عقيدة سلمان، هو المصطلح الذي أصبح يطلق على سياسات السعودية الخارجية، بعد وصول ولي العهد محمد بن سلمان للحكم. ترتكز عقيدة سلمان على إثبات الدور القيادي للسعودية بالمنطقة، خلال تدخلات عنيفة في شئون الدول المجاورة، واستخدام وسائل حازمة؛ لصد النفوذ الإيراني، وبناء تحالف سني. عقيدة سلمان بلا شك طموحة للغاية؛ حيث أن الرياض لا تسعى فقط لحماية أمنها، بل تسعى لاستعراض قوتها ولإثبات بأنها اللاعب القادر على السيطرة على الإقليم وقيادته. وربما قد تكون طموحات بن سلمان للقيادة، وضعت الكثير من العوامل في الاعتبار، إلا عاملا واحدا رئيسيا، وهو هشاشة ومحدودية قدرات الرياض مقارنة بتلك الأهداف.
تعريف عقيدة سلمان
لطالما، اعتمدت السعودية على قوتها الناعمة التي ترتكز على نشر الوهابية، واستخدام أموال النفط لمد نفوذها في المنطقة. ولكن عقب الربيع العربي، تحولت سياسة السعودية تدريجيا إلى سياسة خارجية أكثر صرامة وعدوانية. ظهر هذا في تدخلات السعودية في سوريا بدعمها لجماعات مسلحة، وفرض حصار على قطر وقت الخلاف الخليجي، وأبرز التدخلات وأعنفها كانت الحرب السعودية على اليمن.
التحول في السياسات الخارجية السعودية من الاعتماد على القوى الناعمة للقوة العسكرية، أصبح يطلق عليه عقيدة سلمان. يحدد بالوما جونزاليس ديل مينيو، وديفيد هيرنانديز مارتينيز، الأهداف الرئيسية لعقيدة سلمان وهي، إعادة النظام والاستقرار في المنطقة عن طريق ترسيخ قوة وهيمنة الرياض على الإقليم، والتأكيد على الدور السعودي لقيادة المنطقة، مع ضمان أن السياسية الإقليمية تظل خاضعة لمصالح الرياض. كما تعتمد عقيدة سلمان على استخدام القوة العسكرية؛ لمواجهة أتباع إيران في المنطقة مع الاستعانة بخطاب عدائي يضع حدودا صارمة بين الجانب السني ضد الخطر الشيعي.
من خلال عقيدة سليمان تشكل السعودية تحالفا من القوى السنية. ومن الأدوات التي تستخدمها السعودية؛ لتعزيز موقفها على سبيل المثال هو مجلس التعاون الخليجي. توضح فتيحة دازي حني دور مجلس التعاون الخليجي في ترسيخ قيادة السعودية. ففي السنوات الأخيرة تدخل المجلس بشكل مباشر في عدة دول مثل، البحرين (لدعم النظام ضد المعارضة الشيعية) وسوريا (دعم جماعات لمواجهة الرئيس بشار بشار) والحرب على اليمن.
ربما يكون استخدام المجلس لدعم الأهداف السعودية يسبق صعود ابن سلمان، فلقد حاولت السعودية مسبقا ضم الأردن والمغرب للمجلس، ولكن واجهت معارضة من قبل البحرين والكويت، ولكن ازداد دور المجلس في التدخل في شؤون البلدان المجاورة، وأصبحت أكثر عدوانية في عهد ابن سلمان.
العقيدة في إقليم متقلب
هذا التحول لم يكن من فراغ. يتخذ تحليل أنوشيرافان احتشامي، مقاربة ترتكز على النظرية الواقعية، ويجادل بأن المخاطر الأمنية وعوامل عدم الاستقرار في المنطقة مثل، التهديد الإيراني في عدة دول تحيط بالسعودية والربيع العربي، مع وصول القيادة الجديدة لمحمد بن سلمان؛ لسدة الحكم، هذه العوامل أدت إلى انتهاج سياسات خارجية أكثر تدخلا، حيث أصبحت تدريجيا قوى وسطى، بل، ولعبت دورا محوريا في سياسة الولايات المتحدة في الإقليم (الدعامة المزدوجة الجديدة) خاصة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، هذه الدعامة المزدوجة، التي تعتمد على قوة السعودية وإسرائيل؛ لتحقيق الأمن بالمنطقة. يحلل أيفر أردوغان، التحول في السياسات السعودية من وجهة نظر واقعية أيضا، ولكن مستعينا بنظرية توازن التهديد. فيجادل بأن مع ازدياد نفوذ إيران بالمنطقة، أصبحت السعودية ترى طهران تهديدا على أمنها، وما فاقم هذا اعتقاد السعودية بأن الولايات المتحدة بدأت بالانسحاب من الشرق الأوسط، مما يجعل إيران خطرا أكبر. هذا جعل السعودية تبني تحالفا سنيا في مواجهة إيران، بالإضافة إلى عزل قطر (الحليفة لإيران والداعمة لجماعة الإخوان المسلمين)، مع زيادة الإنفاق في شراء الأسلحة والمعدات العسكرية.
