على الرغم من أنه يتوقع أن تشهد الأسابيع القليلة القادمة استعداد مصر لانتخابات الرئاسة 2024. فقد لوحظ أنه منذ الآن ونحن نشهد زخمًا تدريجيًا حول تلك الانتخابات. فهناك مرشح قادم من خارج مصر يعلن عزمه الترشح، وآخر يقول، أن حزبه يدفعه للترشح، أما المرشح الثالث، فالأرجح أنه الرئيس الحالي، رغم أنه لم يعلن موقفه بعد.
ربما لا زالت الجعبة حبلى بالطامحين، إما من الشخصيات العامة أو الحزبية التي تجد نفسها تليق بخوض المعركة، أو أنها قد تدفع دفعًا لها.
في هذا المقال، نناقش أجواء العملية الانتخابية في ضوء المشهد الانتخابي، لانتخابات الرئاسة المصرية الذي عرف طريقه التعددي بإلغاء الاستفتاء على الرئاسة منذ انتخابات2005، وذلك من زاوية المشاركة في التصويت، ومقارنة السلوك التصويتي للناخبين، والذي حتمًا سيستعد له المرشحون الجادون بعناية.
في المشهد عديد من الملاحظات التي لا غنى عن ذكرها نذكر منها:
بداية، نرصد إننا إلى الآن أمام ثلاثة مرشحين محتملين: الأول رئيس الدولة الحالي، وهو في الأصل قائد عسكري، تولى منصب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع، بكالوريوس علوم عسكرية، كان مديرًا لجهاز المخابرات الحربية، يبلغ من العمر 70 عامًا، له خبرة سابقة في المنصب المرشح له لكونه رئيسًا لمده 10سنوات سابقة. ولكونه رئيسًا فهو لا ينتمي دستوريًا لأي حزب، لكنه مدعوم من جهات حزبية، ساهمت بعض أجهزة الدولة في تأسيسها. بالمقابل هناك أحمد الطنطاوي، وهو خريج تجارة المنصورة، ويعمل صحفيًا، شغل في العمل العام عضوية مجلس النواب خلال الفترة 2015-2020، ينتمي إلى شريحة الشباب، إذ يبلغ سنه 45 عامًا، وكان يشغل رئيس حزب الكرامة قبل أن يستقيل منه.
المرشح الثالث هو، د. عبد السند يمامة، وهو خريج حقوق القاهرة، ويعمل أستاذ قانون دولي بجامعة المنوفية، هو عضو لجنة الـ100 التي وضعت دستور 2012 ممثلا لحزب الوفد، وهو إلى جانب كل ذلك رئيسًا لحزب الوفد منذ مارس2022.
كل ما سبق، يختلف عن الانتخابات السابقة، فعام 2005 كان هناك 10 مرشحين، منهم الرئيس مبارك ذوي الأصول العسكرية، وهو رئيس الحزب الوطني، أما الباقون فكانوا رؤساء أحزاب، وكان بعضهم من الأحزاب الموالية للنظام كحزب الأمة.
وفي عام 2012 خاض 5 مرشحين الانتخابات، منهم عسكري واحد هو أحمد شفيق، ودبلوماسي هو عمرو موسى، وصحفي يساري (حمدين صباحي)، ومحمد مرسي (مرشح الإخوان وهو أستاذ جامعي)، وعبد المنعم أبو الفتوح (طبيب ومرشح حزب مصر القوية).
أما انتخابي 2014 و2019 فلم يتنافس سوى مرشحين اثنين فقط، في الأولى، عبد الفتاح السيسي، الذي اكتسب مكانته من كونه مرشح المؤسسة العسكرية ووزير الدفاع، وكونه هو من أطاح بحكم جماعة الإخوان الإرهابية، وحمدين صباحي، وهو صحفي يساري بارز، وفي الثانية، عبد الفتاح السيسي وموسى مصطفى رئيس حزب الغد وهو (مهندس).
ثانيًا: لم تختلف بيئة الانتخابات في كافة تلك الأعوام بشكل درامي، إذ اتسمت بغلق محكم للمجال العام باستثناء انتخابات 2012، التي اتسمت بقدر كبير من النزاهة والانفتاح الديمقراطي، وإن كانت قد شهدت بعض أجوائها شيئا من الإرباك واللغط، لكونها تلت أحداث يناير2011، التى أفرزت الكثير من القوى السياسية غير المنظمة بشكل جيد. وكانت أبرز الانتهاكات التي شهدتها الانتخابات2005 و2014 و2018، قد ارتبطت بعدم حيادية أجهزة الدولة والإعلام في الانتخابات، إضافة إلى المثالب المحيطة بالإشراف على الانتخابات.
