يثير قرار دمج الشركة المصرية للأحذية “باتا” في شركة المحاريث والهندسة تساؤلات حول الأسس التي تعتمد عليها وزارة قطاع الأعمال العام في دمج الشركات.

تطرح الهوة الكبيرة بين مجالي عمل المؤسستين المدمجتين أسئلة عدة، كيف يمكن الاستفادة من الاندماج؟ وما فرص نجاحه؟ فإحداهما، شركة باتا تنشط في تجارة وصناعة الأحذية الكلاسيكية والرياضية، والثانية، نشاطها الأساسي يتركز فى تجميع وبيع الآلات الزراعية.

لم تبرر اللجنة التي حسمت مستقبل “باتا”- والتي تشكلت من أساتذة الهندسة في المقام الأول- الأسس التي دفعتها لاختيار المحاريث والهندسة تحديدًا.

هذا رغم وجود شركات أخرى أكثر ارتباطا بنشاط “باتا”، مثل “بيع المصنوعات” و”هانوي” و”صيدناوي” وغيرها من شركات الشركة القابضة للتجارة والسياحة التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام.

يقصد بالاندماج، اتحاد مصالح بين منشأتين أو أكثر لظهور كيان جديد أقوى من المنشأتين قبل دمجهما.

ويعتمد نجاحه على توافر الإرادة والرغبة وإدارة موحدة أكثر كفاءة، ولديها الكفاءات الإدارية التي تساعدها على العودة للطريق السليم والربحية، وفقا للتعريفات الاقتصادية المتواترة.

تجارب الدمج.. لماذا ينجح البعض ويفشل الآخرون؟

بحسب منصور عبد الغني، المتحدث الرسمي باسم وزارة قطاع الأعمال، فإن الشركة المصرية للأحذية “باتا” توقفت منذ 8 سنوات كنشاط صناعي، ولا توجد أي منتجات خاصة بها.

تحولت الشركة إلى النشاط التجاري فقط عن طريق بيع منتجات الشركات الأخرى بمحالها التي تحمل اسم “باتا”، وعددها يربو على 87 محلاً.

يقول عبد الغني، إنه تم تشكيل لجنة لدراسة الجدوى الاقتصادية، لدمج شركتي باتا والمحاريث والهندسة ودرست جميع الخيارات الممكنة، ووصلت في النهاية إلى قرار إنهاء الشخصية الاعتبارية لـ “باتا” واستغلال فروعها ومخازنها؛ لتكون فروعا للمحاريث والهندسة، التي تقدم خدماتها بقطاع الزراعة في المقام الأول.

تاريخ باتا

تأسست شركة “باتا للأحذية” عام 1894، بإحدى القرى التشيكية، وتوسعت بفتح أول فروع لها مصر بثلاثينيات القرن الماضي، لتحقق انتشار واسع، حتى تأميمها عام 1961، بنفس الاسم التجاري “باتا”، رغم فصلها التام عن الشركة الأم بالخارج، وتبعيتها للشركة القابضة للصناعات الكيماوية.

الأرباح

بحسب آخر أرقام متاحة عن نتائج أعمال “باتا”، فقد حققت أرباحا في العام المالي 2016/2017، بلغت 5.5 ملايين جنيه قبل احتساب الضرائب والفوائد والإهلاكات، مقابل 4 ملايين في العام المالى 2015/2016، بينما بلغ صافي الأرباح 1.1 مليون جنيه مقابل 1.9 ملايين جنيه عن المدة نفسها.

أما شركة المحاريث والهندسة، فتأسسـت في سبتمبر 1929، وكانت أول شـركة أدخلت الجـرار الزراعي الميكانيكي لمصر، وتقوم حاليًا بتجميع جرارات البيلاروس واستيراد آلات الحرث وقص الحشائش وماكينات الدراس.

وسعت الشركة نشاطها، ليشمل معدات النقل والمعدات الميكانيكية والسلع الكهربائية والمعدنية، وأعمال استصلاح الأراضي ومحطات الري والصرف ومشروعات المرافق العامة.

اشتراطات الدمج وأنواعه

تحدد لائحة القانون 185 لسنة 2020 اشتراطات الدمج بمصر، إذ نصت على أن يكون إدماج الشركة بشركة أخرى أو معها أو تقسيمها إلى شـركتين، أو أكثـر من الشركات القابضة بقرار من رئيس مجلس الوزراء.

