تعطي الموازنة العامة لمصر للعام المالي الجديد 2023/2024، التي أقرها مجلس النواب قبل أيام، تمهيدًا للعمل بها مطلع يوليو/تموز المقبل، اهتمامًا كبًيرا بالنشاط الصناعي والتصدير، كأحد وسائل مواجهة أزمة العملة المحلية عبر تعزيز مورد التصدير، وأيضا تقليل الضغط على الاحتياطي النقدي عبر استبدال المنتج المستورد بالمحلي.

بلغت الزيادة الإجمالية لبنود “دعم المواد البترولية” و”الصادرات” و”الأنشطة الصناعية” 131 مليارًا في العام الجديد، ذلك من إجمالي بند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، البالغ 529.68 مليار جنيها، مقابل 425.9 مليارا بالموازنة الحالية 2022/2023.

وأكد الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أمام مجلس النواب التزام الوزارة بتوفير وإتاحة أكبر قدر من المساندة والدعم للنشاط الاقتصادي؛ لحماية ومساندة القطاعات والفئات المتضررة من الأزمات العالمية المتلاحقة، بشكل يضمن حماية العامل المصري وحدوث استقرار مجتمعي.

دعم المحروقات

وسجل دعم المواد البترولية مستوى 119.4 مليارات جنيه في 2023/2024 مقابل 58 مليارًا في العام الحالي 2022/2023 بزيادة 53.1%، ومقابل 59.8 مليارا في 2021/2022، و18.9 مليارا في 2020/2021، و18.6 مليارا في 2019/2020.

يمثل دعم المحروقات، ما تتحمله الحكومة نتيجة بيع بعض المنتجات البترولية بأسعار تقل عن تكلفة توافرها للسوق المحلية، سواء عن طريق الإنتاج أو استيراد بعضها من الخارج مثل: أنبوبة البوتاجاز والمازوت للمخابز والسولار.

بحسب وزارة البترول، فإن الدولة تتحمل 4 جنيهات عن كل لتر سولار، تمثل الفارق بين سعر البيع والتكلفة، بجانب 145 جنيهًا كفارق بين التكلفة الحقيقة لأسطوانة البوتاجاز التي تبلغ 220 جنيهًا وسعر البيع عند 75 جنيهًا.

وارتفع دعم المواد البترولية إلى 66 مليار جنيه خلال النصف الأول من السنة المالية 2022-2023، بسبب تحرير سوق الصرف، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، بنسبة زيادة 288% في الفترة ذاتها من العام السابق.

دعم الصناعة

وطالب صندوق النقد بضرورة تخفيض دعم البنزين، وتقديم الدعم للكيروسين والسولار بدلًا من البنزين، وقصر الدعم على الغذاء والوقود الذي تستهلكه الفئات الفقيرة،

وحظيت الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، على مدار عقود سابقة على نصيب الأسد من الدعم الموجه للصناعة، لكن لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية التي تجتمع كل 3 أشهر، لمراجعة الأسعار غيرت من تلك الرؤية وحركت الأسعار وفقا للمستويات العالمية. وتتحمل الموازنة العامة للدولة 6 مليارات جنيه في أســــعار بيع الطـاقـة الكهربـائيـة للنشاط الصناعي بواقع 10 قروش لكل كيلو وات/ساعة.

19.5 مليار جنيه للأنشطة الصناعية

في الوقت ذاته، رفعت المالية مخصصات دعم الأنشطة الصناعية لتبلغ 19.5 مليار جنيها في 2023/2024 مقابل 3 مليارات جنيه فقط في الموازنة الحالية، بزيادة قدرها 16.5 مليار جنيها.

تتوزع على دعم الضرائب العقارية على المباني المستخدمة بممارسة الأنشطة الصناعية بنحو 1.5 مليار جنيه، بجانب دعم فائدة قروض الأنشطة الصناعية بنحو 10 مليارات جنيه، ضمن شــــروط طرح مبـادرة لـدعم القطـاعـات الإنتاجية بقروض قيمتها 160 مليارًا وبسـعر فائدة يبلغ 11٪ على أن تتحمل وزارة المالية الفرق في سعر الفائدة.

تتضمن تلك المخصصات دعم استراتيجية صناعة السيارات التي تبلغ تقديراتها نصف مليار جنيه، بجانب الحوافز النقدية للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر التي تبلغ نصف مليار جنيـه، ضمن برامج حوافز نقدية في حدود ما يخصص سنوياً من الموازنة ما لا يجاوز 0.3 % من الناتج المحلي الإجمالي، وبحد أدنى 1.5 مليار جنيه سنويًا.