ثالثًا: لم يضع من خاض انتخابات التجديد للرئاسة أية برامج مكتوبة، مكتفين بالأداء على الأرض، يتساوى في ذلك الرئيس مبارك مع الرئيس السيسي في حالة التجديد. أما انتخابات2012، وكذلك مرشح المعارضة في انتخابات 2014 فقد وضع كل هؤلاء برامج انتخابية مكتوبة.
جدير بالذكر، إن وضع برامج مكتوبة يفيد بوجود حالة من الإحساس بالجدية في العملية الانتخابية، وغياب تلك البرامج، خاصة لدى من يخوض انتخابات التجديد للرئاسة، يشير إلى الرغبة في الاعتماد على المنجز على الأرض، وكذلك الاعتماد على البرامج المسموعة أو الخطب أو الكلمات الشفوية، أو بث الإعلام؛ لافتتاح الرئيس المرشح للمشروعات التنموية، وهذا الأمر الأخير يدخل في إطار أبرز أعمال تجاوزات الحملة الانتخابية.
رابعًا: يشير مناخ عدم المشاركة في التصويت في تلك الانتخابات سواء بدواعي السلبية (حزب الكنبة)، أو بدواعي العزوف أي المقاطعة المقصودة إلى مغزي ومعنى من كل تلك السلوكيات. وهو عدم الاهتمام بأهمية الصوت، أو إدراك أن المعركة محسومة في حالة السلبية، أو عدم الرضا عن المناخ العام القائم والثقة في الانتخابات، وربما الإحباط بشأن ما هو آت في حالة العزوف. هنا من المهم الإشارة إلى، أن نسبة الأصوات الباطلة في الانتخابات الأربعة السابقة على التوالي كانت (2.37%)و (1.8% )و(4.1%) و(7.27%).
خامسًا: فيما يتعلق بهوية المرشحين المحتملين في الوقت الحالي، وأثرها على السلوك التصويتي، وذلك مقارنة بالانتخابين السابقين، فإن المرشح أحمد الطنطاوي، الذي كان يعارض ترشح صباحي في انتخابات 2014، فهو نفسه أقرب إلى وضع انتخابات2014، أي أقرب لكونه حمدين صباحي، والمرشح يمامة، هو أقرب إلى وضع انتخابات 2018 أي أقرب لكونه موسى مصطفى. بعبارة أخرى، إن الانتخابات القادمة إذا جرت بوجود كل هؤلاء، فإنها ستجمع بين انتخابات 2014 و2018 مع وجود فارق جوهري في بيئة الانتخابات.
سادسًا: تشير الدلائل والخبرات السابقة في انتخابات الرئاسة في عديد دول العالم بما فيها الولايات المتحدة، وهو ما ينطبق على مصر، إلى أن فوز الرئيس المرشح في انتخابات التجديد، هو الأقرب للحدوث، إما بدعوى ترك الناخبين له لإكمال برنامجه، أو لدعم مقولة الناخب في الدول النامية (اللي نعرفه أفضل). هنا تكون النتيجة أحيانًا، هي التنافس بين باقي المرشحين على المركز الثاني. في هذا الصدد يذكر، أن مرشح الغد أيمن نور حصل على المركز الثاني، مقابل مرشح الوفد نعمان جمعة، وذلك في انتخابات2005، والأرجح أن يحصل المرشح أحمد الطنطاوي على المركز الثاني، مقابل مرشح الوفد في انتخابات 2024.
سابعًا: إن القوى التصويتة الممثلة في الهيئة الناخبة في انتخابات 2024، ستكون ضخمة، إذ قد تصل إلى ما يقرب 70مليون نسمة، وهو رقم يفوق ضعف الهيئة الناخبة في انتخابات 2005، والتي بلغت 31826284 ناخبًا. كما تفوق الهيئة الناخبة في الانتخابات الثلاثة التالية، وهي على التوالي 50996746 و53591273 و59078138 ناخبًا، لذلك من المهم النظر وتتبع وضع تلك الهيئة، والتنبؤ بسلوكها التصويتي في ضوء ما جرى من انتخابات سابقة.
ثامنًا: بالنظر إلى انتخابات الرئاسة أعوام 2005 و2014 و2019، وبسبب الظروف المشابهة للأجواء التي جرت فيها الحملات الانتخابية بينهم، من زاوية حال المجال العام. فقد كان هناك فوز للمنافس طالب التجديد لفترة رئاسة تالية في كل محافظات الجمهورية بفارق كبير على المتنافسين، سواء المنافس الأوحد للرئيس السيسي في انتخابي 2014 و2018 أو المتنافسين الـ9 للرئيس مبارك في 2005.