يتم الدمج بنـاء علـى عـرض الـوزير المختص في تطبيق أحكام قانون شركات قطاع الأعمال العام، ويكـون لكـل شـركة نشأت عن الاندماج أو التقسيم الشخصية الاعتبارية المستقلة، بما يترتب على ذلك مـن آثار قانونية.

للاندماج عدة أنواع أهمها نوعين يرتبطان بطبيعة نشاط الشركة: أولهما: الاندماج الأفقي بين شركتين ينتجان النوع ذاته من المنتجات، ويعملان في الصناعة نفسها.

أما الثاني: هو الاندماج الرأسي عندما تستحوذ شركة على أخرى في مراحل مختلفة من عملية الإنتاج للسيطرة على سلسلة التوريد.

الدمج كبديل للتصفية

اتخذت وزارة قطاع الأعمال العام طريق الدمج والشراكة مع القطاع الخاص، كبديل للتصفية، وهي وسيلة نجحت في بعض الشركات ولم يحالفها النجاح في أخرى، لأسباب تتطلب الدراسة، لمعرفة ما إذا كان السبب هو عدم اختيار طبيعة النشاط في الدمج أم وصول بعض الشركات لمشكلات يصعب حلها؟.

من التجارب الناجحة، دمج شركتي صيدناوى وبيع المصنوعات في شركة واحدة وكذلك الأزياء الحديثة “بنزايون” في بيوت الأزياء الراقية “هانو”، وهما شركتان تابعتان للقابضة للسياحة والفنادق، وكلها شركات قريبة النشاط وبعضها كان يرتبط بعلاقة تنافسية ما أعطاها ثقلا بالسوق.

دخلت الشركات سالفة الذكر في شراكة مع القطاع الخاص، لتمنحه بعض الفروع تحت إدارته مثل “صيدناوي” مع شركة الشوا، وكذلك “هانو” التي قسمت الفروع البالغ عددها 133 إلى عدد تحت الإدارة الذاتية، والآخر بالمشاركة مع شركات تجارية، كما استغلت الأصول التي لديها من وحدات سكنية في أغراض السياحة ما انعكس على نتائج الأعمال.

لا نجاح للدمج دون ضخ استثمارات جديدة ومساعدة الدولة

مراعاةً لطبيعة النشاط الاقتصادي، قررت الحكومة نقل تبعية شركة عمر أفندي من القابضة للتشييد بعد عودتها من الخصخصة، إلى القابضة للسياحة والفنادق واستغلال فروعها المنتشرة بجميع المحافظات، لتسويق صناعة مدينة دمياط للأثاث من أجل الترويج لمنتجاتها.

قبل شهور، قررت الحكومة دمج شركتي “أطلس العامة للمقاولات والاستثمارات العقارية” و”المصرية العامة للمباني” بشركة العبد العامة للمقاولات، وكذلك دمج شركتى رولان والقاهرة للمقاولات بشركة مصر لأعمال الأسمنت المسلح.

تحسين الموارد

مسئول بوزارة قطاع الأعمال العام يقول، إن الدمج يستهدف تحسين مستوى الموارد بالشركات التابعة، والعمل على توحيد الشركات ذات النشاط الواحد، لزيادة قدرتها التنافسية دون المساس بمستحقات العاملين وحقوقهم المكتسبة، ويأخذ في اعتباره أبعادا أخرى منها الأصول، فقد تكون بعض الشركات لديها ممتلكات تخدم النشاط الإنتاجي لأخرى.

يضيف، أن هدف الدمج هو منع التصفية والحفاظ على العمال ومنح الشركات فرصة للانطلاق، ولا يشترط أن تكون هناك وحدة في النشاط، فالأهم هو وجود فكرة حول كيفية الاستفادة من قرار الدمج.

بعض تجارب الدمج المرتبطة بالنشاط لم تحقق النتائج المرجوة منها حتى الآن مثل، شركة النيل لصناعة وإصلاح السيارات، وشركة مصر لتجارة السيارات والنصر للسيارات والهندسية للسيارات.

لكن قطاع الأعمال العام يراهن على وجود فرص مستقبلية، مع مساع للاتفاق على تصنيع سيارات كهربائية، بالتعاون مع شركاء أجانب.

