ظهرت مجموعة “فاجنر” الروسية كقوى منافسة للجيش الروسي خلال الأسابيع الماضية، بعدما هددت بالزحف للعاصمة، والسيطرة على مدينة روستوف الاستراتيجية قبل أن تنسحب بوساطة من بيلاروسيا، وبعد الحصول على امتيازات من موسكو، ما يثير تساؤلات حول مصادر القوى الاقتصادية لتلك المجموعات التي أكسبتها نفوذها السياسي والعسكري.
تنبع قوة “فاجنر” الاقتصادية من إفريقيا، وتحديدًا مناجم الذهب والألماس في جمهورية إفريقيا الوسطى، فمنذ وصولها لهذا البلد عام 2018، انتشرت؛ لتشارك في جوانب متعددة من الاقتصاد والأمن في الدولة التي تواجه تحديات مع المتمردين.
استحوذت شركة Lobaye nvest، التابعة لـ”فاجنر”، على مناجم الذهب والألماس في كثير من الحالات عن طريق طرد عمال المناجم الحرفيين في إفريقيا الوسطى، وتدر عمليات التعدين على المجموعة نحو مليار دولار سنويًا.
كاترينا دوكس، المديرة المشاركة والزميلة في مشروع التهديدات العابرة للحدود بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تقول، إن المجموعة ساعدت روسيا في التحايل على العقوبات الدولية المفروضة بعد غزو أوكرانيا عام 2022؛ عن طريق غسل الذهب والألماس؛ لتمويل المجهود الحربي الروسي.
إفريقيا الوسطى.. الدجاجة التي تبيض ذهبًا
كجزء من صفقة حكومة إفريقيا الوسطى مع فاجنر، يُمول التعدين عمليات مجموعة المرتزقة بالبلاد، بجانب حصولها على امتيازات بإعفائها من دفع الضرائب على الموارد التي تستخرجها
تتولى شركة أخرى تابعة لفاجنر تسمى “Diamville” نقل الذهب والألماس من إفريقيا الوسطى لدول أخرى غالبا بالشرق الأوسط؛ لتحويلها إلى نقد وإيداعها في صندوق حرب الرئيس الروسي، وفقًا لبحث أجراه الخبير أنجان سوندارام.
تمت دعوة “فاجنر” في الأصل إلى إفريقيا الوسطى؛ لتدريب الجيش في حملته الطويلة ضد الجماعات المتمردة، بما في ذلك تحالف الوطنيين من أجل التغيير بقيادة الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي، وبالفعل تغلغل مرتزقة فاجنر في جميع مستويات المجتمع في البلاد وصولا إلى أعمال الجمارك.
وانضم أعضاء الجماعة البالغ عددهم 1200 شخص، إلى جنود الدولة في غارات على قرى المتمردين المشتبه بهم، وتصورهم الدعاية في الأفلام والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي على أنهم حماة ومنقذون للبلاد ومواطنيها.
من الذهب إلى البيرة.. تغلغل كبير
في الأشهر الأخيرة، كانت “فاجنر” متهمة بمحاولة إحراق مصنع كاستل للجعة “البيرة” في العاصمة بانجي، الذي يعود عمره إلى 70 عامًا، وأمثال هذه الهجمات مصممة؛ لتقويض الشركات التي تتنافس مع فاجنر، بما في ذلك علامتها التجارية للبيرة.
“كاستل” مملوك للشركة الفرنسية العملاقة للكحول، وتعرض لحريق متعمد، ولم ترغب الحكومة ولا السفارة الفرنسية ولا إدارة وزارة التجارة والصناعة في تقديم تفاصيل عن الهجوم، ولم يسمح للصحفيين بدخول الموقع.
يعتبر الذهب والألماس في جمهورية إفريقيا الوسطى جذابين لروسيا، لأنه يمكن تداولهما خارج القطاع المصرفي، وهي استراتيجية استخدمتها إيران وفنزويلا في الماضي؛ للتحايل على العقوبات.
