تبدو المملكة العربية السعودية عازمة على لعب دور قيادي، على مستوى المنطقة العربية والشرق الأوسط، يتبدّى ذلك في عدة مظاهر كان منها، استضافة الرياض للقمة العربية الصينية، ولعب الدور الأبرز في إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وكذلك استئناف العلاقات مع إيران برعاية صينية، فضلا عن رفضها طلب الولايات المتحدة زيادة الإنتاج .

يأتي ذلك في عالم يموج بالتغيّرات السياسية الدولية، بما فى ذلك الصراع بين الصين والولايات المتحدة، والحرب الروسية الأوكرانية، وهنا  تتجلى الرغبة السعودية في الاستفادة من تلك التحولات -التي لم تتضح نتائجها بعد- في الفوز بمقعد رئيسي كقوة إقليمية وازنة ورائدة، هذا يتكامل مع  مخططها الأشمل للتنوّع الاقتصادي في عالم ما بعد النفط، ورؤية 2030 الطموحة.

وفي إطار تلك الملامح الدولية الجديدة، تبدو مصر غير قادرة على المجاراة والتكيّف في ظل الانكفاء تحت ضغط أزمتها الاقتصادية، وبنية الحكم المُتكلسة والمغلقة، و”الأمننة” المتزايدة في شتّى المجالات الاقتصادية والسياسية، والعاجزة عن إيجاد سقف جديد للخيال السياسي المصري.

لذا، كان الضغط الخليجي -السعودية والإمارات تحديدًا- من أجل إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية واضحًا. مؤخرا، توقف الدعم المالي، وما صاحب ذلك من توترات مكتومة ورسائل إعلامية غاضبة، غيّمت على أجواء انتخابات رئاسية منتظرة، لم نعلم موعدها النهائي بعد.

في ذلك السياق، حاول “مصر 360” تحليل السياق السياسي الإقليمي الحالي، وعلاقة مصر بدول الخليج، عبر بعض الأسئلة التي وجهها إلى مجموعة من أبرز الخبراء في شؤون الشرق الأوسط.

وهم:

    ريكاردو فابياني، مدير برنامج شمال إفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية.

  جوسيبي دينتشي، زميل باحث في شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الإيطالي للدراسات الدولية.

     مارينا أوتاواي، زميلة الشرق الأوسط في معهد ويلسون الأمريكي.

مصر 360:

يبدو أن الرغبة السعودية طاغية في احتكار موقع القيادة العربية، وتنفيذ استراتيجيات اقتصادية طموحة. هل السعودية  قادرة على تنفيذ هذه الاستراتيجيات؟ أم أنها طموحة للغاية من الناحية النظرية ويصعب تنفيذها على أرض الواقع ضمن الإطار الزمني المحدد لعام 2030؟

     جوسيبي دينتشي:

     جوسيبي دينتشي:
جوسيبي دينتشي:

منذ عدة سنوات، سعت القيادة السعودية إلى تنفيذ مشروع، لتغيير مكانتها الإقليمية والدولية. ليس من قبيل المصادفة أن تكون “الرؤية السعودية 2030” جزءًا من هذه العملية، والتي تهدف إلى توسيع نفوذ وقوة الرياض على الصعيدين: السياسى والاقتصادي، بجانب مكانتها الدينية .

إنها بلا شك خطة طموحة، لكنها خطة قد تصطدم ببعض القيود الهيكلية، التي قدمها أيضًا التحول ذاته لفكرة الدولة، التي لم تعد قائمة فقط على الاحتكار الثنائي، للنفط والدين. في الواقع، هذا هو التحدي الحقيقي الذي يسعى إليه (ولي العهد) محمد بن سلمان، والذي من المرجح أن يميز العمل السعودي على المدى الطويل.

     مارينا أوتاواي:

مارينا أوتاواي
مارينا أوتاواي

المملكة العربية السعودية لديها الكثير من المنافسة في تأكيد مكانة ريادية في المنطقة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، خاصة في ظل المنافسة من دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي بدأت مشروع تحديثها قبل السعودية .

   توبياس بورك، باحث في دراسات الأمن بالشرق الأوسط، في تحليل نشره المعهد الملكي للخدمات المتحدة:

في الواقع، نتائج المبادرات الدبلوماسية السعودية غير مؤكدة إلى حد كبير. جزء كبير منها يقع ببساطة خارج سيطرة المملكة: من رغبة الصين الفعلية وقدرتها على ممارسة نفوذها على طهران، إلى مكائد مختلف مكوّنات النظامين: الإيراني والسوري، إلى استعداد الحوثيين للتخلي عن سنوات من التعنت.