368.8% زيادة في دعم التصدير

رفعت المالية في الوقت ذاته دعم تنشيط الصادرات بنسبة 368.8% ليبلغ مستوى 28.1 مليار جنيه مقابل 6 مليارات جنيه بموازنة 2022/2023، و2.5 مليار جنيه في 2021/2022 و3.9 مليارات جنيه في 2020/2021 و2.1 مليار في 2019/2020.

يمثل ذلك الدعم ما تتحمله الدولة لدعم الصـادرات المصـرية، ويتم تدبير جانب منه عبر ما يتم تحويله لصــندوق دعم تنشــيط الصــادرات من كل من وزارة التجارة والصـــناعة، وهيئة الصادرات والواردات والمقدر بنحو 8 مليارات جنيه، وفقاً للمادة رقم “3” من القانون رقم 15 لسنة 2002

أطلقت وزارة المالية أخيرًا المرحلة السادسة من مبادرة «السداد النقدي الفوري»، لدعم الأعباء التصديرية للشركات المصدرة عن الملفات المستوفاة لدى صندوق تنمية الصادرات، بحيث يتم خصم نسبة تعجيل السداد بقيمة 15٪ حتى مشحونات 30 يونيو 2021، ونسبة 8٪ عن المشحونات من أول يوليو 2021 إلى 30 يونيو 2022.

السلع التموينية.. أرقام مُعلقة

في المقابل، يبلغ دعم السلع التموينية 127.7 مليار جنيه، مقابل 90 مليار جنيه، كانت مخططة للموازنة الحالية و130 مليارا مُتوقع تحقيقها، ويتوزع ذلك المبلغ على منظومة دعم الخبز التي تغطي 70 مليون مستفيد، ومنظومة دعم البطاقات التموينية 62.2 مليون مستفيد.

وتقدر الموازنة الجديدة كميـات القمح المطلوب توفيرهـا بنحو 8.25 مليون طن قمح، منهـا 7.7 مليون طن قمح لتوفير 93.5 مليــارات رغيف، بالإضافة إلى نحو 554 ألف طن قمح لتوفير دقيق المستودعات.

وقال مسئول بوزارة المالية، إن دعم السلع التموينية شهد تعديلاً ملحوظا في موازنة العام الماضي برفعها من 90 مليارا إلى 130 مليارًا “متوقعة” مع ارتفاع أسعار الأقماح عالميا خلال الفترة من يوليو 2022 وحتى مارس 2023، بفعل الحرب الروسية ـ الأوكرانية، لكن الأمر تغير وقت إعداد الموازنة مع الانخفاض الكبير بأسعار الحبوب.

وأضاف، أن وزارة المالية تفترض سعرًا 340 دولارا لطن القمح في الموازنة الجديدة مقابل 424 دولارًا بالموازنة الحالية، وتفترض نسـبة سـحب رغيف الخبز تبلغ نحو ٪78.6 والباقي يتم توفيره، واسـتبداله بنظام النقاط بواقع 10 قروش لكل نقطة (رغيف) يتم توفيره تبلغ ٪21.4.

وتبلغ أعداد المســـتفيدين من دعم الســـلع التموينية 62.2 مليون فرد (50 جنيهًا شـــهرياً للمواطن لعـدد أربعـة أفراد مقيـدين على البطـاقـة ومـا زاد عن ذلـك 25 جنيـهًا للفرد شهرياً).

الحسبة التي وضعتها الوزارة، تفترض دعمًا لرغيف الخبز 83.6 مليارات جنيه، ودعم دقيق المستودعات 5.3 مليارات جنيه، بينما يتم حساب دعم نقاط الخبز بمعادلة (10 قروش لكل رغيف أي حاصل ضرب 10 قروش في 25.4 مليار رغيف، لتعطي في النهاية 2.8 مليار جنيه.

دعم التأمين الصحي والأدوية.. 6 مليارات جنيه

رفعت الموازنة الجديدة دعم التأمين الصحي والأدوية إلى 6.03 مليارات جنيه مقابل 3.8 مليارات جنيه في 2022/2023 و1.4 مليارات في 2021/2022 و3 مليارات في 2020/2021 و2.1 مليار جنيه في 2019/2020 .

