تقدمت 13 منظمة غير حكومية محلية ودولية برسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تدعوه إلى نهج جديد في العلاقات مع مصر، وذلك على خلفية الانتهاكات الحقوقية، وتزامن تقديم الرسالة مع المشاركة المتوقعة للرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة “الاتفاق على تمويل عالمي جديد”، والتي تنعقد يومي الخميس والجمعة، 22 و23 يونيو الجاري.
وتأتي القمة التي تنعقد في باريس، مع احتمالات، أن يلتقي الرئيس المصري نظيره الفرنسي، خلال اجتماع ثنائي، من المفترض أن تطرح القاهرة فيه معالجتها لقضايا حقوق الإنسان وتمكين المجتمع المدني، والحوار الوطني.
ضمن الرسالة، أشارت المنظمات الحقوقية، إلى أن العديد من الدول الغربية ضمنها فرنسا قامت بإمداد مصر بتكنولوجيا المراقبة التي تنتهك حقوق الإنسان، هذا بجانب شرح القيود القانونية التي تفرضها السلطات المصرية على حرية الصحافة وحرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع السلمي.
تعديل التشريعات ورفع القيود عن حرية التعبير
في ما يتعلق بحرية الصحافة والإعلام والنشر، طالبت المنظمات برفع القيود عن وسائل الإعلام المستقلة والمنصات الرقمية، والتي تعرض كثير منها للحجب، إضافة إلى الإفراج عن جميع العاملين في مجال الإعلام المحتجزين؛ بسبب عملهم والامتناع عن أعمال الترهيب أو المضايقة أو التهديد أو الاعتقال أو المقاضاة غير القانونية أو غيرها من أشكال التدخل؛ لمنع المواطنين من الترشح للمناصب العامة أو دعم الحملات الانتخابية أو المشاركة في المناقشات السياسية.
وفي ملف السجناء، طالبت المنظمات بعدم الاكتفاء بالإفراج المشروط عن عدد محدود من الأشخاص قيد الاحتجاز؛ وإحداث تغيير حقيقي ينطلق من الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان، وكل المحتجزين تعسفيًا، لممارستهم حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات.
وكذلك، الامتناع عن احتجاز أو إخفاء مواطنين آخرين؛ لممارسة حقوقهم بشكل سلمي، والتوقف عن تعقب الأفراد واعتقالهم بشكل تعسفي على أساس ميولهم الجنسية أو هويتهم الجنسانية.
وبين خطوات إعادة فتح المجال العام، طالبت المنظمات بإدخال تعديلات سريعة على بعض التشريعات، بما في ذلك قانون تنظيم العمل الأهلي، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، وقانون حماية المرافق العامة، وقانون التجمهر، وقانون التظاهر وقانون الكيانات الإرهابية.
تنامي الانتهاكات وقمع المعارضة
وأشارت المنظمات إلى ما جرى من قمع المعارضة، عبر إساءة توظيف تشريعات مكافحة الإرهاب؛ لإسكات المعارضين؛ حيث لا يزال الآلاف من الأشخاص قيد الحبس احتياطياً أو تنفيذاً لأحكام قضائية؛ بسبب ممارستهم السلمية، بمن في ذلك عاملين في منظمات مصرية مستقلة، ومدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحقوق الأقليات، فضلًا عن محامين وصحفيين وأكاديميين وصانعات محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي وفنانين.
ورأت المنظمات، أن هناك تناميا للانتهاكات؛ مع قيام السلطات المصرية بنشر وتقديم ادعاءات مخالفة للواقع. تزامنت مع الدعوة للحوار الوطني في عام 2022، هذا بجانب تدهور مقلق في الوضع الاقتصادي والاجتماعي؛ الأمر الذي وصفه “أي الدعوة للحوار” المحللون؛ بأنه محاولة لتحميل المسئولية عن الضائقة التي تمر بها البلاد لدائرة أوسع، واسترضاء الحلفاء الغربيين والمانحين بوهم الانفتاح السياسي.
