أصدرت مجموعة الأزمات الدولية مؤخرا تقريرا حول الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر، أشار التقرير إلى أن الأزمة تهدد  باضطرابات اجتماعية، حيث يطالب صندوق النقد الدولي بإصلاحات مؤلمة مقابل القروض، بينما تسعى السلطات إلى توسيع قاعدتها من خلال حوار وطني لاقى انتقادات كثيرة.

ويكشف التقرير، عما تعيشه مصر من أزمة اقتصادية عميقة، تهدد بتعطيل سياساتها الداخلية والخارجية، مما يؤدي إلى تعميق خيبة الأمل العامة.

و يشير التقرير، إلى أن مصر رغم أنها مرت بإخفاقات اقتصادية من قبل، لكن مشكلات اليوم مختلفة، يشترك فيها كل من الحكومة ودائنيها، فبدلاً من تقديم خطة إنقاذ غير مشروطة، يعمل شركاء الخليج مع صندوق النقد الدولي؛ للضغط على القاهرة لإجراء إصلاحات هيكلية.

تشمل الضغوط والمطالبات، إبطاء مشاريع البنية التحتية التي تديرها الحكومة، وتقليل حيازات الشركات المملوكة للجيش.

الحوار الوطني

كما يظهر التقرير قلق السلطات، إذ يعكس قرارها بإطلاق حوار وطني مع المجتمع المدني، وقوى المعارضة. الرغبة في توسيع قاعدة دعمها مع انتقال الوضع الاقتصادي من سيئ إلى أسوأ – ويأتي هذا بالتوازي مع قلق المعارضة من أن الحكومة تعيد التفكير الآن في هذه المبادرة.

في ظل هذه الظروف، جاء دور الشركاء والمؤسسات المتعددة الأطراف في الضغط على القاهرة؛ من أجل الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، مع مراقبة التأثير الاجتماعي؛ لتجنب عدم الاستقرار في دولة ذات أهمية استراتيجية.

مواطن الضعف الاقتصادية

تعرض الاقتصاد المصري لضربة قوية؛ نتيجة للحرب الروسية في أوكرانيا، ذلك بعد الصمود بشكل أفضل مما توقعه العديد من الخبراء خلال جائحة COVID-19 .

تفاقمت الأزمة على مدار عام 2022، وتضاعفت بداية 2023. انخفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، ووصل إلى  أدنى مستوى له عند 32 جنيهًا مصريًا في 11 يناير، قبل أن يستقر عند حوالي 30 جنيهًا مصريًا.

ويتوقع المستثمرون الأجانب المزيد من الانخفاضات. وقد تسبب تخفيض قيمة العملة في ارتفاع التضخم، الذي بلغ 31.9 % في فبراير على أساس سنوي، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 61.8 % على أساس سنوي، وكان لهذه التطورات تأثير كبير على المواطنين، من الطبقة المتوسطة والعاملة.

تاريخ الأزمة

للأزمة تاريخ يمتد إلى سنوات. منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في عام 2013، حيث اتبعت الحكومة نموذجًا اقتصاديًا، يركز على مشاريع البنية التحتية التي تديرها الحكومة، والممولة من خلال الديون الخارجية والمحلية، وفقد رجال الأعمال، خاصة المحسوبين منهم على النظام السابق لنفوذهم.

عندما ضربت الجائحة البلاد في عام 2020، كان المراقبون المحليون والمستثمرون الدوليون قلقين، من أنها ستكشف نقاط الضعف في مصر. فقد اختفت السياحة فعليًا، وزاد ركود النشاط التجاري، لكن تمكنت البلاد من التغلب على تأثير الجائحة. وتدفق المستثمرون الأجانب، الذين اجتذبتهم العوائد المرتفعة لأذون الخزانة المصرية، كما ارتفعت تحويلات المصريين في الخارج.

ومع حرب أوكرانيا، تسارعت  الأزمة الاقتصادية، حيث أدي  الغزو الروسي في فبراير 2022 إلى ارتفاع أسعار السلع، وبالتالي فاتورة الواردات المصرية، خاصة مشتريات الوقود والحبوب، كما  تضاءلت الاحتياطيات الأجنبية للبلاد. وفشلت محاولات الحكومة للحد من الواردات، فى ظل انخفاض الاحتياطيات الأجنبية.

إضافة إلى ذلك، فإن خدمة الدين مهيأة للانفجار. تتوقع ميزانية 2023-2024، أن تستوعب أعباء الديون 56 % من إجمالي الإنفاق الحكومي. عبء الديون هذا، وفقًا لخبير استثمار إقليمي، هو السبب الرئيسي وراء دق المتابعين للشؤون المصرية ناقوس الخطر.