يمثل دعم الأدويـة وألبـان الأطفـال، مـا تتحملـه الـدولـة من فروق التكلفـة النـاتجـة عن اســتيراد الأنســولين، وألبان الأطفال وأيودات البوتاســيوم وبيعها بأســعار تقل عن تكلفتها الاقتصــادية، ويتم صــرف هذا الدعم للجهة المنوطة بذلك وهي وزارة الصــحة.

يتضمن المبلغ سالف الذكر دعم أدوية وألبان الأطفال بنحو 3 مليارات جنيه، بزيادة مليارين عن الاعتمــادات المــدرجة بــ الموازنــة المعــدلــة للســــنــة المــاليــة 2022/2023 البـالغ  ملياري جنيـه، بزيـادة قـدرهـا مليار جنيه.

وتبلغ تقديرات دعم البرامج الخاصة بالتأمين الصحي لمختلف الفئات في الموازنة العامة نحو 3.03 مليارات جنيه، تشمل التأمين الصحي على الأطفال (سن الدراسة وما قبل الدراسة)، والمرأة المعيلة، والتأمين الصحي لغير القادرين سواء ضمن التأمين الصحي الشامل أو أصحاب معاش الضمان الاجتماعي.

يتوزع المبلغ سالف الذكر بين دعم التأمين الصحي على الطلاب بقيمة 386.5 مليون جنيها، وهو ما تتحمله الدولة من اشتراكات سنوية عن كل طالب بالمدارس ورياض الأطفال المملوكة للدولة والمدارس الخاصة التي تحصل على إعانة، والمعاهد الأزهرية بإجمالي 25.8 مليون مستفيد بواقع 15 جنيهًا سنوياً لكل طالب.

هذا بجانب 195.5 مليون جنيها؛ لدعم التأمين الصحي للصغار دون السن المدرسي بإجمالي 13 مليون طفلا بواقع 15 جنيهًا سنوياً لكل طفل.

تشمل تلك المخصصات أيضًا، دعم التأمين الصحي على المرأة المعيلة بقيمة 65 مليون جنيه، تستفيد منه 325 ألف امرأة معيلة بواقع مبلغ 200 جنيه سنوياً عن كل امرأة معيلة، وكذلك دعم التأمين الصحي لغير القادرين (التأمين الصحي الشامل) بنحو 2.08 مليون جنيه.

ويمثل قيم اشتراك غير القادرين بمن فيهم المتعطلين عن العمل، أو المستنفدين لمدة استحقاق تعويض البطالة، وتتحمل الخزانة العامة للدولة نسبة 5٪ من الحد الأدنى للأجور المعلن.

تبلغ تقديرات دعم التأمين الصحي لغير القادرين (من أصحاب معاش الضمان الاجتماعي) في مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2023/2024 نحو 200 مليون جنيه، في ضوء ما تضمنته الاستراتيجية القومية للتنمية المستدامة 2030.

الأمان الاجتماعي.. استمرار البرامج المشروطة

تبلغ الاعتمادات المدرجة للأمان الاجتماعي في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية نحو 31.2 مليار جنيها في 2023/2024 وتُمنح بواقع: 404 جنيهات شهرياً للأسرة المكونة من فرد واحد، و450 جنيهًا شهرياً للأسرة المكونة من فردين، و516 جنيهًا شهرياً للأسرة المكونة من ثلاثة أفراد، و563 جنيها شهرياً للأسرة المكونة من أربعة أفراد فأكثر.

وتشمل الحماية المجتمعية برنامج تكافل الذي يستهدف أسر تعاني من الفقر الشديد، وتحتاج لدعم نقدي وخدمي على أن يكون لديها أطفال حتى 18 سنة، أما برنامج “كرامة” فيستهدف الفئات التي تعاني من الفقر الشديد، ولا تستطيع أن تعمل، أو تنتج وغير قادرة على الكسب، ككبار السن من سن ٦٥ سنة فأكثر أو من لديه عجز كلي أو إعاقة تمنعه عن العمل.

تمنح الوزارة في برامج “تكافل” ٥٣٠ جنيهًا للأسرة، بالإضافة إلى منحة لكل تلميذ بمراحل التعليم (ابتدائي، إعدادي، ثانوي) 125ـ 100ـ 75 جنيهًا شهرياً بحد أقصى ثلاثة تلاميذ للأسرة الواحدة، بالإضافة إلى زيادة شهرية بحد أقصى   125 جنيها.