الأمر يتكرر في دمج شركات التجارة، مصر للاستيراد والتصدير، وشركة مصر للتجارة الخارجية والنصر للتصدير والاستيراد التابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق، والتي لم تحقق النتائج المرجوة منها حتى الآن.

يضيف المسئول بقطاع الأعمال العام، أن “المحاريث والهندسة” رغم تركز أغلبية نشاطها بمجال الزراعة وحلول الصرف الزراعي، لكنها تتضمن أنشطة جديدة تم إضافتها لا يعرف عنها الجمهور الكثير، خاصة أن فروعها محدودة ولا تزيد عن فرع واحد في محافظات كبيرة.

بجانب معدات وآلات الزراعة، تبيع الشركة منتجات اللحام وآلات التثقيب والقطع “شنيور”، وبعض الأجهزة الطبية لقياس السكر في الدم، وطلمبات المياه للمباني، وأوناش الرفع ومعقمات الأوزون.

متطلبات نجاح التجربة

النقابة العامة للصناعات الهندسية تربط إمكانية النجاح أو الفشل بضخ الاستثمارات في الكيان الجديد، لكي يقف على قدميه، بدلا من الدمج فقط دون تقديم مساعدة للشركة الجديدة، ما يؤدي لغرق الشركات التي يتم دمجها وليس إنقاذها.

ربما كانت تلك النقطة، سببًا في تخوف أي شركة من قطاع الأعمال العام من دمج شركة أخرى بها، وهو ما تكرر في النصر للملاحات مع المكس للملاحات تحت اسم النصر للملاحات.

قبل الشراكة مع القطاع الخاص، كان فرع صيدناوي في طنطا على سبيل المثال عبارة عن مبنى قديم منزوي، لا يلاحظه إلا سكان المنطقة رغم وجوده بأهم شوارع المدينة، ولكن بعد دخول القطاع الخاص وضخ استثمارات في الصيانة والتطوير والدعاية، تم تغيير واجهة المبنى تمامًا.

توسعت المنتجات، لتشمل أحدث الأجهزة الكهربائية والملابس ومستلزمات الزواج، ما حقق جذبا للجمهور.

وقوف الدولة مع الكيان الجديد ضروري

حدث ذلك مع تجربة دمج شركة العامة للورش ” الترسانة”، بشركة ميتالكو التي تعمل بتصنيع الهناجر وأعمدة الكهرباء اللتان كانتا تقتربان من التصفيةـ وحاليًا يتوليان ملف إنشاء مدينة صناعية متكاملة بمنطقة الروبيكي مخصصة للمدابغ والجلود، وخدمة المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والكبيرة.

يقول الخبير الاقتصادي نادي عزام، إن الدمج أيا كانت صوره، وحتى لو اختلف نشاط الشركتين المدموجتين أفضل من التصفية، فضلاً عن وجود مبررات دائماً للاختيار كوجود قطع أراضٍ تحتاج للتطوير في شركة نشاطها غير مرتبط بالمقاولات فيتم دمجها، تقوم بذلك الدول بما يعود بالفائدة على الاقتصاد والعاملين.

يشير عزام إلى تجربة دمج شركات الغزل والنسيج الـ23 في 8 شركات، و9 شركات لتجارة وحليج الأقطان بشركة واحدة.

حينها ضخت الدولة استثمارات بقيمة 23 مليار جنيه؛ لتوفير الخامات اللازمة للصناعة محليًا بدلًا من استيرادها من الخارج.

هذا بجانب تجربة دمج شركتيّ قها وإدفينا، بهدف تعظيم المنتج وزيادة حجم الطاقة الإنتاجية إلى 10 آلاف طن سنويًّا بدلًا من 8 آلاف طن.

إشكالية الدمج في انزواء اسم إحدى الشركات لصالح الأخرى رغم الارتباط التاريخي بينها وبين العملاء، فعدد فروع باتا تقترب من 87 فرعًا على مستوى الجمهورية، تعمل في 10 منها فقط وتؤجر الباقي.

بينما تمتلك المحاريث والهندسة 25 فرعًا فقط، وستصبح كل تلك الفروع باسم المحاريث ويختفي اسم باتا للأبد.