قانون التوازن الدقيق

مع تدهور التوقعات الاقتصادية خلال عام 2022، طلبت القاهرة المساعدة من صندوق النقد الدولي. في البداية طلبت مصر قرضًا بقيمة 12 مليار دولار، لكنها لم تتمكن من التوافق مع الصندوق. إلا في ديسمبر 2022، بعد قبول مصر حزمة أقل طموحًا بقيمة 3 مليارات دولار على مدى 46 شهرًا.

وقد وضع الصندوق قائمة بالإجراءات التفصيلية غير المعتادة التي يتعين على القاهرة اتخاذها من أجل التأهل، وتحديدا “التحول الدائم لسعر الصرف المرن” كأولوية قصوى.

يوضح التقرير صعوبة تحقيق طلب تخفيض مصر لقيمة عملتها عملياً-  نظرًا لحساسيتها السياسية. وبحسب مسئول دولي، رأت الحكومة المصرية أن ارتفاع الجنيه علامة على المكانة الوطنية، ووسيلة لإدارة مستويات الدين الخارجي والتضخم وتكلفة الواردات الرئيسية، بما في ذلك مواد البناء، للشركات المملوكة للجيش.

لكن صندوق النقد الدولي، رأى أن ارتفاع قيمة العملة بشكل مصطنع يشل قطاع التصدير، ويوسع عجز الحساب الخارجي، ويعزز الطلب على الدولار في السوق السوداء.

بينما توقع المصريون أن الحكومة ستخفض قيمة الجنيه عاجلاً أم آجلاً. في حين أن تخفيض قيمة العملة، قد خفف مؤقتًا من مشكلات السيولة بالعملة الصعبة مع تحرك المسئولين المصريين نحو التعويم الكامل للجنيه، إلا أن هناك دلائل على أنهم يواصلون التحكم بقيمته، وهو أمر مناف لرغبات صندوق النقد الدولي.

قد تكون الإصلاحات الأخرى التي تم التفاوض عليها مع صندوق النقد الدولي صعبة أيضًا، إذ تشمل تدابير التقشف المالي والإلغاء التدريجي لدعم أسعار الوقود، التي أدت إلى إثارة الإحباط بين الطبقات المتوسطة والعاملة. لذا فإن طلب صندوق النقد الدولي أن تبطئ القاهرة من مشروعات البنية التحتية، من أجل تقليل الضغط على الحسابات الخارجية والتضخم، يمثل تحديًا  للدعم الداخلي للنظام.

صحيح أن هناك دعمًا دوليًا واسعًا لهذه الإصلاحات، إلا أن تقرير مجموعة الأزمات الدولية يوضح أنها تنطوي على درجة من المخاطرة للحكومة المصرية. إذ قد يؤدي التباطؤ في مشاريع البنية التحتية، وسياسة الحكومة لسحب الاستثمارات إلى المخاطرة بإزعاج علاقة الرئيس مع قاعدته الاجتماعية الأساسية.

الدعم والتقشف

بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تؤدي تدابير التقشف المالي وإصلاح الدعم والمزيد من التخفيضات -وهي تدابير يصر عليها صندوق النقد الدولي أيضًا- إلى زعزعة  للاستقرار.

يشير التقرير، إلى دعم   شركاء مصر الدوليين بشكل عام برنامج إصلاح صندوق النقد الدولي، لكن البعض أعرب لمجموعة الأزمات عن قلقه، بشأن احتمال أن تتسبب الإجراءات الأكثر صرامة في عدم الاستقرار السياسي، لا سيما زيادة الهجرة غير النظامية.

يدعم المسئولون الغربيون خطة صندوق النقد الدولي بالكامل، قائلين، إنه لا يوجد بديل، لكن قد لا يكونون جميعًا على نفس درجة التوافق كما ظهر في أحاديثهم مع مجموعة الأزمات، فقد أعرب دبلوماسيون أمريكيون عن قلقهم من أن الحكومات الأوروبية ربما تضغط على الصندوق؛ لتخفيف مطالبه بسبب مخاطر عدم الاستقرار.

وبحسب مراقب مصري تحدث لمجموعة الأزمات، فإنه على عكس الولايات المتحدة، فإن الأوربيين يرون أن “مصر أكبر من أن تفشل”.