أما برنامج كرامة فيتم خلاله، منح 563 جنيهًا للفرد بحد أقصى 3 أفراد للأسرة الواحدة، وفيما يخص باقي المساعدات الشهرية، فإنها تٌمنح لبعض الفئات من أسر المجندين 18.8 ألف أسرة، وحلايب وشلاتين 3.6 ألف أسرة، وغيرها من الفئات الأولى بالرعاية.

دعم الفلاح وتنمية الصعيد .. محلك سر

استقر دعم المزارعين كما هو عند 544.5 مليون جنيها في 2023/2024 و2022/2023 ، وهو مبلغ يقل عن مخصصات 2021/2022 التي سجلت 704.4 ملايين جنيه، يتم تخصيصها لصــغار المزارعين، لدعم مستلزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة وبذور ومبيدات، وأعباء مقاومة بعض الآفات الزراعية، وخفض أسعار التقاوي، وتقـديم القروض الميســــرة لبعض الأغراض الزراعيـة.

يتمثل الدعم المدرج ضـمن بند دعم المزارعين: نصف مليار جنيه فرق سعر الفائدة لقروض الإنتاج النباتي (مستحقات البنك الزراعي المصري، و30 مليون جنيه مساهمة الدولة فى تكاليف مقاومة آفات القطن، و15 مليون جنيه، لدعم صندوق الموازنة الزراعية).

في السياق ذاته، استقر دعم تنمية الصعيد عند 400 مليون جنيه في العامين القادم والحالي، لكنه أعلى من المخصص في الأعوام السابقة، إذ بلغ 239.5 مليون جنيها في 2021/2022 و250 مليونا في 2020/2021 و200 مليون في 2019/2020.

في المقابل، كان بند دعم السكن الاجتماعي هو الأعلى من بين البنود الخاصة بالمواطن في نسبة الزيادة ،إذ سجل ارتفاعًا بنحو 104% ليبلغ مستوى 10.23 مليار جنيه للعام الجديد، مقابل 5.03 مليارات جنيه في الموازنة الحالية، و2.04 مليار جنيه في 2021/2022 و1.4 مليار في 2020/2021. وتوجه الموازنة ذلك المبلغ إلى دعم إسكان محدودي الدخل والمرافق.

 دعم النقل

استقر دعم نقل الركاب لهيئتي النقل العام والسكك الحديدية ومترو الأنفاق كما هو دون تغيير، عند 1.7 مليار جنيـه في العامين المالي الجديد والحالي، وهو أقل بنسبة طفيفة عن عام 2021/2022 حينما سجل 1.84 مليار جنيه وعام 2020/2021 حينما سجل 1.80 مليار جنيه .

ويتوزع ذلك المبلغ على الدعم الممنوح لاشتراكات الطلبة على خطوط السكك الحديدية، ومترو الأنفاق بقيمة 600 مليون جنيه (200 مليون جنيه لدعم اشتراكات الطلبة على خطوط الهيئة القومية لسكك حديد مصر، 400 مليون جنيه لدعم اشتراكات الطلبة على خطوط مترو أنفاق القاهرة الكبرى).

كما تتضمن دعم الامتيازات الممنوحة للعاملين بالقطاع الحكومي، ولبعض الفئات مثل (المعاقون ومصابو الثورة والعمليات الحربية وأسر الشهداء والمحاربين القدماء) وذلك على أسعار ركوب قطارات السكك الحديدية، وخطوط مترو أنفاق القاهرة الكبرى بنحو 500 مليون جنيه.

وتشمل أيضًا بنود الدعم،  خطوط السكك الحديدية غير الاقتصادية بالمحافظات، نتيجة تشغيل خطوط تحقق إيرادات تقل كثيراً عن التكلفة الحقيقية، وتبلغ تقديرات دعم تلك الخطوط بنحو 5.2 مليار في 2023/2024.

وأثبت الدراسات وجود علاقة موجبة بين حجم دعم الطاقة وحجم العجز، فکلما زاد معدل نمو دعم الطاقة بحوالي 1%، زاد معدل نمو العجز بحوالي 0.26%، بجانب وجود علاقة سالبة بين حجم دعم الطاقة ومعدلات النمو،  فانخفاض بنسبة 0.598% في إجمالى دعم الطاقة کنسبة من الناتج، قد يؤدى إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي بحوالي 1%، حال توجيه تلك المبالغ لزيادة رأس المال الاجتماعي والنشاطات الاقتصادية الأخرى، التي من شأنها رفع معدلات النمو ورفع رفاهية الفئات الأکثر فقراً.