على الرغم من إعلان الحكومة وصندوق مصر السيادي، خطة مشاركة القطاع الخاص في الأصول الحكومية، سواء عبر الطرح في البورصة المصرية، أو البيع لمستثمر استراتيجي؛ إلا إن الحكومة لم تُعلن الآليات التي سيتم تقييم الأصول بها.
يظهر في المشهد ملمحان: تضارب المصالح مع بعض المؤسسات الدولية، وعدم وضوح دور شركات الاستشارات الحكومية التي تولت أمر الطروحات في السابق، ما يزيد الأمر ارتباكا، ويطرح أسئلة حول المكاسب والخسائر.
بعض الأصول التي طرحتها الحكومة للبيع حاليا، بُنيِت عبر قروض خارجية منها: محطة توليد كهرباء بني سويف، ومحطة جبل الزيت والزعفرانة بالسويس.
آليات تقييم الأصول
فى سياق الترويج لصفقات البيع، أعلنت الحكومة أن مؤسسة التمويل الدولية IFC التابعة للبنك الدولي، ستعمل مستشارًا استراتيجيًا؛ بشأن خطة طرح الأصول الحكومية التي يصل عددها لأكثر من 33 شركة ومؤسسة.
“آليات تقييم الأصول مفيش اختراع فيها، وبنوك الاستثمار عندها مجموعة من الأدوات والآليات التي تُعملّها في تلك الحالة؛ لتقييم الأصول” هكذا، بدأ الدكتور مدحت نافع، أستاذ الاستثمار والتمويل حديثه مع “مصر 360”.
ويُضيف، في اتصال هاتفي مع مصر360، أن المستثمرين يعرفون تلك الآليات، وعليها يقومون بعملية الفحص النافي للجهالة للأصول، سواء من خلال أحد بنوك الاستثمار أو شركة استشارات مالية.
ومؤسسة التمويل الدولية، هي إحدى أذرع البنك الدولي التي تستثمر في البلدان الناشئة، ويُركز عملها على القطاع الخاص تحديدًا، ويشمل عملها أكثر من 100 دولة حول العالم، وذلك عبر الاستثمار في الشركات من خلال تقديم قروض، أو إسداء النصائح لمؤسسات الأعمال والحكومات؛ لتشجيع الاستثمار الخاص، بحسب الموقع الإلكتروني للمؤسسة.
تعارض مصالح
لكن السؤال الملّح من وجهة نظر نافع، هو الاستعانة بمؤسسة التمويل الدولية IFC في ضوء وجود شركات حكومية مثل، “إن آي كابيتال” أو “شركة أيادي للاستثمار والتنمية، أو حتى دور صندوق مصر السيادي، الذي أُسس؛ ليُدير عملية بيع أصول الدولة وتحقيق أكبر عائد اقتصادي منها.
وكان مجلس الوزراء، كلف شركة إن آي كابيتال التابعة لوزارة التخطيط؛ بإعداد برنامج الطرح العام الأولي لأسهم العديد من الشركات، والأصول المملوكة للدولة بالبورصة المصرية والبورصات العالمية في عام 2018.
وكذلك شركة أيادي للاستثمار والتنمية التي تأسست عام 2015 خصيصا، لدفع الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص؛ لكن يبدو أن كل تلك الشركات الحكومية فشلت في الترويج لبيع الأصول، والمؤسسات الحكومية المعروضة، بعدما يقرب من 4 أعوام، بحسب نافع.
كما يلفت أستاذ الاستثمار والتمويل إلى وجود “شبهة تعارض مصالح”، في عمل مؤسسة التمويل الدولية IFC مستشارًا للحكومة في عملية الطرح، لأنها مستثمرة في مصر، فضلاً عن إعلان رئيسها الاستثمار في بعض الأصول المصرية التي سيتم طرحها.
ويقول :”إزاي تكون مستثمرا محتملا، وفي نفس الوقت أنت اللي بتقيم الأصول كمستشار”، إضافة إلى أن محفظة مؤسسة التمويل كمستشار مالي لا تُقارن بمحافظ بنوك الاستثمار الكبرى مثل،” مورجان ستانلي” أو “جي بي مورجان”، وكل ذلك يطرح تساؤلات حول اختيار المؤسسة.
ويعتقد نافع، أنه قد يكون ذلك في إطار الاتفاق الاستراتيجي بين البنك الدولي ووزارة التعاون الدولي، والذي يمتد بين عامي 2023 وحتى 2027، وهذا الاتفاق الإطاري يقدم بعض الخدمات منها خدمات الاستشارات، فقد تكون تلك الخدمات مجانًا؛ لكن لا بد من تحقيق المنفعة في عملية البيع، وعدم مزاحمة بنوك الاستثمار في تقييم الأصول.
كما، لا بد للحكومة من توضيح دور مستشارها في عملية طرح الأصول –شركة إن آي كابيتال– بحسب أستاذ الاستثمار والتمويل.