حاليا، تعكس إجابات المملكة على مثل هذه الأسئلة ثقتها بنفسها؛ مدعومةً بالنمو الاقتصادي المثير للإعجاب على خلفية عائدات النفط غير المتوقعة، والشعور بأن صورتها الدولية -وصورة ولي العهد- قد تعافت.

وتصر الرياض على أنها في وضع قوي بما يكفي – بصفتها أكبر مصدر للنفط في العالم، وعضو في مجموعة العشرين، وتطمح لأن تكون بين أكبر 15 اقتصادًا في العالم.

 وهي بفضل ذلك إضافة إلى ثقلها عربيا، تسعى لرسم مسارها الخاص، ولمقاومة أي ضغط للاختيار بين الولايات المتحدة والصين.

وفي المنطقة، تشعر السعودية أنه حتى لو لم تكن مبادراتها مثالية، فهي على الأقل أفضل مما توصل إليه أي بلد آخر في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، في حالة انهيار الأمور، ستستمر سياستها الخارجية في التكيّف. إلا أن ما سيبقى كما هو الشعار المركزي للرياض:

 القيام بكل ما يلزم؛ لتأمين جهود التطوير والتحديث المستمرة داخل منزلها.

مصر 360:

كيف يجب أن تتعامل مصر مع رؤية السعودية للمنطقة، خاصة أنها منزوية في النهاية مع تراجع دورها في ظل أزماتها الاقتصادية؟

     ريكاردو فابياني:

ريكاردو فابياني
ريكاردو فابياني

السلطات المصرية مُحبطة من فقدان مركزيتها عربيا، وغير راضية عن دول الخليج، وخاصة السعودية التي تحاول فرض إرادتها ورؤيتها على المنطقة، إذ تؤمن القاهرة بأن لها مكانة طبيعية كرائدة في المنطقة بحكم تاريخها وثقافتها وحجم سكانها. 

ومع ذلك، يواجه المصريون واقعًا قاسيًا: اقتصادهم يعاني، ومواردهم محدودة للغاية، وقوتهم العسكرية تتأثر أيضًا بحالة الضعف هذه. وفي نهاية المطاف، ليس لدى القاهرة بديل سوى اتباع نهج الخليج، لأنها تعتمد جزئيا على أموالهم  واستثمارتهم من أجل صمودها الاقتصادي.

يحاول المصريون تنويع علاقاتهم وتحسين العلاقات مع قطر، على أمل الحد من النفوذ السعودي والإماراتي على بلادهم. لكن قطر غير راغبة أو غير قادرة على التدخل، واستبدال الرياض وأبو ظبي بالكامل، مما يعني أن خيارات القاهرة لا تزال محدودة.

     جوسيبي دينتشي:

على الرغم من تاريخها ودورها كقوة إقليمية، فإن مصر اليوم في وضع صعب لا يسمح لها بمتابعة طموحات أو أهداف رئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية بحاجة إلى دور مصر التاريخي، كشرطي لأمنها وأمن الإقليم .

لذلك، وبصرف النظر عن الصعوبات الاقتصادية  للقاهرة والرغبات السعودية فى توسيع النفوذ، سيستمر الارتباط بينهما حيًّا ومُتغيّرًا بمرور الوقت، مما سيؤدي إلى دور متزايد من التبعية من القاهرة تجاه الرياض. وبشكل عام، سيقود إلى ديناميكية القوى الخليجية بالمنطقة.

 مارينا أوتاواي:

لا يمكن لمصر مواجهة التحدي من قبل المملكة العربية السعودية، إلا إذا رتبت وضعها داخليا،  لقد تراجعت مصر كثيرًا عن دول الخليج وتحتاج إلى التركيز على مشاكلها الخاصة؛ من أجل اكتساب القدرة على مواجهة مختلف التحديات.

مصر 360: كيف تفكر دول الخليج (السعودية والإمارات وقطر تحديدًا) في مصر في مرحلة ما قبل الانتخابات؟ ماذا يريدون؟ وما هي أدوات الضغط؟ وكيف يمكن للتباينات بين السعودية والإمارات وقطر أن تؤثر على هذا الإطار؟

ريكاردو فابياني:

لا أعتقد أن هناك حتى الآن أي شهية من هذه الدول، لتغيير القيادة السياسية في مصر. من الواضح أنه في الانتخابات القادمة ستكون فرص التغيير السياسي محدودة للغاية، وسيكون من غير المنطقي أن تحاول دول الخليج استغلال الانتخابات؛ لتحقيق التغيير في القاهرة. 