فشل محتوم
ولكن، أثبتت التجارب فشل السعودية. يرى محمد نورزمان، بأن عقيدة سلمان كان محتوما أن تفشل منذ البداية؛ لأن ما ترجوه السعودية ورؤيتها للصراع الإقليمي، لا يتوافق مع واقع قدراتها. وأهم تلك العوامل هو ضعف الجيش السعودي، حيث أن الجيش السعودي ظل تاريخيا ضعيفا بشكل مقصود؛ خوفا من محاولة للانقلاب على العائلة المالكة والاستيلاء على السلطة، ولذلك على الرغم من أن السعودية تكثف من شرائها للأسلحة والاستعانة بعسكريين أجانب، ولكن تظل تلك المحاولات غير مجدية مع جيش سعودي تنقصه الخبرة والتدريب. بالإضافة إلى أن التدخلات العسكرية السعودية كلفت الرياض الكثير من الأموال، فوصلت تكاليف الحرب على اليمن 700 مليون دولار شهريا. فمغامرات الرياض العسكرية، ستظل محدودة نظرا لتكاليفها الضخمة مع تقلب أسعار النفط، والتحديات الاقتصادية الداخلية التي تواجهها المملكة.
حالة سوريا أيضا، تبرز هذا العجز في قدرات الرياض. توضح مي درويش، بأن تدخلات السعودية في سوريا توضح قدرات السعودية المحدودة مقارنة بأهدافها في سوريا. لقد دعمت السعودية مجموعات متفرقة في سوريا بلا أيديولوجية موحدة، بالإضافة إلى أن السعودية أدركت وجود معضلة تهدد أمنها، وهي أنه على الرغم من رغبتها في التخلص من نظام الأسد، ولكن أدركت الرياض بأن الجماعات الإرهابية مثل، جبهة النصرة والإخوان المسلمين يشكلون خطرا على المملكة، بالإضافة الى تأجيج العوامل الطائفية المؤدية لعدم الاستقرار، بتحويل نظام بشار من منافس عربي إلى خطر شيعي. يجادل أيضا كريستوفر فيليبس، أن السعودية أساءت تقدير الوضع السياسي السوري. اعتقدت الرياض بحتمية سقوط نظام الأسد، ولم تضع بالاعتبار ضعف إمكانياتها، مقارنة بحجم الدعم والخبرات الإيرانية. كما يلاحظ كريستوفر، بأن الرياض لا تملك معلومات استخباراتية وخبرات تاريخية حول سوريا، لهذا اعتمدت الرياض على علاقات قبلية وشخصية هشة مع جماعات متفرقة بسوريا. بالإضافة إلى أن دخول السعودية في صراع مع قطر فتت المعارضة السورية، مما أضعفها. توضح الحالة السورية، ضعف قدرات السعودية في مواجهة إيران، بل والتسرع في التدخل في البلدان المجاورة بلا خطة متماسكة.
ربما من مظاهر الإخفاق السعودي أيضا، هو هشاشة التحالف السني الذي تحاول السعودية بناءه. يلاحظ محمد نورزمان أيضا، بأن التحالف الذي تحاول السعودية بناءه يفتقر للوحدة والالتزام، فعمان وباكستان رفضوا المشاركة بالتحالف، ومصر والسودان شاركوا فقط بسبب الأموال، وليس إيمانا بالأهداف السعودية. ربما من التحولات الهامة في سياسة السعودية، هو ضم إسرائيل للتحالف. ولكن برغم اتفاق السعودية والإمارات وإسرائيل على ضرورة التدخل العسكري في المنطقة؛ لمواجهة إيران ولكن السعودية غير قادرة على تكوين دعم شعبي، ودبلوماسي للدخول في عمليات عسكرية مع إسرائيل. بالإضافة إلى تردد الولايات المتحدة بتقديم الدعم للتحالف السني بشكل حقيقي. يلاحظ ياسر الشيمي، أن مصر ترفض اعتبار إيران عدوا لكون إيران حليفا هاما لروسيا، بالإضافة إلى رؤية مصر لإيران كقوة هامة في حرب القاهرة ضد الإرهاب، لأن كليهما يدعمان الدول ذات السيادة في سوريا والعراق، في مواجهة الجماعات السنية المسلحة.