قامت فاجنر ببناء شبكة قوية من الشركات الوهمية، عبر عمليات انتشارها في إفريقيا؛ لاستغلال الموارد الطبيعية بدول مثل، إفريقيا الوسطى والسودان، ثم تهريب السلع الخام إلى أسواق غير منظمة بشكل غير محكم، حيث يمكنها بسهولة التهرب من العقوبات، بحسب كاترينا دوكس المديرة المشاركة والزميلة في مشروع التهديدات العابرة للحدود بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
انتشار والعين على المكاسب
منذ عام 2015، ينتشر مرتزقة فاجنر في سوريا، يقاتلون إلى جانب القوات الموالية للحكومة، ويحرسون حقول النفط، كما تستخدم حكومة مالي بغرب إفريقيا المجموعة ضد الجماعات الإسلامية المتشددة.
مالي دولة غنية بالبترول والمعادن النفيسة، فضلاً عن اليورانيوم، فحوض Taoudeni، الذي يمتد من الحافة الجنوبية للجزائر عبر شمال غرب مالي وموريتانيا، أكبر حوض رسوبي في إفريقيا بمساحة حوالي مليوني كيلومتر مربع ،وسُمك 5000 متر. وهي منطقة غنية بالذهب والفوسفات والغاز الطبيعي والنفط.
قالت وزارة الدفاع الأمريكية عام 2020، إن مجموعة فاجنر عملت في الصراع المدني في ليبيا الغنية بالنفط أيضا، وأرسلت لها معدات عسكرية بما في ذلك طائرات مقاتلة ومدرعات؛ حتى تتمكن من الحصول على موطئ قدم في البلاد.
تنشط فاجنر في تصدير الخشب أيضا، عبر شركة تدعى Wood International Group مكلفة بالعمل فى غابات الكاميرون، ويقدر الخبراء، أن إيرادات المجموعة المتوقعة للأخشاب وحدها تقترب من مليار دولار، في حين تقدر الإيرادات المحتملة من منجم نداسيما للذهب في إفريقيا الوسطى التي تديرها فاجنر بالكامل الآن بحوالي 2.7 ملياري دولار.
إمبراطور اقتصادي
في عام 2018، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على شركة Evro Polis ، التي يسيطر عليها يفجيني بريجوجين رئيس فاجنر، والتي حصلت على امتيازات في مجال الطاقة، مقابل قيامها بتحرير حقول النفط من داعش خلال الحرب الأهلية في سوريا.
كما حققت شركة Mercury LLC، التابعة لفاجنر، والتي تعمل في قطاع النفط السوري، وفرض عليها عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي عام 2021 ، مبيعات بقيمة 67 مليون دولار في ثلاث سنوات حتى ديسمبر 2021، ولكنها أعلنت عن عدم وجود إيرادات بعد ذلك.
تظهر حسابات Evro Polis، أن العقوبات كان لها تأثير محدود على عملياتها، مع استمرار الشركة في توليد مبيعات خلال 2020، بقيمة 134مليون دولار ، وأرباح صافية قدرها 90 مليون دولار في ذلك العام، ويمثل ذلك عائدًا على حقوق المساهمين بنسبة 180%، والتي تم إعادتها إلى روسيا.
عمليات بريجورين الأخرى أصغر، ولكنها استمرت في التجارة على الرغم من العقوبات، فلا تزال MInvest، وهي شركة تعمل في تعدين الذهب في السودان، تحقق مبيعات بقيمة 2.6 مليوني دولار.
بحسب شبكة CNN الامريكية، فإن مجموعة المرتزقة الروسية تزود قوات الدعم السريع السودانية بالصواريخ؛ للمساعدة في قتالها ضد الجيش السوداني، ومعروف أن محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد الدعم السريع لديه مناجم ذهب يسيطر عليها يستخدمها في تمويل حربه.
تظهر سجلات التصدير، أن شركتين شحنتا كميات كبيرة من المعدات الصناعية إلى مؤسسات تدعمها شركة فاجنر في السودان، وجمهورية إفريقيا الوسطى، حيث حققت عائدات تزيد عن 6 ملايين دولار حتى نهاية عام 2021.