في الوقت نفسه، فهم ليسوا راضين تمامًا عن (الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي) ويضغطون على مصر ماليًا، من خلال استثماراتهم وودائعهم، في محاولة للحصول على بعض الإصلاحات الاقتصادية وجعل مصر على الأقل مكتفية ذاتيًا اقتصاديًا، وأقل اعتمادًا على الأموال الخليجية.

بالنسبة للتباينات، في الوقت الحالي لا يبدو أن هناك أي اختلاف كبير بين السعودية والإمارات وقطر: تميل قطر إلى لعب دور سياسي أقل في مصر، وكذلك أقل علنية. في حين أن السعودية والإمارات لديهما دور سياسي أكثر بكثير. فالعلاقة مع مصر تشمل الكثير من القضايا المفتوحة؛ لتسويتها (جزيرتا تيران وصنافير، سد النهضة، السودان، وغيرهم).

جوسيبي دينتشي:

بالنسبة  لدول الخليج، تعد مصر شريكًا رئيسيًا، ولاعبًا سياسيًا أساسيًا في الاستقرار والأمن في المنطقة. لهذا السبب، حتى في ضوء الانتخابات الرئاسية المقبلة، سيستمرون في دعم السيسي وسياساته، مع التأثير بشكل متزايد على خياراته الداخلية على الأقل فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، والتي كانت وستظل التحدي الرئيسي لأي رئيس في مصر.

وعلى الجانب الآخر، فإن المساعدات الاقتصادية والدعم السياسي من الخليج سيعنيان أيضًا، مواءمة أكبر للقاهرة مع السياسات الإقليمية لهؤلاء اللاعبين. 

مصر 360: هل يمكن للخليج أن يؤثر على الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر بوسائل غير مباشرة، خاصة الاقتصادية والسياسية؟ وماذا يجب أن تفعل القاهرة لإقامة انتخابات جادة تعزز مكانتها في مواجهة الضغوط الخليجية الحالية؟.

    ريكاردو فابياني:

أشك في أن الانتخابات القادمة ستوفر فرصة حقيقية للتأثير والتغيير،  السلطة لن تخاطر والمعارضة أضعف من أن تشكل تحديًا. أيضًا، ومن المرجح أن تظل العملية خاضعة لرقابة مشددة، على الرغم من بعض التنازلات للمعارضة.

شعوري أن الخليج يهتم بالإصلاح الاقتصادي، وتقليل خسائره المالية في مصر أكثر من اهتمامه بتحقيق التغيير السياسي، على الرغم من وجود بعض الخلافات الكبيرة نسبيا في السياسة الخارجية.

من الواضح، أنه إذا كان هناك عدم استقرار كبير داخل مصر، واضطرابات قد تؤدي إلى توترات بين السيسي وأطراف السلطة، ربما يغير ذلك حسابات الخليج ويدفعهم؛ لمحاولة التأثير على الوضع السياسي. لكن في حالة  الاستقرار الحالية، من غير المرجح أن توفر الانتخابات فرصة للتغيير.

جوسيبي دينتشي:

إن السبيل الوحيد لعدم إغراق مصر اليوم بتأثيرات ورغبات شركائها الخليجيين، هو الشروع في عملية جادة وجذرية للإصلاحات الهيكلية من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية. هذا في الواقع ما كانت تطالب به دول الخليج وصندوق النقد الدولي من مصر منذ سنوات عديدة. سيسمح مثل هذا الإجراء للبلد باكتساب الاحترام والمساءلة، فضلاً عن التمتع بسمعة طيبة وتخفيف اعتماده على شركائه الإقليميين أيضًا.

  مارينا أوتاواي:

التحدي الرئيسي للانتخابات المصرية داخلي في المقام الأول، لم تكن الانتخابات تنافسية حقًا لفترة طويلة، ومن السهل على الدول الأخرى التدخل عندما يتم تقليص دور المواطنين.

السير الذاتية للباحثين الثلاثة:

ريكاردو فابياني: مدير برنامج شمال إفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية والمختص بالشأن المصري

جوسيبي دينتشي: زميل باحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية؛ حيث تركز أبحاثه على مصر ودول الخليج

مارينا أوتاواي: زميل الشرق الأوسط في معهد ويلسون الأمريكي، والرئيس السابق لبرنامج الشرق الأوسط بمركز كارنيجي للسلام الدولي