والنقل، ما جعل هناك مشكلات في زيادة حجم الدين، وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة المحلية.

كل ذلك جعل مصر تتجه إلى بلدان الخليج طلبا للمساعدة.

وكان اللقاء مع الإمارات مهمًا بعد 30 يونيو/ حزيران 2013؛ بسبب تلاقي الرؤى السياسية بين البلدين. هنا كان الخلاف الأول حول سبل الاستثمار في البنية الأساسية، خاصة تمويل الإمارات لمشروع العاصمة الإدارية بمصر، وبحث مصر عن بديل لتنفيذ مشروع الرئيس السيسي الضخم، ثم توالت الخلافات حول خطط الاستثمار، ليس فقط في مجال تقييم القيمة السوقية لعديد شركات قطاع الأعمال العام، خاصة مع تعدد أسعار العملة الأجنبية في السوق المصري، بل وأيضًا بالرغبة الإماراتية في الاستثمار عبر شركات محددة لم تكن مطروحة أصلا للبيع، وكانت هناك عديد الجهات المصرية السيادية تختلف وتتباين رؤاها عن جدوى بيعها لمستثمرين من الخارج.

جدير بالذكر، أن مصر رغبت في الآونة الأخيرة، تحت ضغط صندوق النقد الدولي (بعدما رفضت دول خليجية استمرار مد البلاد بالمساعدات) في بيع شركات مطروح أسهمها بالبورصة؛ أملا في الحصول على العملة الأجنبية لدعم الاحتياطي الأجنبي، ولاستيراد السلع، ومواجهة خدمة الدين وغيرها. وكانت الإمارات قبل تلك الأحداث قد استحوذت على شركات ضخمة كـ “سوديك، وآمون للأدوية، وموبكو، وأبو قير للأسمدة والبنك التجاري الدولي، وفوري لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات الإلكترونية، والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع.. وغيرها”.

وواقع الأمر، لم تكن الخلافات المصرية- الإمارتية في الشأن الداخلي بعيدة عن تقييم مصر للدور الإقليمي المتنامي للإمارات، إذ كانت عديد التحركات الإماراتية مزعجة لمصر، بسبب إدراك الأخيرة أن تلك التحركات تضر بالمصالح القومية العليا لمصر، ولدور مصر الإقليمي.

المؤكد، أن بدء العمل الإقليمي المشترك كان التلاقي على دعم حفتر في ليبيا، بسبب ما وجداه البلدان من ضرورة عدم انتصار التيار السياسي المؤيد لجماعة الإخوان المسلمين في هذا البلد، وعدم رغبة الإمارات في أن يكون لهؤلاء موطئ قدم في ليبيا تنطلق منه إلى الدول المجاورة وللإمارات، وذلك بعد أن انتهى وجودهم السياسي في مصر، وانحسر نفوذهم في الأردن وتونس. لكن بعد فترة وجدت القاهرة أن الحل السلمي بليبيا، هو الكفيل بالحد من المخاطر الأمنية على أمن مصر، أكثر من المواجهة العسكرية بالمسيرات الإماراتية ودعم حفتر عشوائيا ضد الغرب الليبي، وهو ما ثبت صدقه على الأرض. (عربي بوست- 8 إبريل/ نيسان 2021).

ولأن الرياح قد تأتي بما لا تشتهي السفن، فإن الخلاف الذي ظهر مؤخرا حول ليبيا زاد مع مزيد من التوسيع في الدور الإقليمي للإمارات، حيث انزعجت مصر مما اعتبره الكثيرون دورًا إماراتيا هدامًا في إثيوبيا.

فبعد أن كاد نظامها على حافة السقوط، بسبب الحرب التي اندلعت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بعد أن اجتاحت قوات تحرير تيجراي مدن عدة في طريقها للعاصمة أديس بابا خلال الفترة من يونيو/ حزيران إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، قامت الإمارات والصين وإيران؛ بإمداد قوات أبي أحمد بالعديد من الطائرات دون طيار (التقرير الاستراتيجي العربي 2021)، ما مكن قوات الجيش من دحر تمرد التيجراي، وهو ما كان ضد رغبة مصر في إسقاط أبي احمد؛ أملا في وصول حكام جدد إلى إثيوبيا أو حتى تفتيت هذا البلد الذي يقوم ببناء سد كبير على النيل.

وجدير بالذكر، أن بالإمارات 121 شركة تستثمر في إثيوبيا خلال الفترة من 2002-2020، وهي تعتبر إثيوبيا ذات الـ 115مليون نسمة سوقًا كبيرًا لنشاطها الاقتصادي، ومن ثم رجحت الإمارات تلك المصالح على مصالحها مع الصديق العربي التقليدي، وقدمت مساعدات كثيرة لإثيوبيا (موقع أمان- التوتر الصامت مع الإمارات: النظام المصري يحتاط).