استثمارات مؤسسة التمويل 7 مليارات بمصر
من جهة أخرى، يقول شيخ عمر سيلا، المدير الإقليمي لمؤسسة التمويل الدولية لشمال إفريقيا، إن المؤسسة التابعة للبنك الدولي، اتفقت مع الحكومة على تقديم استشارات استراتيجية؛ بشأن خطة الحكومة لطرح الأصول، مشيرًا إلى استمرار المؤسسة في عملياتها الاستثمارية في الشركات المصرية خارج الاتفاق مع الحكومة.
وبلغ حجم استثمارات مؤسسة التمويل الدولية IFC في مصر حوالي 7 مليارات دولار، منهم 3.2 مليارات دولار في آخر 5 أعوام فقط، بحسب سيلا.
ويُضيف سيلا في تصريحات سابقة، إن اتفاق IFC مع الحكومة المصرية يقوم على تفعيل وتنفيذ برنامج الطروحات، مرجعًا اختيار الحكومة لهم؛ بسبب خبرتهم في مجال الاستشارات حول العالم.
كما لم يُحدد المدير الإقليمي لمؤسسة التمويل، جدولاً زمنياً للانتهاء من عملها كمستشار للحكومة المصرية في برنامج الطروحات.
آلية تقييم محطات توليد الكهرباء
قبل أشهر، اعتزمت الحكومة بيع محطات توليد كهرباء وطاقة متجددة لمستثمر استراتيجي، لم يُعلن عنه ضمن برنامج الخصخصة، حسبما أعلن المتحدث الرسمي للحكومة، ومدير الصندوق السيادي أيمن سليمان.
ووفقًا لمجلس الوزراء، خطة الخصخصة تشمل ثلاث محطات لتوليد الكهرباء هي: “محطة بني سويف التي تعمل بالغاز الطبيعي، ومحطتي جبل الزيت والزعفرانة؛ لتوليد الكهرباء من الرياح”.
وافتتح السيسي، محطة كهرباء بني سويف، في يوليو 2018، وهي ضمن ثلاث محطات، أنشأتها شركة سيمنز الألمانية بالتعاون مع أوراسكوم كونستراكشن والسويدي إليكتريك، لتوليد 14.4 جيجاوات كهرباء من الغاز الطبيعي، بتكلفة إجمالية تصل إلى 6 مليارات يورو، ما يُعادل 2 ملياري يورو لكل محطة.
وتكفلت بنوك التعمير الألماني، ودويتشة بنك، وإتش إس بي سي، بتوفير نحو 85% من التمويل اللازم في هيئة قروض، فيما وفرت وزارة المالية للشركة القابضة للكهرباء 15%. وبدأت الشركة القابضة للكهرباء سداد أول دفعة من قروض البنوك الألمانية في 2019، عبر دفعات دورية تتراوح بين 20 و30 مليون يورو لكل دفعة على مدار 12 عامًا، ما يعني استمرار الديون حتى 2031.
محطة بني سويف
وكانت أولى محاولات الحكومة بيع محطات الكهرباء في عام 2019، لكنها لم تنجح لأسباب إدارية تتعلق بتبعية محطة بني سويف لشركة الوجه القبلي؛ لإنتاج الكهرباء. وهي إحدى الشركات المؤسسة طبقًا للقانون العام رقم 159 لسنة 1981، والتي لا تُتيح عملية البيع أو الدخول في شراكة مع القطاع الخاص.
لذلك، وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، انتهت الشركة القابضة لتوليد الكهرباء من فصل محطة بني سويف، عن شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء، وأنشئت لها شركة تحت اسم “شركة بني سويف لإنتاج الكهرباء، برأسمال بلغ حوالي 11 مليار جنيه طبقًا لقانون الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991، وذلك استعدادًا لطرحها أمام المستثمرين.
وتصل القدرة الفعلية لمحطة بني سويف المركبة نحو 4800 ميجاوات، تُمثل نسبة 8.1% من إجمالي حجم الطاقة الكهربائية المولّدة في مصر، بحسب التقرير الأخير للشركة القابضة لكهرباء مصر.
وتتكون المحطة من 12 توربينة منها منها 8 توربينات من النوع الغازي و 4 توربينات من النوع البخاري، وتبلغ قدرة التوربينة الواحدة 400 ميجاوات، تعمل بنظام الدورة المركبة، وبنظام التبريد المغلق داخل أبراج Cooling tower.
ومن بين المشكلات الفنية التي واجهت عروض بيع محطة بني سويف، عملية تسعير الغاز الطبيعي للمحطة في ضوء عملية دعم الغاز المقدم للمحطات، خاصة لو كانت الحكومة هي مشتري الطاقة المُنتَجة منها.
محطة جبل الزيت
كما تعتزم الحكومة أيضًا، بيع مزرعتي رياح أنشئتا حديثًا بقروض أوروبية ويابانية، وتنتج محطة جبل الزيت نحو 580 ميجاوات من خلال ثلاث محطات صغيرة: محطة رياح جبل الزيت (1) بقدرة 240 ميجاوات وميزانية إجمالية 340 مليون يورو تقريبًا، من ضمنها 5.191 ملايين يورو مقدمة من البنك الألماني للتعمير (KFW)، وقرض بقيمة 50 مليون يورو من بنك الاستثمار الأوروبي، ومنحة بقيمة 30 مليون يورو مقدمة من الاتحاد الأوروبي.