تاسعًا: بالنسبة إلى الانتخابات التعددية التي جرت في 2012، والتي تنافس فيها مرشحان ينتميان إلى التيار الإسلامي المتشدد، والمعدل على السواء فإحداهما هو محمد مرسي عن جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة (أكاديمي)، والثاني عبد المنعم أبو الفتوح عن حزب مصر القومية (طبيب).
كما تنافس فيها مرشحان ينتميان إلى النظام السابق، وتولا مناصب رفيعة فيها، وهما ما اصطلح عرفًا على تسمية كل واحد منهم برجل دولة، وهما أحمد شفيق وزير الطيران المدني الأسبق (عسكري متقاعد)، وعمرو موسى وزير الخارجية الأسبق (سفير متقاعد). وكذلك مرشح اليسار ذو الفكر الناصري حمدين صباحي (صحفي). فقد تباينت الأصوات التي حصل عليها كل منهما.
إذ حصل مرشح الإخوان على 5576970 صوتا بنسبة 24.80%، ومرشح مصر القوية على 3853375 صوتًا 17.20%، وبذلك يكون المرشحان المنتميان للتيار الإسلامي قد حصدا 9430345 صوتًا بنسبة 41%. بالمقابل حصل مرشحا النظام السابق (إن جاز التعبير) على 5506639 صوتًا لأحمد شفيق بنسبة 24.50%، و2557510 أصوات لعمرو موسى بنسبة 11.40%، أي ما جملته 8064149 صوتًا بنسبة 35.90%. أما حمدين صباحي فقد حصد 4724113 صوتًا بنسبة 21%.
عاشرًا: في التفاصيل حصل محمد مرسي على المركز الأول في أكثر من نصف محافظات الجمهورية الـ27، وهي محافظات الجيزة والمنيا وأسيوط والفيوم وبني سويف وسوهاج وقنا وأسوان، والبحيرة، والسويس والإسماعيلية، والبحر الأحمر وشمال سيناء والوادي الجديد.
أي أنه، اكتسح كل محافظات الصعيد عدا الأقصر، ومحافظة واحدة فقط من الوجه البحري، وثلاث من محافظات الحدود الخمس. أما عبد المنعم أبو الفتوح، فلم ينل الأولوية سوى في مطروح ودمياط، وهما من المحافظات المتواضعة في أعداد الناخبين. أما أحمد شفيق، فنال الأولوية في خمس محافظات من الوجه البحري، هي الشرقية والدقهلية والقليوبية والغربية والمنوفية، وكذلك الأقصر.
وبالنسبة لعمرو موسى، فنال الأولوية فقط في جنوب سيناء ضحلة الناخبين. على العكس من ذلك اكتسح حمدين صباحي، القاهرة والإسكندرية وكفر الشيخ وبورسعيد.
في انتخابات الإعادة، نال محمد مرسي الأولوية في كل المحافظات السابقة التي حصدها في الدور الأول باستثناء الجيزة وقنا، كما نال الأولوية في كل من محافظات الإسكندرية وكفر الشيخ التي سبق لصباحي الاكتساح فيها، وكذا دمياط ومطروح التي كانت لأبي الفتوح في الجولة الأولى. والعكس حصد شفيق باقي المحافظات من باقي المرشحين في الجولة الأولى. إضافة إلى، أنه انتزع من محمد مرسي محافظات الجيزة وقنا والبحر الأحمر. وبذلك يكون هناك ميل لمحمد مرسي للتصويت في الوجه القبلي. أما ما جعل شفيق يقترب من مرسي؛ فلأنه تفوق عليه في المحافظات الثلاث الأكبر على مستوى الجمهورية في عدد المصوتين والناخبين، وهي القاهرة والجيزة والشرقية، والتي بلغ جملة المصوتين بها نحو 7.5ملايين نسمة. إضافة إلى تفوقه في الدقهلية والقليوبية والغربية والمنوفية المتسمة بكثافة عدد الناخبين، إذ اقترع بها نحو 7.2 ملايين مقترع.
وهكذا، كانت الصورة العامة لنتائج الانتخابات السابقة، وهي على أي حال ورغم اختلاف البيئة التي جرت فيها، فإنها ربما تكون مرآة لما سيجري عليه الحال في انتخابات 2024، خاصة إذا ما جرت الانتخابات في ظل انفتاح للمجال العام؛ كنتيجة محتملة للحوار الوطني القائم حاليا.