ضمن رصد لظاهرة عدم المساواة، أصدرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، التابعة للأمم المتحدة “الإسكوا“، تقريرا عن عدم المساواة في المنطقة العربية.
ركز التقرير على تحليل مظاهر وأوجه عدم المساواة بما فيها، التفاوت في الثروة والدخل، وصولا إلى ظاهرة الجوع، والعجز عن الحصول على الغذاء الكافي، بما يهدد الأمن الغذائـي، وهو ما اعتبره التقرير تهديدا وحشـيا لعدم المسـاواة.
حيث يساهم عدم الأمن الغذائى في تفتيـت المجتمعات، ولا يقتصر على كونه مسـألة جوع فحسـب، بل هـو عامل يمثل تحديا للسـيادة والاستقرار، خاصة مع كون المنطقة تنتج أقل من نصف الغذاء الذي تستهلكه.
وإن كانت قصـة الجـوع قديمـة قِـدم البشـرية، ولكنها اليـوم باتت أشـد تعقيـدا، حيث تتشابك مـع العولمـة، وتغيـر المنـاخ، والنمو السـكاني، والجغرافيـا السياسـية.
يطرح التقرير أسئلة حول تهديد انعدام الأمن الغذائي للمنطقة، رغم امتلاكها ثروات هائلة، حيث يكشف عن أن 35 في المائة من سكان المنطقة العربية، يفتقرون للأمن الغذائي. ويتجاوز عددهم 181 مليون شخص، وهولاء يعيشون في ظل الفقر، وقد زاد عددهم خلال العام الماضي ب 12 مليون. بحيث تصبح المنطقة الأقل مساواة بين مناطق العالم حسب ما يورد التقرير .
أزمات توسع فجوة عدم المساواة
ويتوقع التقرير أن تعاني المنطقة مزيدا من عدم المساواة، بناء على أزمات وضغوط ضربت المنطقة بداية من جائحة كوفيد- 19، إلى ارتفاع أسعار الفائدة عالميا بما له من تداعيات على مستوى التضخم في أسعار الغذاء، وتنامي ضغوط الديون، وتزايد كلفة المعيشة، ثم الحرب في أوكرانيا والتي دفعت أسعار الحبوب والطاقة إلى مزيد من الارتفاع.
وساهمت الأزمات تلك في اتساع فجوة عدم المساواة داخل البلدان وفي ما بينها، خاصة فيما يتعلق بالأمن الغذائي والتي تتضمن ركائز أربع هي التوفر، وإمكانية الوصول، والاستخدام، والاستقرار.
وتسجل المنطقة العربية أوسـع فجـوة لعدم المسـاواة فـي الدخل فـي العالم، وفيهـا قـدر هائـل مـن عدم المسـاواة في الحصـول على الغذاء الصحـي، كما أن هناك عجزا في القدرة على تحمل تكاليف الطعـام المغـذي، حيث يعاني ثلـث سـكان المنطقة مـن الجوع، ويعانـي ثلـث آخر من السـمنة.
53 مليون يعانون نقص الغذاء
ضمن رسائل التقرير، حول الأمن الغذائي، يشير التقرير إلى الأمن الغذائي لا يقتصر على ضمان إنتاج أو استيراد ما يكفي من الغذاء إلى بلد ما، بل يشمل ضمان حصول جميع السكان على الإمكانيات المادية اللازمة للحصول على الغذاء.
ويشير التقرير إلى أن أحد نتائج انعدام أو نقص الأمن الغذائي بقاء الجيل المقبل حبيس عدم المساواة، حيث يكون الأطفال الذين يولدون لنساء يعانين من نقص الحديد، أكثر عرضة للولادة المبكرة ولديهم وزن أقل عند الولادة.
وتزيد احتمالات المخاطر في المنطقة العربية، والتي تشهد تفاوتا ً شديدا في الحصول على الأغذية الجيدة والمغذية؛ ضمن مؤشرات ذلك معاناة نحو 33.3 % من السكان من انعدام الأمن الغذائي، وحوالي 28.4 % يعانون من السمنة المفرطة.
