تمتلك لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، في اجتماعها المقبل يوم 22 يونيو/حزيران الحالي، مساحة ضيقة للمناورة في حسم قرار الفائدة، فمعدلات التضخم الأساسي والعام الجامحة تجعل القرار المنتظر، أقرب للرفع عن التثبيت بينما التخفيض هو أمر مستبعد.
وأعلن البنك المركزي ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 40.3% خلال مايو/أيار 2023، مقابل 38.6% في إبريل/نيسان 2023.
بينما سجل المعدل السنوي للتضخم العام 32.7% خلال مايو/ أيار 2023 مقابل 30.6% بإبريل/نيسان 2023. بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
تأتي تلك الأرقام بعيدة عن مستهدفات البنك المركزي بتحقيق معدلات تضخم عند 7% (± 2 نقطة مئوية) بالمتوسط خلال الربع الرابع من 2024، و5% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من العام.
معدلات التضخم أعلى من التوقعات
بحسب قسم البحوث بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، فإن قراءة معدلات التضخم الأساسي والسنوي جاءت أعلى نسبيا من التوقعات بنحو 2%، بسبب زيادة سعر السولار؛ الذي حرك معه أسعار الغذاء والمشروبات.
رغم أن التضخم الأساسي يستثني تأثير الخضروات والفواكه من حساباته، وكذلك السلع المسعرة إداريا، لكن أسعار السولار ألقت بظلالها على الأسعار الأخرى ورفعت أعباء النقل.
وقررت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، في الرابع من مايو/ أيار الماضي، رفع أسعار السولار بمقدار جنيه واحد ليصبح سعر البيع 8.25 جنيه للتر، لكنها أبقت على أسعار البنزين دون تغيير.
وبِشأن توقعات قرارات اجتماع البنك المركزي، تقول سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية، إن المركزي أمامه حلين أولهما رفع الفائدة بنسبة 50 أو 100 نقطة أساس لمواجهة ارتفاع التضخم الذي جاء كأحد أسباب رفع السولار، وتأثيره على تكلفة النقل خاصة الخضروات والفاكهة والثاني هو التثبيت.
هذا وقررت لجنة السياسة النقديـة في اجتماعها السابق في 18 مايو /أيار 2023 الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 18.25%، 19.25% و18.75% على الترتيب، كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 18.75%.
الفائدة ارتفعت 10% في عام وثلاثة أشهر
تضيف الدماطي أنها لا تفضل خيار الرفع، فالفائدة ارتفعت بنسبة تصل إلى 10% في فترة زمنية قصيرة، كما رفع البنك المركزي الاحتياطي الإلزامي، وسحب حجم كبير من السيولة عن طريق الشهادات مرتفعة العائد.
كان البنك المركزي قد قرر رفع سعر الفائدة بنسبة 10% خلال آخر 15 شهرا بينها 8% العام الماضي و2% في مارس/ 2023 ذلك للسيطرة على زيادة الأسعار وتحجيم معدلات التضخم التي ارتفعت بوتيرة كبيرة مع تخفيض سعر صرف الجنيهَ.
تضيف الدماطي أن زيادة الفائدة له تأثير محدود على التضخم، وفي الوقت ذاته يحمل تأثيرات سلبية على الاقتصاد، منها زيادة الفوائد التمويلية وإمكانية حدوث تباطؤ اقتصادي، علاوة على تأثيره على الموازنة العامة للدولة.
فى الوقت ذاته، تستهدف وزارة المالية، تحقيق معدل نمو 4.1% في العام المالي المقبل، مقابل 4.3% للعام المالي الحالي، ومعدل فائدة لاذون الخزانة عند 18.5% وحال ارتفاعها عن المستهدف بمشروع الموازنة بنحو 1% فسيؤدي ذلك إلى عبء إضافي على الموازنة العامة للدولة بحوالي 70 مليار جنيه.
رفع الفائدة يؤثر سلبيا على الاستثمار
يحدث رفع الفائدة إحجاما من القطاع الخاص عن الاقتراض، وزيادة الطلب على إيداع الأموال من قبل المستثمرين، على اعتبار انها تدر عائدا كبيرا دون أي مخاطرة، فوضع مليون جنيه في شهادة بعائد 25٪ يدر 250 ألف جنيه في العام، دون عبء الضرائب أو المرتبات والمصروفات الإدارية والأجور.
وفي محاولة من البنك المركزي لتلافي تأثيرات أعباء الفائدة على الاستثمار، قرر أخيرا رفع نسبة الاحتياطي النقدي بنحو 4% لتبلغ 18% بدلا من 14%.
والاحتياطي الإلزامي هو نسبة من إجمالي ودائع العملاء بالبنوك بالعملة المحلية التي يقل عمرها من 3 سنوات، وتقوم بإيداعها بالبنك المركزي دون الحصول على عائد مقابل الإيداع، ومن شأن رفعها تقليل نسبة الإقراض وسحب المزيد من السيولة.
حنان رمسيس، الخبيرة المالية، ترجح هي الأخرى رفع البنك المركزي الفائدة بنسبة 1%، لأن الخيارات الأخرى لمواجهة للتضخم مكلفة أيضًا من بينها رفع الاحتياطي الإلزامي إلى 20% وهو رقم قد يقلص قدرة البنوك على التمويل ويحول دون تأديتها دورها.
كان الهدف الأساسي من “الاحتياطي الإلزامي” تلافي تعرض البنوك لأي مخاطر حال حدوث سحب مفاجئ من العملاء لودائعهم، قبل أن يصبح احد وسائل البنك المركزي للتدخل في السوق عبر سحب أو زيادة السيولة.
سعر الصرف.. تحد صعب
تقول “رمسيس” إن المركزي أمامه تحديات في سعر صرف الجنيه حاليا، فتخفيضه يرفع التضخم ويزيد من الأسعار، كما يغير تقديرات أسعار السلع الدولية في الموازنة ويزيد من تكلفة الاستيراد، ويعزز الطلب بالسوق السوداء، ما يجعل رفع الفائدة الخيار الأول.
لم تعلن “المالية” تقديرها لسعر صرف الدولار ضمن مشروع الموازنة لكن وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب النائب ياسر عمر، قال في تصريحات تلفزيونية، إن الحكومة قدرت سعر الدولار بالموازنة الجديدة بأقل من 31 جنيها، معتبرا أن السعر العادل للدولار 29 جنيها.
تستهدف وزارة المالية سعر برميل النفط عند 80 دولار للبرميل، ومتوسط سعر القمح عند 340 دولاراً للطن، وحال تخفيض الجنيه ترتفع تلك الأعباء بنفس قيمة التخفيض.