أما محطة جبل الزيت (2)، بقدرة 220 ميجاوات، فأنشئت بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي JICA التي قدمت قرضًا للحكومة؛ لإنشاء المحطة في 2010، بتكلفة 38 مليار ين ياباني.
بالمثل، أُنشئت محطة جبل الزيت (3) بتمويل 120 مليون يورو قدمته الحكومة الأسبانية في 2014، مقابل طرح مناقصة إنشاء المحطة للشركات العاملة بالسوق الإسبانية فقط.
محطة الزعفرانة
المحطة الثالثة: التي تطرحها الحكومة للقطاع الخاص هي محطة توليد الرياح بالزعفرانة، والتي أُنشئت على ثماني مراحل بين 2000 و2010 بقروض ميسرة من دول الدنمارك وإسبانيا واليابان وألمانيا، وصل إجماليها إلى 110 مليون يورو.
وكانت الحكومة تلقت ثلاثة عروض من شركات أمريكية وبريطانية وألمانية، للاستحواذ على حصص تتراوح بين 20 إلى 30% من محطات طاقة الرياح، لكن، أيضًا لم تستكمل الحكومة الإجراءات.
التقييم بالدولار
“مسألة بيع محطات الكهرباء حاليًا، يجب أن يراعي أنه حين أُنشئت، كان سعر الدولار مختلفا عن الحالي”، بحسب أستاذ الاستثمار والتمويل مدحت نافع.
ويُضيف، أن تقييم المحطات لا بد وأن يكون بالدولار وليس بالجنيه، مشيرًا إلى أن إمكانية الربح أو الخسارة من جراء عملية البيع “نسبي”، إذ قد تكون هناك أهداف أخرى.
كما أن هناك جهات رقابية على المال العام، لديها الصلاحيات للرقابة على عملية بيع المحطات، في حال وجود أي شبهات، بحسب نافع.
بيع الغاز المدعم لمحطات الكهرباء
إلى ذلك، يقول الدكتور فاروق الحكيم، رئيس اللجنة الاستشارية لشعبة الكهرباء بنقابة المهندسين، إن عملية بيع محطات الكهرباء للقطاع الخاص يحد من قدرة الدولة على عملية تسعير الخدمة للمواطن، وبالتالي، ستكون هناك اتفاقيات بين الحكومة والمستثمر الخاص الذي سيشتري المحطات.
ويُضيف في اتصال هاتفي لمصر 360، أن نقل ملكية محطة كهرباء للقطاع الخاص، جديد وقديم في نفس الوقت، إذ تمت تلك التجربة في محطة سيدي كرير في السابق والتي كانت تعمل بنظام BOOT “التشييد والتشغيل ونقل الملكية”.
ويُوضح الحكيم، أن محطة بني سويف تعمل بالغاز الطبيعي، والذي يُقدم في كثير من الأحيان بأقل من سعره عالميًا كنوع من الدعم المقدم لتلك المحطات، وبالتالي، فإن عملية بيعها سيتطلب من الحكومة محاسبة المستثمر بالسعر العالمي، والذي سيجعل من الكهرباء سلعة، وليست خدمة.
وكانت أسعار بيع الغاز لشركات توليد الكهرباء تحركت خلال الأعوام الثلاث الأخيرة، بعد تثبيتها طيلة العام المالي 2019/ 2020 عند سعر 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ثم زادت إلى 3.25 في العام المالي 2020/ 2021، ثم خُفضت مرة أخرى إلى 3 دولارات في العام المالي 2021/ 2022، فيما تتحمل وزارة المالية باقي التكلفة كنوع من الدعم.
وأنتجت مصر خلال العام المالي الماضي 2021/ 2022 نحو 73.4 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، بفضل حقل ظهر الذي أنتج 28 مليار متر مكعب، وحقل ريفين في الإسكندرية “8.7 مليارات متر مكعب”، وحقل نورس بمنطقة دلتا النيل “4.6 مليارات متر مكعب”، وفق بيانات رسمية.
وتحقق مصر فائضا في استهلاك الغاز الطبيعي منذ سنوات، إذ أنتجت نحو 66.2 مليار متر مكعب في عام 2021/2020، وحققت فائضا بنحو 3.3 مليارات متر مكعب بعد تغطية الاستهلاك المحلي. ووصل الفائض في العام المالي الماضي إلى 3.5 مليارات متر مكعب، في حين بلغ الإنتاج نحو 63.2 مليار متر مكعب، وفقا لبيانات مجلس الوزراء.
ويقول الحكيم إن مسألة تسعير الكيلو واط لشركات توزيع الكهرباء الحكومية في حال بيع محطات توليد الكهرباء سيكون له اتفاقيات خاصة، مشيرًا إلى كونها مسألة جديدة على قطاع الكهرباء، ولم تحدث في السابق وبالتالي، سننتظر ما تُعلن عنه الحكومة.