وسبق، وأن طالبت الحركة المدنية الديمقراطية -وهي ائتلاف من حركات وأحزاب معارضة ديمقراطية- بخلق بيئة تفضي لانفتاح سياسي، وعلى رأس هذه المطالب إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين السلميين.
سجن 3600 شخص منذ إبريل 2022
وفي الوقت الذي تم إطلاق سراح قرابة 1100 شخص، بينهم شخصيات معارضة بارزة، اعتقل منذ إبريل 2022 نحو 3600 وفقًا للجبهة المصرية لحقوق الإنسان. ولا يزال نشطاء المعارضة السلمية يتعرضون للإخفاء القسري والمحاكمات السياسية والاعتقال التعسفي.
فتح المجال العام
وفقا للرسالة، فإن تقارير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إلى جانب العديد من المحللين في مجموعة الأزمات الدولية والخبراء الاقتصاديين، أوضحت بشكل صريح أنه ينبغي على الحلفاء الغربيين لمصر تغيير نهجهم المعتاد، والضغط على السلطات المصرية؛ لتغيير المسار، ليس فقط في المجال الاقتصادي؛ ولكن أيضًا من خلال وقف السياسات القمعية ومعالجة أزمة حقوق الإنسان واتخاذ تدابير؛ لاستعادة سيادة القانون وإعادة فتح المجال العام؛ لتمكين إجراء حوار سياسي حقيقي.
وتوضح المنظمات، أن إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة سوف يتم في سياق مغلق تمامًا، مدللة على ذلك، بالتذكير بما حدث حين أعلن السياسي المعارض أحمد الطنطاوي (من الخارج) نيته الترشح، فألقت الأجهزة الأمنية القبض على أكثر من عشرة من أقاربه وأنصاره وأصدقائه. وبينما أوشكت الانتخابات الداخلية في نقابة المهندسين مايو 2023، أن تسفر عن اختيار قيادة مستقلة على رأس النقابة، اقتحم بلطجية يزعم انتماؤهم للكتلة البرلمانية المؤيدة للسيسي «مستقبل وطن»، مقر الانتخابات ودمروا صناديق الاقتراع.
السياسات الاقتصادية
وبحسب ما ورد بالرسالة، فإن هناك مخاوف واسعة النطاق من احتمالية تخلف مصر عن سداد مستحقات الاقتراض المفرط على مدى سنوات، والذي كان غرضه تعزيز القوة، وتركيز السياسة الاقتصادية على المشاريع العملاقة، المشكوك في جدواها والتي تفتقر لدراسات الجدوى، وتنطوي على عطاءات وصفقات مبهمة.
وتشير الرسالة إلى قيام السيسي كثيراً من خلال خطاباته المعلنة بإلقاء اللوم، فيما يخص الأزمة الاقتصادية، على عوامل خارجية أو على ثورة 2011؛ إلا أن تقريرًا صدر مؤخرًا عن صندوق النقد الدولي أفاد بأن تأثير الثورة على النمو الاقتصادي في مصر كان ضئيلًا.
وفي المقابل تخصص مصر في ميزانية 2023-2024، التي تم اعتمادها مؤخرًا من جانب البرلمان أكثر من 56 ٪ من قيمتها؛ لخدمة الدين في مقابل مبالغ غير كافية للخدمات الأساسية، علمًا بأنه لم يتم سد العجز في الميزانية حتى الآن.
وحسب تقرير للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، فإن قمع السلطات المصرية للمعارضة “يسهل لها توظيف سياسة الديون كأداة لسياسات القوة”. وفي ظل عدم وجود فصل بين السلطات؛ فإن القيادة السياسية لديها مطلق الحرية في الاقتراض والإنفاق.
وأشارت الرسالة إلى أن النقاشات العامة حول سياسة الديون مستحيلة؛ نظرًا لقمع جميع منظمات المجتمع المدني المستقلة، والرقابة الكاملة على الصحافة. ومن ثم، فتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تطالب بها الدول والمؤسسات المانحة، يصعب رصدها بشكل كافٍ من الخارج.
وقع على الرسالة 13 منظمة، منها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والجبهة المصرية لحقوق الإنسان ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف واالشبكة الأورو-متوسطية للحقوق.