منذ اندلاع الأزمة السورية أصبحت سوريا ساحة حرب بين القوى الإقليمية، ومن أبرزها دول الخليج. على الرغم من أن قطر والسعودية دعموا أطراف مختلفة معارضة للنظام السوري، ولكن جميع الدول الخليجية اتفقوا على العداء لبشار والرغبة بالإطاحة به.

ولكن العداء المطلق لبشار بدأ بالزوال تدريجيا، خاصة بعد التطورات الأخيرة الخاصة بالحديث حول عودة عضوية سوريا بجامعة الدول العربية.

لقد دعت السعودية لاجتماع تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي بمشاركة مصر والعراق والأردن؛ للتباحث حول إعادة عضوية سوريا في الجامعة العربية.

كانت السعودية وسوريا قد أصدرتا بيانا مشتركا، يرحبان فيه بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدان، وظهر في البيان اتجاه نحو إعادة ضم سوريا مجددا وإنهاء عزلتها عن المحيط العربي.

هذه الخطوة لم تكن الحادثة الأولى، التي تنبأ بأن هناك اتجاه خليجي نحو إنهاء عزلة سوريا، فكانت هناك عدة بوادر منذ 2018، عندما أعادت الإمارات افتتاح سفارتها في سوريا، كما زار وزير الخارجية الإماراتي بشار الأسد في 2021.

ومؤخرا، هذا العام زار الأسد عمان والإمارات. خلال زيارة الأسد للإمارات، دعا محمد بن زايد لعودة سوريا إلى “محيطها العربي.” ولكن يبقى السؤال ما الذي دفع الدول الخليجية – السعودية والإمارات بشكل خاص – لتغيير إستراتجيتهم نحو الأسد؟

الرئيس السوري بشار الأسد مع رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان في أبو ظبي- مارس/ آذار 2023 (وكالات)

اقرأ أيضا: مكاسب وعواقب.. الأسد يخرج من الجليد

السعودية وقطر: وجهان لإخفاق واحد

دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية اتخذوا موقفا معاديا لبشار الأسد منذ 2011، حيث انها كانت فرصة لإضعاف نظام الأسد الذي هو حليف لإيران في المنطقة، وقاموا بتمويل ودعم جماعات مسلحة معادية لبشار الأسد. ولكن تدخلات السعودية أضرت بالمنطقة بأكملها، كما أنها فشلت في تحقيق أهدافها.

توضح مي درويش، (الأستاذة بجامعة برمنغهام) بأن نتائج تدخل السعودية في سوريا يوضح عدم إدراك السعودية بأن طموحاتها لقيادة المنطقة أكبر من إمكانياتها. أولا: دعم السعودية للجماعات الجهادية في سوريا كانت عشوائية وغير منظمة، فاعتمدوا على مجموعات متفرقة لم تربطهم علاقة قوية بالمملكة ولا تجمعهم أيدولوجية واحدة.

كما ربطت السعودية بين الخطاب الطائفي والأمني، فبعد أن كان النظام السوري يعد سابقا منافسا عربيا، أصبح خطرا شيعيا على الإسلام السني، مما أشعل الخلافات الطائفية في المنطقة. كما أن السعودية وجدت نفسها أمام معضلة، وهي أنها أرادت التخلص من نظام بشار، ولكنها أيضا لا تريد الجماعات الجهادية مثل، جبهة النصرة أو داعش أو الإخوان المسلمين أن يصلوا للسلطة؛ خوفا من أن يوجهوا هجماتهم للمملكة.

ولهذا لم تستمر السعودية طويلا في سياساتها العدوانية. كما لاحظا بينيديتا بيرتي، ويوئيل جوزانسكي في دراسة، بأنه منذ عام 2014، بدأت الرياض بتخفيف سياساتها العدوانية تجاة سوريا تدريجيا، بعد أن نجح نظام بشار في تحقيق انتصارات في معارك هامة في القصير والقلمون وحمص، بالإضافة إلى أن دول الخليج فشلت في دفع الولايات المتحدة بالتدخل في سوريا.