تأجيج عدم الاستقرار في المنطقة، أصبح عاملا ثابتا في سياسات السعودية. تتفق مضاوي الرشيد، بأن بن سلمان يسعى لجعل السعودية قوة إقليمية توازي إيران وتركيا وإسرائيل، ولذلك تحولت السياسة الخارجية السعودية من دبلوماسية حذرة إلى سياسة أكثر تدخلا وعنفوانا. ولكن في سبيل تحقيق هذا الهدف لا تسعى الرياض لإطفاء النيران على حد تعبير الرشيد، بل أن محمد بن سلمان مستعد للمخاطرة بإشعال عوامل تهدد استقرار المنطقة؛ لكي تصبح السعودية القوة الأبرز في المنطقة في نظر العالم. كما ترى الرشيد، بأن رؤية محمد بن سلمان محدودة وفقيرة؛ حيث انه يعتقد بأن السبيل لتحقيق القيادة السعودية هو الدعم الأمريكي والأموال فقط، وهذا ما جعل بن سلمان يتجاهل قوى أخرى مثل أوروبا (التي تنظر بقلق لسياسة الرياض العدوانية)، ولذلك تستنتج مضاوي، بأن تلك الرؤية المحدودة أدت إلى فشل تدخلات الرياض في اليمن وغيرها من الدول في تحقيق أهدافها.
مقاربات مختلفة
ترتكز أغلب التحليلات لظهور عقيدة سلمان على مقاربات مختلفة من المدرسة الواقعية، ولكن تلك المقاربات تكتفي بتحليل الصراعات الإقليمية، ودور السعودية بها من مبادئ توازن القوة والأمن. كما افترضت المدرسة الواقعية، بأن الدول كيانات عقلانية قادرة على اتخاذ قرارات محسوبة؛ للحفاظ على مصالحها، وهذا يفسر فشل جميع المغامرات السعودية في سبيل دعم نفوذها، فالعديد من التدخلات السعودية أثبتت إخفاقها، بل وكان فشلها متوقعا. وكما تمت الإشارة مسبقا أيضا، تدخلات السعودية تسبب في تهديد الاستقرار في المنطقة، مما قد يضر بمصالحها في المستقبل. ولذلك بعض التحليلات اعتمدت على عناصر من المقاربات البنائية في العلاقات الدولية، للإشارة إلى دور الرموز والأفكار في السياسة الخارجية للسعودية في عهد بن سلمان. فعلى الرغم من فشل الرياض في تحقيق أهدافها المادية، ولكنها نجحت نسبيا في تحقيق بعض الانتصارات الرمزية.
تفسر آنا سونيك التحول لسياسة خارجية عسكرية، بأنها محاولة من السعودية للتأكيد والإشارة لقدراتها على قيادة المنطقة بعد تراجع الدور الأمريكي وازدياد التدخل الإيراني. لذلك الحرب السعودية على اليمن، هو تدخل رمزي بالدرجة الأولى وليس عسكريا، يسعى هذا التدخل للإشارة إلى قدرة السعودية لقيادة المنطقة؛ لبناء تحالف لمواجهة إيران. هذا يفسر التدخل العسكري المباشر في اليمن، وليس بالوكالة كما هو الحال بسوريا والعراق، حيث أن السعودية غير قادرة على دخول حرب مباشرة مع القوات الإيرانية في سوريا، ولكن في اليمن لا تتواجد قوات إيرانية مباشرة، يتواجد فقط الحوثيون. تحليل محاولات السعودية لقيادة المنطقة خلال مقاربة بنائية يضفي بعد جديد للصراع حول قيادة المنطقة. يوضح مارتن بيك أيضا، بأن السعودية بالتعاون مع إسرائيل أمنوا إيران عن طريق الأفعال اللغوية التي عظمت من خطر طهران وجعلتها خطرا وجوديا، هذا ما ساهم في شرعنة تدخلات استثنائية مثل حرب اليمن، التي كانت ستلاقي استهجانا عالميا بدون إجراءات الأمننة الناجحة.
إخفاق مزدوج
جموح بن سلمان في الاستحواذ على السلطة، وفرض قوته ليس محصورا في سياسته الداخلية، بل انعكس أيضا في سياسة الرياض الخارجية؛ حيث أصبحت تتسم بالعدوانية واستخدام أعنف الوسائل العسكرية؛ لفرض هيمنة الرياض على الإقليم. ولكن أغلب مغامرات ابن سلمان على الساحة الإقليمية، أخفقت أمنيا وعسكريا. قدرات السعودية لا تتناسب مع جموح ابن سلمان غير المحدود، فكانت طموحاته على الساحة الدولية غير محسوبة العواقب. ربما قد تكون الرياض حققت بعض النجاحات على المستوى الرمزي، ولكن حتى تلك النجاحات بدأت بالخفوت تدريجيا. فإن كانت السعودية نجحت في شرعنة حربها ضد اليمن، فإنها اليوم تفقد شرعيتها مع استمرار الانتهاكات الحقوقية والأزمات الإنسانية القاسية التي يسببها العدوان الخليجي على اليمن.