بالمثل كان التخوف المصري مما يجرى في السودان حاليًا، من تدخل إماراتي يدعم قوات الدعم السريع، إذ تشعر الإمارات أن بقاء حمدان دقلو (حميدتي) في السلطة، يدعم نقل الذهب الذي يستولى عليه من السودان إلى هناك، وأنه كان في السابق أحد أذرع الإمارات لضرب الإخوان في السودان وغيرها في بلدان مجاورة، لذلك لم يكن مستغربًا أن يرسل حفتر دعمًا إلى حميدتي بغرض مواجهة الجيش السوداني، وقد كان حميدتي في السابق في خندق واحد مع حفتر والإمارات؛ لمواجهة قوات الغرب الليبي. من هنا تأتي غضبة مصر من أن يطيل دعم الإمارات لحميدتي أمد الحرب التي تنقل آلاف المهاجرين السودانيين إلى مصر، إضافة إلى أن الفوضى في السودان قد تؤدي لموطئ قدم للقاعدة، ما يؤثر سلبًا على الاستقرار في مصر، وهو ما لم ينكره القاعدي أبو حذيفة السوداني، من سعية لاستغلال أية فرصة للعمل من السودان (السودان تريبيون- هل يجد تنظيم القاعدة موطئ قدم في السودان؟).

ولم تكن العلاقات بين الإمارات وإسرائيل وبين مصر وتركيا، إلا موضع خلاف آخر بين مصر والإمارات. إذ رأت مصر أن التحالفات التي تبنيها أبو ظبي مع تل أبيب، بشأن خطوط السكك الحديدية وأنابيب النفط والغاز تهدف لإيجاد بديل عن قناة السويس.

كما تقزز المصريون -جماهيريا- من الانفتاح الشعبي الإماراتي الجارف على إسرائيل.

بالمقابل، اعتبرت أبو ظبي، أن استجابة القاهرة لليد التركية الممدودة للمصالحة مع مصر مخالفًا لرغبتها في حصار الإسلاميين، ومخالفًا لمساعيها لمناكفاتها في مسألة غاز المتوسط. ورأت أن تلكؤ مصر في التحالف مع اليونان لهذا الغرض، جاء رغبة في ترسيم حدود مستقرة للثروات الطبيعية مع أنقره بدلا من مواجهتها بالتحالف مع اليونان وقبرص، وكل ذلك دفع القاهرة للضغط على السلطة الفلسطينية للتصويت؛ لمنع إنضمام الإمارات لمنتدى غاز المتوسط. (عربي بوست 8 إبريل/ نيسان 2021).

وفي اليمن الذي تسعى مصر بشتى الطرق لاستقراره بغية موقعه المؤثر على قناة السويس، كان هناك موعد آخر مع الإمارات وطموحاتها الخارجية. إذ سعت من تدخلها في اليمن لدعم السعودية منذ بدء حربها ضد “أنصار الله” في مارس/ آذار 2015 إلى تطوير طموحاتها هناك، بنشأة مركز تجاري ولوجستي للبلاد في جنوب اليمن، والتي تواجه أيضا تواجدين إماراتيين عسكريين في البر الغربي من البحر في مدينة بوساسو الصومالية وأرض الصومال.

ولذلك، قامت بدعم قوي للمجلس الانتقالي في جنوب اليمن بغرض انفصاله، ومواجهة أنصار الله وحزب الإصلاح والرئيس اليمنيالسابق عبد ربه منصور، وهي أمور بالتأكيد يتباين بعضها مع المصالح السعودية، وفي الأخير تتباين مع مصالح مصر الداعمة للاستقرار؛ خشية المساس بقناة السويس وأمن البحر الأحمر، خاصة مع مخاوف مصر للتنسيق الأمني الإماراتي والإسرائيلي لمواجهة حزب الله، وكذلك التنسيق في القرن الإفريقي وباب المندب، والذي وصل لحد إجراء مناورات بحرية بينهما بالبحر الأحمر (كارنيجي- موقع صدى 8 فبراير/ شباط 2022).

وهكذا، يتضح أن مناطق الخلاف في العلاقات بين مصر والإمارات في اتساع مستمر، وأنه لا خشية من تأثير ذلك على العلاقات بينهما، ما دام وجد نوع من الاتفاق على الاختلاف.

لكن، بما أن لمصر حاجة ملحة في دعم الشأن الاقتصادي، فإن عليها دومًا أن تبحث عن بديل، يدعم خطط التنمية بها، ولا تراهن على طرف واحد في مسألة جذب الاستثمار. هنا قد يكون من المفيد التوسع في علاقات مصر مع بلدان لا تتصادم المصالح السياسية معها، مع محاولة تسكين الخلاف مع الإمارات كلما أمكن ذلك.