لم تكن السعودية الدولة الوحيدة التي رأت النزاع في سوريا كفرصة؛ لتحقيق اهدافها السياسية واثبات قيادتها. قطر أيضا تدخلت في النزاع السوري ولعبت دورا محوريا في تعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية. ودعمت قطر كذلك جماعات مسلحة معارضة لبشار، ولكن دعمت قطر الجماعات التابعة للإخوان المسلمين في سوريا. سرعان ما أصبحت سوريا وقتها ساحة انعكس فيها النزاع بين قطر ودول التعاون الخليجي ورأسها السعودية.

الأزمة الخليجية بين قطر وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، فاقمت الأوضاع سوءا في سوريا، خاصة مع دعم قطر لجماعات تابعة للإخوان المسلمين.  ولكن نجحت  السعودية في سحب البساط من تحت قطر في سوريا، حيث قامت السعودية بإضعاف تاثير جناح الإخوان المسلمين في المجلس الوطني السوري، بضم المزيد من القوى في المجلس عام 2013.

وفي النهاية، مثلها مثل السعودية، ومع مرور السنوات تراجعت حدة سياساتها الخارجية العدوانية لعدة أسباب، ومنها التكاليف الباهظة لتلك التدخلات في ظل اقتصاد قطر المرهق من المقاطعة العربية، وعوامل أخرى مثل، عدم استقرار أسعار النفط، بالإضافة إلى سخط الشعب القطري؛ بشأن التدخلات الخارجية كما أظهرت بعض الاستطلاعات.

يجادل كريستوفر فيليبس، كلا من قطر والسعودية أساءوا تقدير الوضع في سوريا. اعتقدت الدوحة والرياض، بأن نظام الأسد سيسقط لا محالة وبالغوا في تقدير مدى قدرتهم على إسقاط نظام الأسد. كما يلاحظ كريستوفر فيليبس، بأن الدوحة والرياض يفتقرون لخبرات السياسة الخارجية، والمعلومات الاستخبارتية حول سوريا، لكونها لم تكن تاريخيا منطقة محورية لسياساتهم الخارجية بالإضافة إلى البلدين، يفتقران الخبرة لإدارة الحروب بالوكالة، فكانت إستراتيجتهم في دعم المعارضة محدودة وضعيفة، فاعتمدت الرياض على بعض العلاقات الشخصية مع بعض القبائل في سوريا، والدوحة أيضا اعتمدت على علاقاتها مع جماعة الإخوان. بالإضافة إلى أن الصراع الخليجي ودعم البلدين أطراف مختلفة في سوريا، أدى إلى حدوث انشقاقات داخل المعارضة السورية مما أضعفها. كما أساء البلدان حجم الدعم الروسي والإيراني الذي عزز موقف الأسد، خاصة مع عدم رغبة أوباما بالتدخل عسكريا ضد الأسد (الأمر الذي كانت  الدوحة والرياض يراهنان عليه،  وفشلا في دفع أوباما بالتدخل عسكريا).

في أوائل هذا العام صرح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، بأن هناك اتفاقا يتشكل بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، بأن عزل سوريا أصبح بلا جدوى، وأنه لا بد من  فتح حوار مع بشار الأسد. تصريحات وزير الخارجية تمثل اعتراف ضمني بفشل السعودية في تحقيق أهدافها في سوريا.

الأسد يلتقي ولي العهد السعودي خلال قمة جدة- وكالات

اقرأ أيضا: النفوذ والاقتصاد والأيديولوجيا.. الإمارات ترسخ تصالحها مع سوريا

هشاشة التعنت القطري

ولكن على الجانب الآخر، ليست جميع الدول مرحبة بمثل هذه الخطوة. أشار تقرير لوول ستريت جورنال، بأن خمس دول ترفض عودة سوريا للجامعة العربية، وهم قطر والمغرب والكويت واليمن. قطر بشكل خاص ما زالت متشبثة بموقفها المعادي لبشار وأبدت اعتراضها حول عودة سوريا إلى الجامعة العربية، حيث ربطت عودة سوريا بما أطلقت عليه “تغيير ميداني يحقق تطلعات الشعب السوري.”