مواقف دول الخليج

دول الخليج، هي المتغير الرئيسي الآخر في هذه المعادلة، نظرًا لخزائنها الضخمة ودعمها السابق لمصر. في أعقاب الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت برئيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، محمد مرسي، في يوليو 2013، تعهد داعمو مصر الخليجيون، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، بسرعة بتقديم 12 مليار دولار، للمساعدة في تحقيق الاستقرار في البلاد.

تألفت المساعدات من ودائع طويلة الأجل لدى البنك المركزي، ومنح مباشرة، جاء معظمها على شكل تحويلات لمنتجات نفطية. لكن بعد ذلك، كانت العلاقات بين القاهرة وعواصم الخليج – بما في ذلك الرياض وأبو ظبي – متوترة واتسمت بخيبة أمل متبادلة.

تنزعج دول الخليج من ضعف الأداء الاقتصادي لمصر، ومقاومة الإصلاح المالي، فضلاً عن سياستها الإقليمية التي تتعارض أحيانًا مع أولويات الخليج.

مصر  أكثر دول الشرق الأوسط اكتظاظًا بالسكان، واعتادت على القيام بدور قيادي في الشؤون العربية، لكنها تشعر بالقلق إزاء ما تعتبره محاولات دول الخليج العنيفة، لإملاء صنع السياسات فيها.

وهي حريصة على الالتزام بخط مستقل. بينما وجدت مصر قضية مشتركة مع رعاتها الخليجيين، عندما تنازعوا مع قطر في الفترة من 2017 إلى 2021، إلا أن القاهرة رفضت بشكل واضح نشر قواتها؛ لدعم التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن ورفضت الوقوف وراء الجهود الخليجية؛ للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في سوريا. كما تجنبت مصر الوقوع في شرك المنافسة الاستراتيجية الخليجية مع إيران.

حتى عندما عملت مصر في شراكة مع دول الخليج، كما فعلت مع الإمارات في ليبيا، إلا أن هذا التعاون لم يسلم من احتكاكات. كما وجدت مصر والإمارات نفسيهما واقعيا، متحالفين مع المعسكرات المتعارضة في القتال الحالي في السودان، حيث تدعم القاهرة الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، فيما تقف أبوظبي إلى جانب قوات الدعم السريع شبه العسكرية، تحت قيادة. محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

ومع ذلك، تحتاج مصر الآن إلى تمويل خليجي؛ لسد عجزها الخارجي. ويتوقع صندوق النقد الدولي استكمال قرضه البالغ 3 مليارات دولار بمبلغ إضافي قدره 14 مليار دولار، من مجموعة متنوعة من الشركاء الدوليين والإقليميين. على وجه الخصوص، يعتمد برنامج صندوق النقد الدولي على مساهمة دول الخليج بمبلغ 10 مليارات دولار، على مدى السنوات الخمس المقبلة، بالإضافة إلى تعهدها بتجديد 28 مليار دولار، من الودائع لدى البنك المركزي المصري.

وفقًا لمسئول بنك إقليمي، تحدث إلى مجموعة الأزمات، فإن اتفاقية صندوق النقد الدولي؛ ستوفر الإغاثة الدائمة فقط، إذا اقترنت بدعم خليجي.

بالإضافة إلى ما سبق، فقد أصبحت دول الخليج من الدائنين الأكثر تطلبًا، فهم يواجهون مطالب خطط التنمية الوطنية الطموحة الخاصة بهم، مما يعني تضاؤل رغبتهم في إنقاذ القاهرة.

وكانت الكويت والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة وقطر أودعت 13 مليار دولار في البنك المركزي المصري، لمساعدة القاهرة على امتصاص الصدمات الاقتصادية الفورية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

الخليج يعيد صياغة مواقفه

أعاد الخليج تقييم نهجه بشأن مصر خلال الأشهر الماضية. وكما قال مسئول خليجي لمجموعة الأزمات: “لسنا مستعدين لمساعدة أولئك الذين لا يرغبون في مساعدة أنفسهم. وحتى لو كنا على استعداد، فإن احتياجات مصر هائلة. لا أحد منا لديه هذا النوع من القوة النارية بعد الآن “.

وعلى عكس الأزمات السابقة، تطالب دول الخليج الآن بالأصول العامة، مقابل دعمها المالي. أدت هذه السياسة الجديدة إلى قيام صناديق الثروة السيادية الخليجية، بشراء حصص أقلية في شركات مصرية يمكن بيعها بربح في مرحلة لاحقة.

كما أنها، تسببت في احتكاكات مع القاهرة؛ بشأن قيمة هذه الأصول؛ حيث أن منطقة الخليج تضع علاوة على العائد على الاستثمار، بدلاً من التفكير في المقام الأول في أفضل السبل لدعم مصر.