نهاية شهر مايو/ أيار الماضي، أوقف البنك المركزي المصري استخدام البطاقات مسبقة الدفع في التعاملات الدولية سواء للسحب النقدي أو الشراء “أونلاين” بأي عملة أجنبية. كما قضى القرار بوقف التعاملات الدولية باستخدام البطاقات مسبقة الدفع خارج مصر أو للشراء أون لاين، مع سريان استخدام بطاقات الخصم المباشر “الدبت المرتبطة بحساب العميل” والائتمان “الكريدت كارد” خارج مصر وفي الدفع الإلكتروني.

كما اعتبر البنك المركزي سداد العميل أي مُشتريات إلكترونيا “أون لاين” سواء من داخل أو خارج مصر بأي عملة أجنبية تدخل ضمن التعاملات الدولية؛ لكن المركزي لم يعلن أسباب القرار .

في البداية، تُعرف البطاقة مسبقة الدفع “Pre-Paid Card” بأنها بطاقة يتم وضع الأموال فيها مسبقًا “شحنها”، ثم يمكن السحب منها للقيام بكافة المعاملات المالية في إطار الرصيد المتاح بالبطاقة، ولا يُشترط للحصول عليها فتح حساب بنكي. وتعدّ تلك البطاقات إحدى الوسائل الآمنة للشراء عبر الإنترنت؛ بسبب تحكم العميل في حجم الأموال المودعة بها.

وتتولى شركتا فيزا وماستركارد الدولية للمدفوعات الإلكترونية، تشغيل جميع الكروت خارج مصر بما فيها مسبقة الدفع التي تحمل أي شعار من الشركتين وفقا للحدود المسموح بها فى هذا النوع من البطاقات من البنوك المصرية.

وتُعاني مصر من أزمة نقص العملات الأجنبية خلال العامين الأخيرين، وهي الأزمة التي دفعت الحكومة إلى البحث لإقفال المنافذ أمام تسرب العملات الأجنبية؛ لكن هل كان الأمر يستلزم وقف البطاقات مسبقة الدفع، وهل ستُعالج أزمة عجز ميزان المدفوعات المصري؟.

قرارات سابقة

قبل صدور هذا القرار، كانت البنوك المصرية وضعت حدًا للسحب النقدي عبر بطاقات الخصم والائتمان المستخدمة في الخارج، للحفاظ على السيولة من الدولار.

وضع  بنك مصر حدا للسحب النقدي لبطاقات الائتمان والخصم بين 500 إلى 1500 دولار شهريًا، والبنك التجاري الدولي من 5 إلى 300 ألف جنيه “161.8 إلى 9708 دولارات شهريًا” حسب البطاقة، وبنك إتش إس بي سي 5 آلاف دولار شهريًا، وبنك أبو ظبي الأول نحو 500 دولار شهريًا.

كما رفعت البنوك نسبة العمولة المُقررة على السحب النقدي في خارج مصر من ماكينات ATM بنسبة تصل إلى 13% من إجمالي قيمة المعاملة تتراوح بين 10% كعمولة تغيير عملة، و3% عمولة استخدام ماكينة خارجية، فضلا عن رسوم إضافية تصل إلى 50 جنيها على كل سحبة.

تكلفة بطاقات الدفع المسبق

يُوضح الدكتور محمد فؤاد، أستاذ الإدارة واستشاري إدارة الأعمال، أن بند البطاقات مُسبقة الدفع بالعملة الأجنبية يظهر في ميزان المدفوعات تحت مسمى “Travel” أو السفر، والذي يضم كل المنصرف الدولاري خارج مصر من خلال تعاملات المصريين خلال السفر أو المقيمين في الخارج.

وتُظهر مراجعات لبند travel في ميزان المدفوعات، بأنه خلال الفترة بين الربع المالي الأول من العام المالي الجاري 2022/ 2023، زادت مدفوعات بند السفر بنسبة 123%، مقارنة بقيمتها خلال نفس الفترة من العام المالي 2018/ 2019.

كما تُبين المراجعة، أنه خلال الفترة بين الربع المالي الثاني للعام المالي الجاري 2022/ 2023 زادت نسبة مدفوعات بند السفر في ميزان المدفوعات إلى 82% مقارنة بنفس الفترة من العام المالي 2018/ 2019.

وبشكل عام، بدأت مدفوعات بند السفر في ميزان المدفوعات المصري تزيد منذ الربع المالي الثاني من العام المالي الماضي 2021/ 2022، وفي ذلك الربع المالي كسرت حاجز المليار دولار خلال فترة 3 شهور، هي “فترة الربع المالي”.