ولكن موقف قطر العنيد لعودة سوريا، قد لا يستمر طويلا. فلقد ذاقت قطر الآثار الاقتصادية والسياسية الموجعة للمقاطعة التي فرضت عليها من قبل دول الخليج ومصر خلال الأزمة الأخيرة، وعلى الأرجح أن الدوحة غير مستعدة للعودة إلى تلك العزلة مجددا بعد تطبيع العلاقات أخيرا مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر. على الرغم من أن تقرير وول ستريت جورنال قال، بأن مصر أبدت تحفظات على عودة عضوية سوريا، ولكن رئيس تحرير جريدة الأهرام نفى هذا وقال، بأن رغبة مصر الأساسية في المرحلة القادمة هي عودة عضوية سوريا، وهذا الموقف متوافق بشكل كامل مع توجهات السعودية والإمارات.

من العوامل الأخرى التي قد تجعل قطر تتنازل عن موقفها هو علاقاتها مع إيران. تربط قطر وايران مصالح إسترايجية هامة، لتشاركهما حقل غاز الشمال، كما أن إيران أنقذت قطر بعد مقاطعة دول مجلس التعاون الخليجي لها، فقدمت طهران لقطر امدادات الغذاء التي كانت بحاجة لها، وسمحت للسفن والطائرات القطرية بالمرور في مجالها الجوي والبحري.

اليوم أصبحت العلاقات الإيرانية مع دول الخليج أكثر تعقيدا بعد الاتفاق السعودي-الإيراني. على الرغم من أن الاتفاق لن ينهي الصراع بين السعودية وإيران، ولكنه سمح بمساحة للحوار والتهدئة بين البلدين، مما يعد تطورا هاما في العلاقات الخليجية-الإيرانية بعد ؟أن كانت قطر هي الدولة الخليجية الأكثر تأثيرا التي تجمعها علاقة قوية بإيران. وكلا من السعودية وإيران (اللذان تعتمد عليهما قطر وليست من مصلحتها خسارة أية منهما) الآن يتشاركان الرغبة في إنهاء عزلة بشار وضمه للجامعة العربية، مما سيجعل قطر غير قادرة على التعنت لوقت طويل.

الواقع السوري يحطم طموح الخليج

تدخل الدول الخليجية وعلى رأسهم السعودية والإمارات وقطر في سوريا، أشعل الصراع في سوريا وفاقم الحرب الأهلية سوءا، حيث أن الدول الثلاث اعتبروا سوريا ساحة لصراعهم على القيادة.

مبادرة السعودية والإمارات لعودة سوريا إلى الجامعة العربية مجددا، هو تحول هام بعد سنوات من السياسات العدوانية. هذه الخطوة تعبر عن إخفاق إستراتيجيات الدول الخليجية بقيادة السعودية في تحقيق أهدافها في سوريا، بعد أن كانوا رافضين رفضا قاطعا لنظام الأسد في السابق.

اصطدمت الدول الخليجية –  وخاصا السعودية وقطر-  بالواقع السوري. أثبتت الحالة السورية محدودية قدرات السعودية وقطر في السيطرة على الصراع في سوريا، كما أوضحت فشل رهاناتهم المتسرعة حول قدراتهم، ودور الأطراف الإقليمية والدولية. ربما لا تزال قطر متمسكة بموقفها الرافض لعودة سوريا للجامعة العربية، ولكن ضغط الأطراف الإقليمية الراغبة لعودة سوريا قد يجبر قطر على التنازل بالنهاية.