كما يطال نقص الغذاء (النقص التغذوي) 11.9 % من سكان المنطقة وهو ما يقارب 53 مليون شخص، وهو أعلى من المتوسط العالمي البالغ 9.3 %.
تدعيم الأنظمة الزراعية وتحسين الإنتاج وتعزيز التجارة
يعتبر التقرير أن الأمن الغذائي ضروه ملحة وليس ترفا أو اختيارا، ويدعو إلى تقديم مساعدة إنسانية فورية، ومن دون اعتبارات سياسية، عند وقوع الصدمات.
ويدعو التقرير إلى تضامن إقليمي من خلال إعادة توزيع الموارد، من الذين يمتلكون فائضاً منها إلى الذين لا يمتلكون إلا القليل، وإلى زيادة الاستثمارات في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية
ذلك بجانب العديد من الإجراءات المتنوعة، والتي منها دعم الاستثمارات في البنى الأساسية للنقل والاتصال، بما يقلل تكلفة نقل الاغذاية، ويسهل الوصول إلى الأسواق.
ومن أجل تعزيز الوصول إلى الغذاء يتطلب الأمر أيضا سياسات وإجراءات للحفاظ على الغذاء سواء في النقل أو التخزين.
ينتهي التقرير بطرح عدة توصيات، تختص بتعديل السياسات العامة بهدف التصدي لحالة عدم المساواة، من آليات التصدي، تدعيم الأنظمة الزراعية، وتحسين الإنتاج، وتعزيز التجارة، مع السعي إلى التخفيف من آثار تغير المناخ، والتكيف معها، هذا إضافة إلى تحسين إدارة مخاطر الكوارث.
إعادة توزيع الموارد وتحسين الحماية الاجتماعية
هذا بجانب تعزيز التضامن وسياسة الحماية الاجتماعية، حيث يشير التقرير إلى ضرورة إعادة توزيع الإيرادات، وتمويل برامج الحماية بما يساهم في كسر حلقة توارث أوجه عدم المساواة بين الأجيال، والذي يمكن أن يتحقق عبر الوصول إلى التعليم وإتاحة اكتساب المهارات وتعزيز الفرص.
هذا بجانب توفير وتحسين الاستفادة من الغذاء، وتحقيق استقراره، بجانب سياسات اقتصادية بينها سياسات ضريبية تصاعدية، هذا بجانب سياسات تتعلق بمواجهة تداعيات تغير المناخ بينها إنشاء أنظمة الإنذار المبكر، ووحدات إدارة الكوارث، والتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
مواجهة تداعيات المناخ وتعزيز المساواة
تؤدي أوجه عدم المساواة في تغير المناخ إلى تفاقم التفاوتات في الدخل، خاصة وأن الفئات الأشد فقرا وهشاشة هي الأكثر تضررا من آثار تغير المناخ.
وتتطلب مواجهة التداعيات مجموعة من آليات قوية للتشجيع على خفض الانبعاثات. هذا بجانب فرض ضرائب مرتفعة بالدرجة الكافية لتثبيط أنماط الأنشطة الملوثة مع وضع حوافز تدفع القطاع الخاص نحو بدائل الطاقة النظيفة.
ويشير التقرير إلى الاستفادة من الإيرادات من ضرائب انبعاثات الكربون وغيره من الملوثات بأفضل وجه ممكن، ويشمل ذلك إضافة إلى توسيع نطاق التغطية بأطر الحماية الاجتماعية وزيادة الاستثمارات في الطاقة الخضراء، وتمويل الشركات الصديقة للبيئة لزيادة استدامتها.
هذه السياسات تساعد في الحد من عدم المساواة، ليس فقط عدم المسـاواة في الحصول على الغذاء. لكن أيضا زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجـددة، بما يعزز فرص الحصول على الكهرباء بأسـعار معقولة، إضافة إلى توفير فرص العمـل.
أعد التقرير مجموعة من الخبراء التابعين لليونسكو بالتعاون مع خبراء متنوعي التخصصات في مجالات السكان والعدالة بين الجنسين، والتغيرات المناخية وسياسات الغذاء والبيئة.