وخلال السنوات المالية الأربع السابقة، زاد بند السفر Travel في ميزان المدفوعات من 2.9 مليارات دولار عام 2018/ 2019 إلى 4.57 مليار دولار في العام المالي الماضي 2021/ 2022. وخلال الربعيّن الماليين الأول والثاني من العام المالي الجاري بلغت قيمة بند السفر في ميزان المدفوعات المصري 2.8 مليارات دولار.

[iframe src=”https://flo.uri.sh/visualisation/14101832/embed?auto=1%27″ width=”100%” height=”600″]

علاج مؤقت لأزمة مزمنة

ويعتقد الدكتور محمد فؤاد، في مقال له، أن هناك سوء استخدام للبطاقات مسبقة الدفع، وأثر ذلك سلبًا على المعروض الدولاري، لكن الجزم بأن زيادة قيمة بند السفر كانت سببًا للمضاربة أو إساءة استخدام للدولار، فهذا نوع من التعميم الشديد غير الواقعي أو المنطقي.

ويرى فؤاد، أن بند السفر لا يُشكل نسبة كبيرة من ميزان المدفوعات المصري، فضلاً عن أن كل تلك علاجات مؤقتة لمشكلة مزمنة، وهذا الأمر قد يواجه عرّض المرض فقط، أما المرض نفسه فلا يقربه، بل على العكس يعظمه.

تطور عجز ميزان المدفوعات

وخلال السنوات الأربع الماضية، تباين ميزان المدفوعات المصري ما بين العجز والفائض، ففي العام المالي الماضي 2021/ 2022، سجل ميزان المدفوعات العجز الأكبر حتى الآن، بعدما حقق عجزًا بقيمة 10.5 مليارات دولار، وذلك مقارنة بتحقيقه فائض بقيمة 1.9 مليارات دولار خلال العام المالي السابق عليه 2020/ 2021، وفقًا لبيانات صادرة عن البنك المركزي.

كما سجل ميزان المدفوعات عجزًا بقيمة 8.6 مليارات دولار خلال العام المالي 2019/ 2020، والذي تزامن مع الموجة الأولى لفيروس كورونا. فيما حقق ميزان المدفوعات عجزًا بقيمة 100 مليون دولار في العام المالي 2018/ 2019، مقارنة بتحقيقه فائض بقيمة 12.7 مليارات دولار في العام المالي 2017/ 2018.

بطاقة ائتمانية لمستخدمي السوشيال ميديا

إلى ذلك، ينفي الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، وجود علاقة بين وقف البنك المركزي استخدام بطاقات الدفع المسبق، وبين اعتزام وزارة المالية إصدار بطاقات ائتمانية لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وربطها بحسابات بنكية بدلًا من بطاقات “Pre-Paid Card”.

وكانت تقارير إعلامية أشارت إلى عزم وزارة المالية إصدار بطاقات ائتمانية لمستخدمي السوشيال ميديا وربطها بحسابات بنكية بدلًا من بطاقات “Pre-Paid Card”، على أن تكون البطاقات الجديدة المزمع إصدارها لمستخدمي السوشيال ميديا تضمن دفع الضرائب للدولة عن إيرادات المعاملات التي يتم إجراؤها.

ويُضيف الدكتور رشاد عبده لـ”مصر 360″، إن قرار البنك المركزي راجع في الأساس إلى زيادة استخدام بطاقات الدفع المسبق بشكل كبير خلال الفترة الماضية، مقارنة بسنوات ماضية، ومع العلم أنه لو لم تكن هناك أزمة في النقد الأجنبي لما فرض البنك المركزي قراراه.

التفتيش في جيوب المواطنين

ويُشير عبده، إلى أن وزارة المالية تسعى إلى زيادة مواردها المالية، ولا يوجد أمام وزير المالية سوى النظر في جيب المواطن، وبالتالي فهو يريد تحصيل ضرائب من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، والمعلنين الموجودين على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من كل تلك الوسائل الحديثة.

ويُتابع الخبير الاقتصادي، إلى أن القاسم المشترك الذي يجمع قرار البنك المركزي “وقف استخدام البطاقات مسبقة الدفع في التعاملات الدولية سواء للسحب النقدي أو الشراء “أونلاين” بأي عملة أجنبية”، وما أشارت إليه التقارير الإعلامية عن  عزم وزارة المالية إصدار بطاقات ائتمانية لمستخدمي السوشيال ميديا وربطها بحسابات بنكية بدلًا من بطاقات “Pre-Paid Card”، هذا القاسم المشترك، هو نقص العملة الأجنبية ومحاولة الدولة ممثلة في مؤسساتها توفير وتحصيل أكبر قدر منها، لمحاولة الحفاظ على موارد الدولة المالية من العملات الأجنبية.